قال مركز بحوث إماراتي إن اليمن يواجه تحدّياً صعباً في ظلّ الدعوات الانفصالية التي برزت على ساحته خلال الفترة الأخيرة وأصبحت تهدّد وحدته وتضعه أمام خطر كبير، مشيراً إلى أن الوضع الآن ربما يكون أكثر خطورة وأشد وطأة من اختبار عام 1994. وقال مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية في تقرير أصدره هذا الأسبوع أن تعريض هذه الوحدة للتهديد يمثّل إساءة للتضحيات التي بذلت من أجلها، ومغامرة بحاضر الشعب اليمنيّ ومستقبله. المركز الذي أصدر هذا التقرير ضمن نشرة اسمها " أخبار الساعة " كان قد نشر الأسبوع نشر تقريراً آخر في نفس النشرة، ولوحظ تبدل لهجة التقرير الأخير عن تقرير الأسبوع الماضي الذي اكتفى بتقديم تحليل لما يجري في اليمن، محذراً من خطورة الوضع، بخلاف تقرير هذا الأسبوع الذي كان أقرب إلى الرأي المتضمن لموقف مما يحدث.
تقرير هذا الأسبوع التقرير الأخير قال ان الشعب اليمني "بذل تضحيات كبيرة لتحقيق الوحدة في عام 1990، أو لحمايتها والحفاظ عليها في عام 1994، باعتبارها طريقه الطبيعي للمنعة والترقي ومواجهة التحدّيات المشتركة، ولا شك في أن تعريض هذه الوحدة للتهديد يمثّل إساءة للتضحيات التي بذلت من أجلها، ومغامرة بحاضر الشعب اليمنيّ ومستقبله، وتجاوزاً لخطّ أحمر لا يجب تجاوزه أو حتى الاقتراب منه مهما بلغ مدى الخلاف في وجهات النظر بين القوى والأطراف داخل الواحدة". وأضاف: إن الخلافات في وجهات النظر وتعدّد الاجتهادات أمر طبيعيّ وإيجابيّ داخل الدول والمجتمعات، لكن يجب ألا يؤدّي ذلك إلى النيل من وحدة الدولة أو وضع أبنائها في مواجهة بعضهم بعضاً، أو الانزلاق إلى هاوية العنف والمواجهة. وأشار المركز إلى دعوة الرئيس علي عبدالله صالح، خلال الفترة الأخيرة، الحكومة والأحزاب والقوى الشعبية كافة إلى الحوار الجادّ من أجل تعزيز الوحدة الوطنية ومعالجة أيّ إشكالات على المستوى الوطني، وقال انها " دعوة مهمّة من المأمول أن تجد صدى لدى القوى الداعية إلى الانفصال، لأن الحوار هو الطريق الوحيد لمعالجة أي مشكلات أو تباينات في الرؤى بين أبناء الوطن الواحد، كما أنه لا توجد خلافات غير قابلة للحلّ طالما توافرت إرادة حلّها ضمن الإطار الوطني الجامع". وتابع التقرير قائلا: يواجه اليمن تحدّيات كبيرة على مستويات مختلفة، يحتاج في مواجهتها إلى جبهة وطنية متماسكة وقوية بعيداً عن النزعات الانفصالية الهدّامة التي تفتّت البلاد وتشتّت جهدها وتحرفها عن الاهتمام بقضاياها الأساسية. معتبراً الحفاظ على الوحدة اليمنيّة مسؤولية القوى والتيارات الوطنية كلها في البلاد، من مثقّفين وأحزاب ورجال دين ووسائل إعلام وغيرها. واستطرد التقرير: ولعل من الأمور الإيجابية في هذا السياق إعلان الاتجاه، خلال الفترة الأخيرة، إلى تشكيل لجان شعبية في المحافظات المختلفة هدفها الدفاع عن الوحدة، وإصدار عدد من رجال الدين اليمنيّين بياناً اعتبروا فيه الدفاع عن الوحدة "واجباً شرعياً". وأضاف: اليمن دولة عربية مهمّة وركن أساسيّ في منظومة الأمن القومي العربي ومعادلة الأمن الإقليمي بشكل عام، وتلعب دوراً مهماً في مواجهة الأخطار التي تواجه المنطقة وفي مقدمتها خطر الإرهاب، ولذلك فإن أيّ تعريض لوحدة أراضيها للخطر، هو تهديد لأمن المنطقة كلها واستقرارها، وإساءة إلى تجربة وحدوية عربية مهمّة مثّلت، حين ولادتها، حدثاً عربياً كبيراً قوبل بالترحاب والدعم والمساندة. واختتم المركز تقريره بالقول: إن الدروس التي تقدّمها الصراعات الأهلية في المنطقة العربية وما أدّت إليه من نتائج كارثية ممتدة وعميقة، يجب أن تكون حاضرة أمام دعاة الانفصال في اليمن والساعين إليه، وفي مقدمة هذه الدروس أن مثل هذه الصراعات لا ينتصر فيها أحد وتنتهي إلى تدمير الأوطان ووضع بذور العداء والحقد التي تستمر سنوات طويلة بين أبناء الوطن الواحد.
تقرير الأسبوع الماضي أما في تقريره الذي نشر في نشرة أخبار الساعة الأسبوع الماضي، فقال المركز ان الوحدة اليمنية تواجه حاليا اختباراً صعبا ، مشيراً إلى وجود العديد من المؤشرات التي تشير إلى أن اليمن يواجه أخطر تهديد لوحدته منذ عام 1994، في ظل تصاعد تحركات القوى المطالبة بالانفصال في الجنوب. و قال المركز ان الوحدة بين شطري اليمين، الجنوبي والشمالي، في عام 1990 كانت حدثاً محورياً في تاريخ اليمن والمنطقة العربية، مضيفاً: تعرضت هذه الوحدة إلى اختبار كبير في عام 1994 في ظل محاولة انفصالية في الجنوب أدّت إلى حرب أهلية، استطاعت اجتيازها وظل اليمن موحداً، وها هي اليوم تتعرض لاختبار جديد تشير المعطيات المختلفة إلى أنه ربما يكون أكثر خطورة وأشد وطأة من اختبار عام 1994، فقد عادت الدعوة إلى الانفصال في الجنوب للظهور بقوة تتبنّاها قوى مختلفة تلتئم ضمن ما يسمى ب " الحراك الجنوبي" ، وهذا على خلاف ما حدث في عام 1994 حينما كان “الحزب الاشتراكي” هو وحده الذي يتزعم محاولة الانفصال في مواجهة “حزب المؤتمر الشعبي العام” في الشمال. ويقول المركز: وعلى الرغم من أن اليمن قد شهد توترات مختلفة بين الشمال والجنوب منذ عام 1994 في ضوء شكوى بعض الجنوبيين من استئثار الشمال بالسلطة وعدم المساواة الكاملة بين شطري البلاد، فإن ما تشهده البلاد منذ فترة يمثل أخطر تهديد لوحدتها منذ الحرب الأهلية، وهذا ما تؤكده معطيات عدة لعل أهمها: أولا : أن الدعوة إلى الانفصال من قبل قوى “الحراك الجنوبي”، أصبحت صريحة وعلنية، ولم يعد الأمر يتعلق بالمطالبة بالمزيد من الحقوق أو المساواة بين الجنوب والشمال كما كان يحدث في الماضي. في هذا الإطار، فإن رئيس ما يعرف ب “المجلس الوطني الأعلى لتحرير الجنوب”، حسن باعوم، أكد بوضوح “نحن لا نعترف بالوحدة، ولكن نعرف أن حرب صيف عام 1994 تمّت على أساس الغدر والخيانة”، إضافة إلى ذلك فإن هناك حديثاً عن السعي إلى طرد “الاحتلال الشمالي”، ومطالبة ب “استقلال الجنوب”. ثانيا: من الواضح أن قوى الانفصال في الجنوب تعطي خيار المواجهة المسلحة كطريق لتحقيق الانفصال “الاستقلال وفق خطابها السياسي”، أهمية ملحوظة. في هذا الإطار تشير تقارير إلى أنها قد شكلت عام 2008 ما يسمى ب “جيش التحرير” وجعلت محافظة “لحج” منطلقاً له في إشارة ذات دلالة مهمة بالنظر إلى أن هذه المحافظة هي التي انطلق منها الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن. وخلال الأيام الماضية حدثت مواجهات مع قوات الأمن في العديد من المدن الجنوبية، وقالت تقارير إن مسلحين مؤيدين للانفصال قد طردوا قوات الحكومة من إحدى المدن وبسطوا سيطرتهم الكاملة عليها. ثالثا : هناك توجّه من قوى الانفصال في الجنوب إلى اللجوء إلى طلب دعم خارجي، في هذا الإطار تأتي مطالبة الشيخ طارق الفضلي، الذي انضم إلى “الحراك الجنوبي” في إبريل الماضي، “مجلس الأمن الدولي” بإصدار قرارات لحماية الجنوب، ودعوته إلى “محكمة العدل الدولية” ومنظمات “حقوق الإنسان الدولية” بالتحقيق فيما سمّاه “المجازر” التي “ارتكبها النظام” في الجنوب. رابعا: بعد أن كانت السلطة في اليمن تنكر وجود خطر حقيقي يتهدّد الوحدة، فإنها أصبحت تعترف صراحة بهذا الخطر، وهذا ما جاء على لسان الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، في إبريل الماضي 2009. بينما حذر من “مخاطر حقيقية” تتهدد الوحدة، ودعا القوى الوحدوية إلى الاصطفاف لمنع الانفصال في الجنوب. واختتم المركز تقريره الأول بالقول: وفي إشارة إلى عمق الإحساس بالتهديد، أشارت تقارير إلى البدء في تشكيل لجان شعبية في المحافظات المختلفة من أجل “الدفاع عن الوحدة اليمنية”، ودخل رجال الدين على الخط عبر بيان أصدره عدد منهم اعتبروا فيه الدفاع عن الوحدة “واجباً شرعياً”.