كانت فكرة الهيكلة عظيمة وذات نتائج ملموسة، فيكفي أن يرى مخترع الهيكلة أنه قد حقق ما كان يريده مِنْ طرح هذه الفكرة وتنفيذها على أرض الواقع.. فبعد الهيكلة كثُرت الولاءات بداخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وانقسم الطابور الواحد إلى طوابير، وصارت الأفئدة الواحدة شتّى في ميولاتها، وأصبحت الألوية والمعسكرات هدفاً لضربات القاعدة ونزوات لبعض مشايخ القبائل ومشايخ الدين. حتى أقسام الشرطة لم تعد كما يألفها المواطن، ولم يعد بعضها في خدمة الشعب بقدر ما أصبح في خدمة الشيخ والسيد والفندم. ليتنا نرى اهتماماً بقضية شهداء السبعين وإطلاع الشعب على آخر المستجدات فيها، بقدر ما كنا نرى الاهتمام بتنفيذ فكرة الهيكلة.. هذا في حال ما زال ملف جريمة السبعين مفتوحاً.. وملف كلية الشرطة وملفات كثيرة تؤهل حكومة الوفاق لاحتلال صدارة موسوعة غينيس في عدد الجرائم وانفلات الأمن، وعدد اللجان التي يتم تشكيلها للاسترزاق من دماء الشهداء. نحن نعيش حالة من الفوضى التي لا يقدر أدهم صبري -مؤلف سلسلة روايات رجل المستحيل- الكتابة عنها وتحليلها.. ولو فكَّرت أجاثا كريستي أن تكتب عن الجرائم والدماء التي سُفكت خلال هذين العامين والانفجارات العبثية، وضربات الكهرباء، لما استطاعت جمع كل هذه الجرائم في رواية واحدة، ولن يصدقها القارئ لو قالت إن كل الأحداث في الرواية حقيقية، لأن ما نحن فيه ضربٌ من الخيال.. فقد أصبحنا نعيش في عصر الموت الذي أوجدته حكومة الوفاق. بإمكان الدولة الاستعانة بالمحقِّق "كونن" ما دامت قد فشلت في الكشف عن جريمة واحدة وضبط إرهابي واحد.. الهيكلة جزء من هذا العبث الذي يرادُ له أن يستمر، وأن تبقى الولاءات مشتّتة، وأن تبقى الفوضى هي الاعتياد الذي لم يعد يستفز أحداً.