بدايةً ولأسباب منهجيه، لابد من الإشارة إلى بعض الأسس الفكرية والعملية المستقرة في ساحة العمل السياسي والحزبي، التي لا يمكن بدونها تصور أن يكون أي تنظيم / حزب سياسي في وضع تنظيمي صحيح، أو أن تكون لديه القدرة الذاتية على اتخاذ المعالجات الصحيحة لأخطائه فور وقوعها، فضلاً عن قدرته على تجديد نفسه وتطوير أداءه.. ومن أهم هذه الأسس: - ممارسة النقد الذاتي بكل شفافية، ودون أي سقوف أو خطوط حمراء. - تطبيق مبدأ العمل الجماعي في جميع شئون التنظيم / الحزب وقراراته عبر الالتزام الفعلي بحق كل الهيئات التنظيمية في المشاركة الحقيقية، واضطلاعها فعلياً بأدوارها واختصاصاتها المنصوص عليها في الأنظمة اللائحية للحزب. - تجسيد معايير الممارسة الديمقراطية داخل الأطر التنظيمية للحزب وتطبيق مبدأ التغيير الدوري في هيئاته القيادية بمختلف مستوياتها. - الالتزام التام بتطبيق نصوص وأحكام الأنظمة اللائحية للتنظيم / الحزب، وعدم مخالفتها تحت أي ظروف. - بناء تقاليد مؤسسية راسخة داخل التنظيم / الحزب (قواعد مهنية، مجردة) تفضي إلى اكتشاف أفضل الكفاءات في مختلف التخصصات من بين أعضاءه وتبنيها لمواقع العمل التنظيمي والعمل الحكومي. ومن خلال الأخذ بهذه الأسس «كأسس معيارية» في اتجاه «حوكمة» أداء المؤتمر الشعبي العام، وتحديداً خلال السنوات العشر الأخيرة (2000م- 2010م).. نجد أمامنا سلسلة من الأخطاء الجوهرية، التي توالى تراكمها واتسعت مساحتها وحدة آثارها، الناجمة عن إشكالات بنيوية عميقة موجودة في بنية المؤتمر الشعبي العام.. ويمكن إيجاز هذه الاشكالات وما تولد عنها من أخطاء بالتالي:
• لأسباب كثيرة تعود في جوهرها إلى طبيعة الظروف التاريخية والموضوعية التي أحاطت بنشوء المؤتمر الشعبي العام، سواءً في طوره الأول عام 1982م، أو في طوره الثاني عام 1990م «كتنظيم سياسي»، متخلق من رحم السلطة.. فمقابل الميزات التي ترتبت للمؤتمر من ذلك،، كان أن ترتب على المؤتمر من ذلك إشكالات بنيوية ومفهوميه عميقة – لازمت المؤتمر منذ لحظة نشوءه ولا زالت حاضره ومستحكمة بأوضاعه حتى اللحظة – يتحدد أُس منشأها في: • هيمنة عقلية الدولة وأدوات الدولة على مجمل الأوضاع التنظيمية للمؤتمر، وعلى أداءه السياسي، وحتى على طرائق التفكير داخل أطره التنظيمية – عقليه الموظف – وخصوصاً منها الأطر القيادية العليا للمؤتمر (اللجنة العامة، الأمانة العامة، قيادات فروع المحافظات).. ومع استمرار هذا الوضع، وازدياد وطأته مع مرور الوقت، تزايدت إفرازاته السلبية الضاغطة على أوضاع المؤتمر وعلى أداءه في جميع الاتجاهات المتعلقة بالشأن التنظيمي والمتعلقة بالشأن العام.. وكان من أبرز تجليات ذلك: - بقاء المؤتمر – كتنظيم سياسي – خارج دائرة الفعل المفترض له «كحزب حاكم»، عبر عدم تمكينه من بناء أدوات العمل التنظيمي المؤسسي المتعارف عليها لدى الاحزاب الحاكمة.. حيث لم يعرف للمؤتمر – خصوصاً خلال السنوات العشر الاخيرة – أي دور يذكر سواً في اتخاذ القرارات السياسية الهامة، أو في اختيار أعضاء «حكومات المؤتمر» المتعاقبة أو المشاركة في إعداد مشاريع عملها الاساسية، أو حتى أن تكون له كلمه مسموعة في تقييم أداء تلك الحكومات.
- إجهاض جميع الجهود والمحاولات الجادة – التي بُذلت باستمرار من قبل الأوساط الواعية داخل المؤتمر – الهادفة إلى اصلاح وتطوير البنية التنظيمية للمؤتمر وتفعيل أداء تكويناته التنظيمية المتخصصة، بما يمكنه «كحزب حاكم» من القيام بدورة الذي تفرضه عليه مسئوليته السياسية والقانونية سواً في اتجاه تطوير الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية في البلد، عبر الشراكة الوطنية الخلاقة مع بقية القوى والاحزاب السياسية القائمة على الساحة، أو في إتجاه رفع مستوى أداء «حكومات المؤتمر» في إدارة الشأن العام في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والتنموية،... الخ، بما يلبي بشكل أمين ومسئول احتياجات وآمال جمهور المواطنين الذين انتخبوه للقيام بها. - تحول المؤتمر إلى مجرد أداه انتخابية بيد الحكومة / الحكومات، وجرت العادة أن يدخل المؤتمر عقب كل عمليه انتخابية في حالة سبات شتوي طويل، حتى تحين الحاجة الموسمية إليه عند حلول أي انتخابات جديدة. - ومع استمرار هذا الوضع المُخل – نتيجة عدم تجاوز أُس نشأته، المتمثل في هيمنة عقلية الدولة وأدوات الدولة.
– واستفحال آثاره على مجمل أوضاع المؤتمر، كان من أسوء إفرازاته التي برزت بكل فجاجه خلال السنوات الأخيرة: • التراجع الحاد في معايير اختيار رؤساء الدوائر المتخصصة في الأمانة العامة، والذي ربما أتي نتيجة لما سبقه من تراجع حاد أيضاً في معايير اختيار الأمناء العامين المساعدين وأعضاء اللجنة العامة.. وبالطبع جاء هذا في سياق ما شهدته مؤسسات الدولة خلال نفس الفترة من تدني حاد في معايير التعيينات في الوظائف العامة بمختلف مستوياتها.
• اختزال المؤتمر الشعبي العام – التنظيم السياسي ذات القاعدة الجماهيرية الأكبر والذي يضم في عضويته عدد كبير من أفضل الكفاءات والخبرات في البلد – في مجموعة من الأشخاص لا يتجاوزن عدد أصابع اليد الواحدة «جلهم حطاب ليل» ومن الذين لا يحظون بأي قدر يذكر من القبول بين أوساط المؤتمريين فضلاً عن أوساط المجتمع، ولا يعكسون بأي حال من الأحوال القدرات والكفاءات المؤتمرية الحقيقية التي تم تهميشها خلال السنوات الأخيرة، عملاً بقاعدة «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة». • تحول الاجتماعات التنظيمية، أي اجتماعات اللجنة الدائمة – التي هي وفقاً للنظام الداخلي للمؤتمر وهيكليته التنظيمية الهيئة القيادية الثانية للمؤتمر بعد المؤتمر العام – خلال السنوات الاخيرة إلى مجرد ظاهرة إجرائية وإعلامية صرفه، إذ وخلافاً لما كان سابقاً، لم تعد تجري أي تحضيرات جادة وصحيحة لاجتماعات اللجنة الدائمة، وصارت اجتماعاتها تعقد بدون جدول أعمال، ولم تعد توزع مسبقاً على أعضاء اللجنة الدائمة أي وثائق تتصل بموضوع / موضوعات الاجتماع، حتى المناقشات في هذه الاجتماعات لم تعد تجري بشكل منظم، وذات مضامين هادفة ومعمقة، بل صارت المناقشات تتم بعشوائية عجيبة، ويغلب عليها دائماً طابع السطحية والتزلف والهتافات الشعبوية. ** اتجاهات تقويم أوضاع المؤتمر لم يعد من المنطقي ولا من الطبيعي استمرار تجاهل كومة الأسباب – القانونية / اللائحية، والموضوعية، والواقعية والعملية، والمعنوية – الموجبة للقيام بما تفرضه الظروف العصيبة والاستثنائية بامتياز، التي واجهها ولا يزال يواجهها اليمن عموماً والمؤتمر الشعبي العام خصوصاً.. من خطوات إصلاح وتقويم ضرورية وعاجله في أوضاع المؤتمر، تستجيب في نوعها ومضمونها لشروط ومتطلبات التعامل باقتدار مع متغيرات المرحلة، تكفل للمؤتمر الحفاظ على قاعدته الجماهيرية ودوره الوازن على الساحة. ولضمان تحقيق هذه الاستجابة بكل أبعادها، لا بد أن تؤدي خطوات الإصلاح والتقويم المطلوبة اليوم إلى: - إزالة ما علق بجسد المؤتمر من اختلالات وأخطاء (كما سبق الإشارة إلى جوانب منها). - إنعاش روح الانتماء بين أعضاء المؤتمر عبر تقديم ما هو جديد، وتحفيز روح المبادرة لدى الأوساط النوعية – العريضة – داخل المؤتمر، التي يؤلمها استمرار المؤتمر في وضعه الحالي، وصارت «قاب قوسين أو أدنى» من نقطه قطع صلاتها بالمؤتمر نهائياً، نتيجة انسداد أفق الأمل من إجراء أي عملية إصلاح حقيقي في أوضاع المؤتمر. - توفير أرضيه ممارسة النقد الذاتي. - تطبيق مبدأ العمل الجماعي في جميع شئون المؤتمر وقراراته. - تجسيد معايير الممارسة الديمقراطية على «أسس علمية»، وتطبيق مبدأ التغيير الدوري في جميع هيئات المؤتمر القيادية. - عدم مخالفة أحكام النظام الداخلي تحت أي ظروف، والالتزام بتنفيذ خطط الإصلاح التي يتم إقرارها. • وتأسيساً على كلما سبق، وأخذاً بالاعتبار جميع معطيات الصراع السياسي القائم على الساحة، وانعكاساته على أجواء التدافع الجاري داخل المؤتمر بين من: «لا يحملون في رؤوسهم إلا قرون للمناطحة»، ولان هؤلاء لا يجيدون سوى ذلك، فإنهم متشبثون بمواقعهم، ويقاومون بهستيرية كل الطروحات الهادفة إلى إصلاح أوضاع المؤتمر، وانتشاله من حالة التخشب التي أوصلوه إليها... وبين من: «يحملون في رؤوسهم عقول قادرة على العطاء الخلاق»، ويحظون بثقة واحترام أوساط المؤتمريين فضلاً عن أوساط المجتمع، لانهم قادرون على وضع وتنفيذ المعالجات الصحيحة لكل الاختلالات والأخطاء التي أثقلت كاهل المؤتمر، وتأهيله للتعامل بحكمة ومسئولية مع استحقاقات المرحلة بكلما تحمله هذه الاستحقاقات المفصلية من تحديات وتعقيدات متعددة الأبعاد. فإن الضرورات الملحة اليوم تتطلب مباشرة العمل في خطوات الإصلاح والتقويم التالية: - نظراً لحالة الوضع اللاقانوني – طبقاً للنظام الداخلي – للهيئات القيادية الحالية (اللجنة العامة، الأمين العام والأمناء العامون المساعدون، قيادات فروع المحافظات، قيادات فروع الدوائر / المديريات) التي انتهت فترة ولايتها القانونية في ديسمبر 2011م. ولان البدايات الخاطئة دائماً وفي أي شأن كان، لا تقود إلا إلى نتائج خاطئة، والبدايات الصحيحة تقود دائماً إلى نتائج صحيحة.. وبما أن حال المؤتمر اليوم لم يعد يحتمل المزيد من الأخطاء. فإن البداية الصحيحة المتاحة الآن «لأي عملية إصلاح وتقويم جادة وحقيقية» في أوضاع المؤتمر، تكمن في الاحتكام إلى النظام الداخلي وذلك عبر الآتي: 1- استناداً إلى نص المادة (32) من النظام الداخلي، وعملاً بنص المادة (38) من النظام الداخلي، وخدمة لمصلحة المؤتمر الشعبي العام المجردة والملحة.. يصدر الأخ / رئيس المؤتمر قرار بالدعوة إلى عقد دوره استثنائية للجنة الدائمة، في موعد يتلائم مع الغاية من عقد هذه الدورة الاستثنائية (قبل نهاية شهر نوفمبر الجاري). 2- يتحدد جدول أعمال الدورة في أربع فقرات: أ. كلمه لرئيس المؤتمر الأخ المشير / علي عبدالله صالح – تتناول: - مجريات الأحداث والتطورات على الساحة. - الهدف من عقد هذه الدورة الاستثنائية، وأهميتها في مسيرة المؤتمر الشعبي العام. ب. كلمه للنائب الاول – الأمين العام الأخ المشير/ عبدربه منصور هادي – تتناول: - ما يتوقعه من حزبه – المؤتمر الشعبي العام – من تعاون، يساعده / كرئيس للجمهورية، خلال هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ اليمن، على تنفيذ مهامه الهادفة إلى الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن، وبناء الدولة المدنية الحديثة التي عنوانها حكم القانون، المحققة لشروط الحياة الكريمة للإنسان اليمني. ج. كلمة للنائب الثاني الدكتور / عبدالكريم الارياني – تتناول: - أهم المحطات في مسار عمل اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، ورؤيته حول مؤتمر الحوار الوطني المرتقب عموماً، وحول مشاركة المؤتمر الشعبي العام خصوصاً. د. عملاً بنص المادة (39/8) من النظام الداخلي.. تشكيل لجنة مؤقتة (لجنة حكماء) تتكون من (12) عضواً، من الكفاءات المؤتمرية المعروفين بسعة الخبرة والمعرفة والوعي السياسي الرصين.. بحيث يكون تشكيل اللجنة وفق الأسس التالية: - (4) أعضاء- من «قائمة الأعضاء المؤسسين» (الذين هم من الشخصيات الوطنية المتمرسة، والتي تحظى بالاحترام بين أوساط المؤتمريين وبين أوساط المجتمع). - (2) أعضاء- من أعضاء اللجنة العامة السابقين (لأسباب موضوعية صرفه، عدم مشاركة أي من أعضاء اللجنة العامة الحاليين). - (2) أعضاء – من الأمناء العامين المساعدين السابقين. - (2) أعضاء – من الأكاديميين والمثقفين المبرزين. - (2) أعضاء- من الكفاءات المعروفة في العمل التنظيمي والانتخابي. * تتولى هذه اللجنة القيام بعملية «مراجعة نقدية شاملة» لمجمل أوضاع المؤتمر وأداءه في جميع المجالات التنظيمية والعامة، ووضع خطة إصلاح وتطوير شامله.. تؤدي إلى إزالة كلما علق بجسد المؤتمر من اختلالات وأخطاء، وتستجيب في نوعها ومضمونها لمتطلبات التفاعل باقتدار مع متغيرات المرحلة واستحقاقاتها المفصلية. * وفي هذا السياق يأتي ضمن مهام هذه اللجنة (لجنة الحكماء) المهام التفصيلية التالية: - دراسة الخيارات المتاحة قانوناً وعملياً، التي تتفق مع النظام الداخلي والظروف الموضوعية الراهنة، لإجراء عملية «إعادة هيكلة موضعية» تمهيداً لعقد المؤتمر العام الثامن، ليتم فيه انتخاب أعضاء اللجنة العامة، والأمين العام، والأمناء العامون المساعدون، وأعضاء هيئة الرقابة. - تحديد موعد انعقاد المؤتمر العام الثامن ووضع جدول أعماله. - إعداد آلية جديدة لانتخاب أعضاء اللجنة العامة، تتضمن مجموعة من الأسس والقواعد الإجرائية والموضوعية، التي تكفل وصول أفضل الكفاءات المؤتمرية إلى عضوية اللجنة العامة، الذين تتناسب قدراتهم مع حجم وأهمية المهام المناطة بهذا التكوين الذي هو وفقاً للنظام الداخلي القيادة السياسية والتنظيمية للمؤتمر. - استقبال ودراسة جميع التصورات التي طرحت مؤخراً من قبل الكثير من أعضاء المؤتمر، والتي تضمنت رؤى متعددة لكيفية تحويل المؤتمر الشعبي العام من وضعية «حزب حاكم» إلى وضعية «حزب سياسي»، وصولاً إلى اعتماد أنجع خطة لإحداث هذا التحول في بنية المؤتمر، وعرض ما يقتضيه ذلك من تعديلات في النظام الداخلي على المؤتمر العام الثامن للتصويت عليها وإقرارها. - مراجعة ما تم إعداده من أوراق العمل، التي سيشارك بها المؤتمر الشعبي العام في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والتي ستمثل رؤية المؤتمر الشعبي العام لمختلف القضايا التي ستطرح في مؤتمر الحوار الوطني المرتقب، إلى جانب كيفية اختيار المؤتمر الشعبي العام لممثلية في مؤتمر الحوار الوطني. ختاماً أذكر نفسي وغيري بقول الخبير الحكيم، بسم الله الرحمن الرحيم ((والعصر * إن الإنسان لفي خسر *إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)). صدق الله العظيم والله من وراء القصد،،،
* مستشار قانوني بالأمانة العامة، عضو اللجنة الفنية، عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر.