هل من المبكر طرح السؤال أعلاه، وبالتزامن مع الاحتفالات الشعبية بالذكرى الثانية لثورة 11 فبراير؟ سؤال سيطر على مخيلتي، وأنا أبحث عن إجابة السؤال/ العنوان، ذلك أن تقييم حدث كبير مرتبط بجماهيرية كتلك التي عشناها في ظل يوميات الربيع اليمني، والتي لا تزال ممتدة في نظر كثير من القوى الثورية، يعني أن المرء يضع نفسه في واجهة غضب شعبي مشوب بعاطفة جياشة؟
غير أن هذا التخوف لا يعني بالضرورة أني بصدد الحسم تجاه سؤال كبير كهذا!
لنفترض في البدء أن 11 فبراير كان ثورة بالفعل، ولنتأمل ما أفضت إليه نتائج الحدث خلال العامين المنصرمين: لقد أصبح علي عبدالله صالح خارج الرئاسة بعد أن أحكم سيطرته على شؤون اليمن لأكثر من 33 عاماً، وهي نتيجة ما كانت القوى السياسية المعارضة، أو الحراك الجنوبي، أو جماعة الحوثي يمكن أن تنجح في الوصول إليها. ولولا الثورة الشبابية الشعبية، لكنا اليوم على مقربة من توريث السلطة في عائلة صالح على طريقة الجملوكيات التي كانت تتهيّأ لها عدد من الدول العربية قبيل انبلاج الربيع العربي من تونس الخضراء.
يتصل بهذه النتيجة تفكيك القوتين العسكرية والإعلامية التي اعتمد عليها صالح، بإقالة عدد كبير من رموز النظام العائلي، وآخرين خدموا في بلاط صالح بما يساوي الفترة التي حكم فيها صالح أو يزيد.
11 فبراير بسلميته وشعبيته كان حدثا ثوريا، عندما نتذكر أن آلاف الشباب نزلوا إلى الساحات يواجهون الموت بصدور عارية، وكان بإمكانهم استخدام السلاح للدفاع عن الثورة، والتصدي لقمع وعنف أجهزة نظام صالح التي أفرطت في استخدام القوة، وارتكبت مجازر تقشعر لها الأبدان كما حدث في جمعة الكرامة، ومجزرة القاع بصنعاء، ومحرقة ساحة الحرية بتعز. إلا أنهم لم يفعلوا.
أشعل الشباب ثورة كانت المرأة فيها حاضرة، كما حضر الفن والإبداع، والخيام، وامتلأت ساحات التغيير بمشاعر الأخوة الوطنية التي تعمدت بدماء التضحية والفداء، ولو لم يتحقق من أهداف الثورة شيء لكانت هذه المشاعر وحدها كافية للاعتزاز والفخر بحدث 11 فبراير، مع ملاحظة أن أوضاع الساحات انحرفت فيما بعد، وأفرزت مشاحنات واشتباكات واتهامات متبادلة، استغلتها قوى الثورة المضادة لتفرض في الأخير تسوية سياسية كانت بمثابة إنقاذ للثورة من مصير كارثي كان يتهدد المجتمع اليمني برمته.
ستظل التسوية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية محل جدل حتى حين، بيد أن هذا الجدل يرتبط هوالآخر بالسؤال/ العنوان، فثمة من يرى أن التسوية جاءت في إطار تحقيق أهداف الثورة سياسياً، والحؤول دون فشلها في ظل العنف الذي اشتعل من حولها (في الحصبة ونهم وأرحب والحيمة وفي تعز) بالإضافة إلى حادثة جامع النهدين.
بسبب التسوية أصبح 11 فبراير مجرد حركة لإصلاح سياسي لم يكتمل بعد.. هكذا ترى كثير من القوى الشبابية والثورية التي تدعم وجهة نظرها من خلال تقييم ما تحقق وما لم يتحقق من أهداف الثورة حتى الآن.
صالح الذي غدا رئيساً سابقاً لا يزال شريكاً أساسياً في السلطة وكذلك حزبه، وبعض من الرموز الذين خدموا في بلاطه.. وصالح وكل من ارتكب الجرائم بحق الثوار منحوا الحصانة من العقاب، فيما لا يزالون يمارسون العمل السياسي، والقضايا التي كان على الثورة أن تتجه سريعاً لمعالجتها لا تزال تراوح مكانها، كالقضية الجنوبية، وقضية صعدة، والحالة الاقتصادية المتردية.
الحوار الوطني المرتقب لا يزال دون المستوى، وأداء حكومة الوفاق من سيىء إلى أسوأ، والحرب على "القاعدة" تضع سيادة البلد في مهب الريح، وما يعلن من دعم مالي من قبل المانحين لم يسلك طريق التنفيذ بعد، إضافة إلى قضايا الفساد التي تمر اليوم مرور الكرام.
أما إذا تحدثنا عن المتغير الثقافي والاجتماعي الذي يجب أن يصحب الثورة، ويغدو جزءاً من معالم نجاحها، فلا يبدو أن ثمة فرقاً كبيراً ينتظر اليمن على المدى القريب.
ماذا سيقول شهداء الثورة لو عرفوا مآل 11 فبراير؟ وهل هذه هي الثورة التي ضحوا بحياتهم باتجاه تحقيق أهدافها؟
لنختم بالقول: من المبكر الحكم على ثورة 11 فبراير، فالثورة ما تزال مستمرة وإن اعتورها الركود، ومفاعليها تبشر بالكثير، مع ضرورة أن تدرك قوى التغيير أن عليها مسؤوليات كبيرة، والاستفادة من فرصة تاريخية قلما تتكرر، فإن أهدرت هذه الفرصة، سيبقى الحادي عشر من فبراير مجرد حركة إصلاح سياسي لا أكثر.