بالرغم مما حدث من إرهاب وقتل ووحشية للشباب بساحة التغيير بصنعاء في 18 مارس بجمعة الكرامة والتي قلبت الموازين في مسار الفعل الثوري، إلا أن المجازر التي وقعت أيضاً في 18 سبتمبر وامتدت إلى ذلك الأسبوع الدموي لم تكن أقل وحشية في قتل المتظاهرين السلميين والتي طالت أيضاً الأطفال وأفراد من الجيش الموالي للثورة من منتسبي الفرقة أولى مدرع. قد يكون الفرق لا غير في أن من قاموا بالقنص والقتل في 18 مارس كانوا يرتدون الزي المدني لكي لا يقال أن الحرس العائلي هو من قام بتلك المجزرة الوحشية، بينما في مجزرة 18 سبتمبر لم يعد يستحي المخلوع وحرسه العائلي، وقتلوا المتظاهرين وهم يرتدون الزي العسكري والذي له حرمته في أي دولة تحترم الإنسان وسيادة القانون، ولم يقتصر الحرس العائلي على استخدم الأسلحة الرشاشة العادية في القتل بل تطور الأمر إلى استخدام مضادات الطائرات وأكبر دليل على ذلك هي تلك الأشلاء المتفرقة والمتناثرة للشهداء التي كانت تصل إلى المستشفى الميداني. وما حدث في 18 سبتمبر من مواجهات من قِبل الحرس العائلي و بلاطجته ومخلفات نظامه الفاسد وبين الجيش الموالي للثورة كان بمثابة رد قوي على أولئك المشككين في انضمام جزء كبير من الجيش للثورة وبالذات الفرقة أولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن والذي وصفوا هذا الانضمام بأنه مجرد اتفاق بين اللواء علي محسن قائد الفرقة أولى مدرع والمخلوع من أجل إنهاء الثورة. ولن ننسى أولئك الضباط والجنود من الفرقة الذين استشهدوا أو جرحوا في 18 سبتمبر، ففي العادة كان المستشفى الميداني بساحة التغيير بصنعاء يستقبل الشهداء والجرحى من الشباب المدنيين بعد كل مسيرة، لكن بعد ذلك اليوم وما تلاه كان يصل إلى المستشفى الميداني شهداء وجرحى من جنود الفرقة، ففي 19 سبتمبر يوم استشهاد الطفل أنس ذو العشرة أشهر وصلت سيارة جيش تابعة للفرقة إلى فناء المستشفى الميداني كان عليها أشخاص كانت الدماء تغطيهم، وعندما هرعت لتصويرهم منعني أحدهم وقال ممنوع التصوير، واعتقدت حينها أنه كان من ضمن المصابين لذلك اليوم أحد الضباط لأنه لم يمنعني أحد من التصوير عندما قمت بتصوير الجنود. وعلى ما يبدو أن المخلوع أراد أن يتأكد من أن الشباب مستمرون في مواصلة ثورتهم فيما لو أستخدم أسلحة أكثر قوة وجراءة في قتلهم وهل سيتخلون عن مسارهم السلمي الذي انتهجوه وكسبوا من خلاله احترام الجميع سوى كان في الداخل أو الخارج، وأراد بذلك أيضا أن يتأكد من مدى جدية الجيش الموالي للثورة في حمايتها وحماية الشباب السلمي، فقام حرسه العائلي بالاعتداء على منتسبي الفرقة أولى مدرع. والمتابع لعقلية المخلوع سيلاحظ أنه أراد أن يقيس مدى قوة حرسه العائلي ومقدار تحمله فيما لو اضطر إلى إشعال فتيل نار الحرب الأهلية التي كان يروج لها هو ومخلفات نظامه والذي كان يعتقد من وجهة نظره بأنه بذلك سيكون المستفيد الوحيد من هذه الحرب في إطالة الوقت والاستفادة منه. لكن المخلوع تيقن تماماً من أنه لو قامت تلك الحرب الأهلية سيكون هو الخاسر الوحيد في هذه الحرب، وليس ما جرى لمعمر القذافي ببعيد عنه أو ما يجري حالياً للسفاح بشار الأسد من فقدان للأخلاق والشرعية أمام العالم حتى وأن طال أمد الثورة. فإن كانت أهم الأحداث التي تلت 18 مارس (جمعة الكرامة) هي انضمام الكثير للثورة وعلى رأسهم جزء لا يستهان به من الجيش وأيضاً بعض السفراء والأحرار من حزب المؤتمر الذي أعلنوا استقالتهم من الحزب وإداريون استقالوا من مراكزهم الوظيفية احتجاجاً على قتل المتظاهرين السلميين بتلك الأعداد وبتلك الوحشية، فأن الأحدث التي تلت مجازر 18 سبتمبر هو إدراك جميع الأطراف على أن النهج السلمي الذي انتهجته الثورة منذ بداياتها كان هو السبيل الوحيد لنجاح الثورة والذي أداء بدوره إلى كسب تعاطف وتأييد كبير سوى كان دولي أو محلي، ويحضرني هنا مقولة للدكتور ياسين سعيد نعمان في إحدى مقابلاته عندما قال كان هناك صمت دولي مما حدث في 18 سبتمبر وما تلها بل أن البعض أرجع سبب ذلك إلى خروج الشباب من الساحة! لكننا هنا نقول الخلود لشهداء جميع ثورات الربيع العربي والشكر والعرفان لأولئك الشباب الذي خرجوا ينشدون الحرية والعدالة وبناء دولتهم المدنية الحديثة والذي يعيش فيها الجميع سواسية ولا سيادة لأحد فوق سيادة القانون، وقدموا كل ما هو غالي من أجل مشروع أمة وليس مشروع فرد أو جماعة، والنصر القريب بأذن الله لثورة سوريا الحزينة، وفرح جديد بقيام ثورة ربيع عربي في بلد عربي جديد.