(1) الجمعة يوم إجازة، وربما كان من المناسب تناول مواضيع خفيفة بعيدة عن السياسة أو على الأقل تلامسها من بعيد.. ومن ذلك مثلا ما نشره موقع مؤتمري تدفعنا هشاشة مصداقيته إلى خبر نشره لا تصديقا له ولا للتحذير منه؛ ولكن فقط لاطلاع الرأي العام على نوعية من العمل الإعلامي المقزز. والخبر يزعم إن فتاتين يمنيتين وصديقة باكستانية لهما في تعز اعتنقن المسيحية وكفرن بالإسلام بسبب استيائهن مما وصفوه بالجرائم التي ارتكبها إسلاميون في سوريا وليبيا ومصر!
ولأن مؤلف الخبر سنة أولى تلفيق؛ فقد أخفق في ستر أهدافه من وراء هذا الخبر فأقحم الإسلاميين على العادة المؤتمرية في نسبة كل شر في العالم إليهم، فلو كانت ما توصف بجرائم الإسلاميين تصلح للردة عن الإسلام فكذلك جرائم الأنظمة العلمانية ستكون أكثر صلاحية للكفر بالعلمانية.. وحتى الآن لم نسمع أن علمانيا ارتد واعتنق فكرا مناقضا بسبب ذلك! وهل سمعتم أن يهوديا ارتد عن دينه بسبب سلسلة الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من العرب؟ ثم لماذا اعتنقت الفتيات الثلاث المسيحية بالتحديد؟ فتاريخ المسيحيين ودولها منذ صار لهم دولة في روما وحتى حروبهم في أفغانستان والعراق مرورا بالحروب الصليبية ضد المسلمين، والحروب الدينية بين الطوائف المسيحية في أوروبا، وحروب الاستعمار ضد الشعوب في إفريقيا وآسيا وأمريكا، والحربين العالميتين الأولى والثانية.. كل ذلك يجعل غير المسيحيين يكفرون بالمسيحية دون تفكير!
كل ما في الأمر أن الموقع المؤتمري يريد الإساءة للإسلاميين فتم فبركة حادثة ارتداد مزعومة عن الإسلام (ولاحظوا أنها في تعز) وتحميل مسؤوليتها للإسلاميين، ودون انتباه إلى أن أكبر دافع للكفر في عالمنا العربي هو الأنظمة الفاسدة المستبدة، مبتكرة بدعة الجمهورية الوراثية، والديمقراطية الهوشلية، ومحاربة الفساد بافتتاحيات الصحف.. أو كما تقول النكتة المصرية التي شاعت في أواخر عهد حسني مبارك أن الأمن المصري لاحظ في أحد المهرجانات التي كان يحضرها الرئيس أن شخصا من الحاضرين كان يقاطع كلمة الرئيس كل عدة دقائق وهو يهتف: "عاش مبارك موحد الأديان.. عاش مبارك موحد الأديان".. ولما ازدادت الهتافات أخذه رجال الأمن للتحقيق معه، وسألوه عن الحكاية الغريبة عن توحيد أديان المصريين مع أن مصر فيها ثلاثة أديان معروفة هي: الإسلام والمسيحية واليهودية؟ وكان الرد بسيطاً: إن سياسات الرئيس مبارك الفاشلة أرهقت المصريين كلهم وجعلتهم يكفرون بكل شيء!
وباليمني، فالحمد لله أن الردة –إن صح الخبر- اقتصرت على ثلاث فتيات، وإلا فإن استمرار النظام السابق كان سيجعل اليمنيين يكفرون كلهم كما نجح في تكفير الناس بالوحدة والثورة والديمقراطية وإمكانية مكافحة الفساد!
(2) تزايدت أخبار كشف شحنات أسلحة مهربة عبر الموانيء وفي الطرقات، والمثير للدهشة أن المهربين يبدون في مستوى ذكاء محرري وسائل الإعلام المؤتمري الذي يفشلون في فبركة خبر واحد أو الترويج لاتهامات مسبوكة ضد خصومهم. وها نحن نسمع كيف تتساقط الشحنات المهربة بسهولة وبكميات كبيرة جدا. من الواضح أن اكتشاف شحنات الأسلحة المهربة والمخدرات في هذه الأيام يدل على تحسن اليقظة الأمنية إن صحت الأخبار طبعا عما كان معروفا أيام زمان -في بداية السبعينيات تحديدا- عندما اكتشف أمر جاسوس إسرائيلي في الحديدة بالطريقة اليمنية المعهودة لأنه لم يفهم أن المطلوب منه زيادة حق ابن هادي فكان مصيره إلى السجن. وخلال التحقيق معه اتضح أن الجاسوس أرسل لجمع معلومات عن القوات المصرية التي كانت تتردد على ميناءي عدنوالحديدة قبيل حرب أكتوبر، وتجول في المدينتين وقابل من شاء دون أن يكتشفه أحد حتى كان سقوطه في الحديدة كما روينا ما قيل يومها.. وإن كنا لا ندري هل الأمر صحيح أم تشنيعة شعبية؟