قدوم «الكبار» إلى اليمن أمر جيد، وينبغي أن يتحول إلى دعم فعلي للقوى الوطنية بقيادة هادي في مواجهة المشاريع المعرقلة لمسار انتقال السلطة المفضي حال اكتماله- لا محالة- نحو تحول كبير في مستقبل الدولة اليمنية، في مقابل حرص القوى العظمى وغيرها على الأمن الإقليمي والدولي ومصالحها في بلدان الربيع العربي؛ فضلاً عن مصالح هذه القوى في دول الخليج التي تعتبر أمن اليمن جزءاً لا يتجزأ من أمنها الإقليمي. هؤلاء «الكبار» الذين هرعوا اليوم صوب صنعاء هم من تصالح مع ديكتاتور دمّر اليمن لما يزيد عن ثلاثة عقود لم تتحرك خلالها إنسانيتهم تجاه شعب لم يتمكن حتى من التمتع بحقه في الحصول على مياه شرب نظيفة، ولعل من حسن طالعهم أن توفقوا أثناء حديثهم لليمنيين بلكنة مغربية تبعث على الاطمئنان وتوحي بالمصداقية التي عززها في نفوس اليمنيين أداء الدبلوماسي الإنسان جمال بن عمر.
تدرك القوى العظمى مبدئية الموقف الرسمي لنظام ما بعد صالح المسنود بقوة القوى الوطنية الفاعلة من الوحدة، وتدرك أيضاً مبدئية موقف أنظمة دول ما بعد الربيع ودول الخليج (لا سيما الجارة السعودية) من الوحدة اليمنية، وتفهم كيف سارع الزياني الى نفي حديث منسوب له حول عدم إجبار الجنوبيين على خيار الوحدة، وكيف كان الموقف الرسمي اليمني واضحاً في مواجهة هذا التصريح، كما تدرك أهمية الجغرافيا اليمنية المتمركزة في ركن الجزيرة العربية على أمن الإقليم والعالم، ونستطيع القول إن هذه الاعتبارات قد ترجمت موقفها الذي عبر عنه الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي والمندوب الدائم لبريطانيا مارك برانت «إن مجلس الأمن يقف سنداً لاستقرار ووحدة اليمن و لا جدل حول ذلك».
ما هو مطلوب اليوم من القوى العظمى بعد أن أثبتت بالقول وقوفها الى جانب اليمن أن تثبت ذلك بالفعل من خلال تلبية مطلب اللقاء المشترك، كأحد القوى الثورية الفاعلة في ما دعا اليه بيانه الواضح جداً «إن على مجلس الأمن الوقوف بمسؤولية كاملة أمام التنفيذ الفعلي للاتفاق وإلزام الرئيس السابق علي صالح بمغادرة العمل السياسي وعدم ممارسة أي نشاط يتعارض مع الالتزامات التي تم التوقيع عليها ومُنح بموجبها الحصانة، وذلك لضمان عدم جر البلاد مجدداً إلى العنف الذي من شأنه أن يهدد الأمن والسلام الإقليمي والدولي».
حين تمضي القوى العظمى في تلبية هذا المطلب الملح باعتباره أبرز ما يهدد انتقال السلطة ونجاح الحوار الوطني يمكننا اعتبارها مبدئياً جادة فعلاً بموقفها تجاه اليمن وهو ما يمكن اعتباره مهمة ترميمية تقوم بها القوى العظمى جبراً لخاطر اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم مكبلين خلال حكم صالح بتحالف هذه القوى معه.
لا ينبغي أن يشعر اليمنيون بأن قدوم مجلس الأمن الى اليمن بمثابة دعم لتمرير عملية هيكلة الجيش وفق رغبات القوى العظمى التي تفاجأت بالموقف الوطني للجيش اليمني، يوم أعلنت مناطقه العسكرية المختلفة دعمها لثورة الشباب اليمني عدا واحدة منها، لتفسره هذه القوى حسب أهوائها مع أنه أبسط التزامات البشر الأسوياء تجاه شعوبهم، ذلك أمر مرفوض من قبل القوى الوطنية الملتزمة تجاه شعبها ببناء جيش وطني مسئول يحمي سيادة البلد ويحرس تطلعات أبنائها والمتخوفة كذلك من اللا استقرار الذي يمكن أن يعصف بالبلاد في أي لحظة، و هاهي ترمي الكرة في ملعب «الكبار»، فاليمنيون بقدر حاجتهم الى جيش وطني موحد وأجهزة أمنية موحدة هم أيضاً بحاجة الى رئيس واحد لا يتقاسم معه السلطة أو القرار من تلبستهم فكرة الانتقام.
شباب الثورة اليمنية هم الآخرون مستمرون في السير خلف مطالبهم وينتظرون جدية «الكبار» في ترجمة أقوالهم الى أفعال، ولعل رسالة مسيرتهم اليوم قد وصلت، ولولا بركات أمجاد ثورتهم السلمية التي رممت صورة اليمنيين كثعابين لا يجيد مراقصتهم سوى ديكتاتور، لما كان بنو الأصفر يقصدون اليوم صنعاء ويعلنون وقوفهم الى جانب وحدة اليمن واستقراره.
لتعذر القوى العظمى اليمنيين كونهم يؤمنون حيالها بالأفعال لا الأقوال، فألاعيب المصالح حيال ما يجري في سوريا- على سبيل المثال- يحتم علينا ذلك في مواجهة فاعلية القوى العظمى المتمثلة في القدرة والمفتقرة للأصالة المتمثلة في الأخلاق.