إن كانت ثورة اليمن مدينة لأية دولة فليس غير دولة قطر الشقيقة، توأم الثورات العربية الحالية كلها وليس اليمن فحسب. قطر شقيقة الشعب اليمني حاضرة في وجدان كل اليمنيين ليس من اليوم فحسب؛ بل ومنذ وقت مبكر قد يكون أبرز هذه المواقف قبل اليوم موقفها من حرب الانفصال عام 94م، حيث مثلت نموذجا فريدا من بين دول المنطقة منحازة للسواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني بمن فيهم النظام، وبقيت حتى اليوم محافظة على موقفها المبدئي وفية للشعب لا للنظام لأن الشعوب أبقى من حكامها، وهي مواقف أصيلة تعكس شهامة الإنسان العربي وقيمه في أجلى معانيها، مثلما هي أيضاً مواقف حكيمة بالمعايير السياسية والدبلوماسية لن ينساها الشعب اليمني أبدا. إن المواقف المبدئية والصحيحة التي تتبناها دولة قطر الشقيقة وتنتهجها كرؤية استراتيجية مستقبلية مع كل شعوب الثورات اليوم ومن بينها اليمن لدليل قاطع على صوابية الخطى وصدق التوجه وعزم النوايا لدولة قطر الشقيقة باتجاه التأسيس لمشروع حضاري عربي قادم، قد تكون قبطانه أو من رواده الفاعلين على الساحة، وقد انحازت بشكل كامل لخيارات الشعوب العربية وتطلعاتها، ونفضت يدها من أية علاقة غير إيجابية مع حكامها قد تضر بسمعة قطر ومكانتها الآنية والمستقبلية مثلما أنها قد تضر بهذه الشعوب المنتفضة نفسها، مهما كانت علاقتها بهذه الأنظمة، غير آبهة بحسابات الربح أو الخسارة المادية لأنها كما يبدو تدرك أن شرف الانضمام والتحيز لخيارات الشعوب أكبر من ممالأة أي نظام مستبد وطاغ على شعبه، لا لأنها تعيش وضعا ماليا مترفا ودخل مواطنها أعلى معدل دخل في المنطقة فحسب؛ بل لأنها تحمل مشروعا رائدا في التغيير والبناء المستقبلي ومواكبة المتغيرات العالمية التي تسير معها في خط متواز في سباق مع العصر في الوقت الذي لا تزال دول هذه الثورات في ذيل القافلة! لن ينسى الشعب اليمني مثلما لن تنسى كل الشعوب العربية موقف دولة قطر المشرف حكومة وشعبا عبر التاريخ وقد كانت له نعم الراعي والداعم ونعم النصير على أكثر من صعيد في زمن عز فيه النصير والمساند، ليكون هذا الموقف مع غيره من المواقف السابقة واحدة من الخطى الجادة في اتجاه لملمة شمل الجسد العربي الممزق، وإذا كانت ألسنة اليمنيين وقلوبهم تلهج بالثناء العاطر لدولة قطر على مواقفها الإيجابية السابقة فإنها ستكون أكثر وفاء وحميمية بعد نجاح هذه الثورة. في تقديري إن الموقف القطري اليوم تجاه الثورة اليمنية موقف صادق مهما شكك البعض في نواياه، باعتبارها دولة ناشئة ولا تنطلق في تعاطيها مع الشأن اليمني من منطلقات أو حسابات سابقة لها تأثير سلبي على بنية الدولة وسيادتها كما هو الشأن في تعاطي بعض دول المنطقة معه وفقا لأجندات وحسابات خاصة تخدم مصلحتها بالدرجة الأولى وقد تغولت سلبا في هذا التعاطي الذي أضر بها وكان أحد أسباب وصول البلاد إلى هذا الوضع المزري داعمة فئة ضد أخرى، وتيارا لنشر فكرة ما وأشخاصا ليمثلوا جيوبا داخلية لها...إلخ. إن دولة قطر الشقيقة تنتهج في تعاطيها مع الشأن اليمني خطا واحدا واستراتيجية واضحة للجميع بشفافية ووضوح، هدفها الأول أن يستفيد المواطن اليمني بصورة مباشرة مما تقدمه من دعم ومساعدات مادية أو معنوية مثلما تستفيد الدولة أيضا من خلال التخفيف عن كاهلها مما يثقلها في الجانب الاقتصادي على وجه الخصوص. لست مطلعا على تفاصيل وتوجهات الدعم القطرياليمني بقدر اطلاعي على الكم المادي المعلن عنه رسميا في مختلف وسائل الإعلام، غير أن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو لفت عنايتها إلى إيلاء قطاع الشباب ومنظمات المجتمع اليمني اهتماما خاصا في خطتها القادمة لأهمية هذا القطاع وما يمثله من رافد تنموي مستقبلي على البلاد، وكون المستقبل مرهون بمدى فاعلية هذين القطاعين إيجابا بعد أن عبثت القوى التقليدية والرجعية بمقدرات وخيرات هذا الشعوب لعقود مضت في أسوأ تحالف قبلي/ عسكري/ ديني شهدته اليمن وأضرّ بها وبحاضر ومستقبل الجيل الحالي على أقل تقدير، وهو تحالف عملت على تشجيعه ودعمه ورعايته من ناحية ثانية بعض دول المنطقة ضمن خطة وسياسة تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار اليمن وقد كان فعلا، حتى تغولت هذه القوى وشكلت سندا ركينا لها في المنطقة قد تتضرر منه قطر الدولة الحداثية حاضرا أو مستقبلا. هذا القطاع يمثل التحدي الحقيقي في التغيير والبناء للمرحلة القادمة وهو مستهدف بصورة مباشرة وغير مباشر من بعض القوى والتيارات المحلية والإقليمية على نحو كبير تدركه قطر قبل غيرها ويمثل عائقا وحائط صد أمام أي تغيير منشود، أرى أن تركز عليه خلال المرحلة القادمة حتى تثمر جهودها الكبيرة التي تبنتها في دعم ورعاية الثورة اليمنية وربما مثل لها هؤلاء بعدا استراتيجيا في أية عملية سياسية قادمة ،خلافا لفئة المشايخ أو التيارات التقليدية التي لا تمثل إلا كابحا أمام التحديات المستقبلية التي تنتظر الجيل الحالي من الشباب، خاصة مع بزوغ نجمها المتألق على مستوى المنطقة والذي يجعلها أمام جملة تحديات ومسئوليات مثلما كانت مصر خلال عقدي الخمسينيات والستينيات متألقة وفاعلة على مستوى الوطن العربي أجمع وذات تأثير سياسي كبير على صناعة أي قرار محلي أو عالمي. أعتقد أن هذا ما تدركه دولة قطر الشقيقة اليوم وهي تحس بعمق المعاناة وبمدى التخلف والجهل الذي يسري في جسد الأمة العربية بفعل سياسة حكامها الأشقياء خلال العقود الماضية، وتحس من جانب آخر أيضا بحجم ومدى التحولات السريعة على مختلف الصعد عربيا ودوليا والدور المطلوب تجاهه وقد تشابكت مصالح العالم وتقاربت أجزاؤه وبفعل سياسة العولمة وتحولاتها التي لن يكون للضعيف فيها مجال أو صوت مسموع ربما حتى لأنينه وتوجعه. وللأيام القادمة أحاديثها، وإنا لمنتظرون..