بات في حكم المؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتجه لخوض معركة أكثر وضوحا وشراسة ضد " القاعدة" على أرض اليمن عام 2010، حتى قبل انكشاف محاولة تفجير طائرة الركاب الأمريكية على يد النيجري عمر فاروق عبد المطلب ، وهي تمارس ضغوطا على الحكومة والجيش اليمنيين للتفرغ معها لهذه المهمة، دون الانشغال بمواجهاتها الأخرى ( الحوثيون والحراك الجنوبي). وثمة ما يؤشر على أنها تسعى للتنسيق إقليميا مع كل من الرياضوطهران، من أجل "تبريد" الجبهة مع الحوثيين وإعادة أطراف العلاقة للحوار السياسي والدفع باتجاه تسوية لها ، ومنع ما من شأنه تأجيج نيران الحرب، بغرض مواجهة الخطر الأكبر من وجهة نظرها : " الإرهاب". وقد أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن إدارة أوباما "ربما ستزيد من الضغط" على الحكومة اليمنية لتركز جهودها الأمنية على محاربة تنظيم القاعدة، ونوهت بأنه رغم تجديد الرئيس علي عبد الله صالح التزامه بمكافحة "الإرهاب" قبل أكثر من ثلاثة أسابيع فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية قلقة من "عدم رغبة" الحكومة اليمنية في إنهاء حربها مع الحوثيين كي تتفرغ لمحاربة "القاعدة". وقد تمثلت أولى الإشارات الأمريكية العلنية على هذا التوجه بتأييد الولاياتالمتحدة للحكومة اليمنية في هجماتها المتزامنة على معسكرات تنظيم القاعدة في أبين وأرحب يوم 17 ديسمبر 2009، وقبل ذلك في تورطها ( غيرالمعلن) بالمشاركة عسكريا في ذلك من خلال الغارات الجوية وإطلاق صواريخ كروز ، بحسب تقارير أمريكية لم ينفها البيت الأبيض، ثم الميثاق الغليظ الذي أخذه الرئيس الأمريكي أوباما على نفسه بتعقب المسؤولين عن محاولة تفجير الطائرة الأمريكية. وفي نفس الاتجاه نسبت وسائل إعلام أمريكية ( منها قناة سي إن إن) إلى مسؤولين أمريكيين أن واشنطنوصنعاء تدرسان توجيه مزيد من الضربات لمواقع تنظيم القاعدة انتقاما لمحاولة تفجير الطائرة الأمريكية التي تبناها التنظيم. وفي جانب الدعم المالي الذي تحتاجه المعركة الجديدة تشير الأرقام إلى أن الدعم الأمريكي سيزداد بنسبة أكثر من خمسين بالمئة في العام الحالي مقارنة بالعام الماضي 2009، فقد أوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية داربي هولاداي أنه بالسنة المالية لعام 2010 يتوقع أن تزيد المساعدات الأميركية لليمن في مجال التنمية والأمن، إلى 63 مليون دولار من إجمالي 40.3 مليون عام 2009، مشيرا إلى أن "هذا القدر يمثل زيادة مقدارها 56 % على السنة المالية 2009 ". وقد كان لافتا أن أنه بالتوازي مع التصعيد ضد القاعدة واستهداف معسكراتها في بداية النصف الثاني من الشهر الماضي كانت هناك تهدئة ولغة مسالمة من أطراف العلاقة ذات الصلة بالحرب الدائرة في صعدة لا يستبعد أن تكون بدعم أوتنسيق أمريكيين، فقد رحب الحوثيون في بيان لهم بتصريحات ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز التي عبر فيها عن أسفه على إراقة الدماء بين المسلمين، وقالوا: إنهم مستعدون للتفاوض مع الرياض من أجل إنهاء القتال، وأضاف البيان: "نرى في ذلك بادرة إيجابية ويجب أن تكون حقيقة يلمسها الواقع الميداني"، وأكد على تجديد "الموقف السابق من ضرورة وقف العدوان غير المبرر على الأراضي اليمنية، ودعم الحوار ولغة التفاهم لحل كافة الخلافات". الأسف السعودي تلا إعلان المملكة عن انتهاء العمليات العسكرية الكبرى على حدودها الجنوبية بعد خمسين يوما من المعارك، فيما أعلن الحوثيون استعدادهم للانسحاب من الأراضي السعودية مقابل وقف الحرب، كنوع من الاستجابة ل"مهلة 24 ساعة" التي أعطتها السعودية للحوثيين للانسحاب من موقع الجابرية الذي يحتلونه. على المحاور الأخرى أعلن وزير الخارجية اليمني أبو بكر للمرة الأولى منذ اندلاع المواجهات مع الحوثيين في أغسطس الماضي أن الحكومة ملتزمة بإنهاء التمرد وفقا لشروطها الخمسة ومستعدة لسماع أي "مطالب مشروعة" من جانب الحوثيين، فيما حرص رئيس مجلس الشورى الإيراني أثناء زيارته الأخيرة لمصر على مغازلة اليمن التي سبق ان اتهمت طهران بدعم الحوثيين بارتباط بلاده بعلاقات ودية معها، وحاول دغدغة مشاعر الرئيس اليمني حينما أشاد بمواقفه من العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة. في هذا الخضم تحرص كل دولة على الإفادة من اشتراكها أو مساهمتها أو صمتها عن الحرب الأمريكية ضد القاعدة بما في ذلك اليمن التي تجري على أرضها ساحة المواجهات، فنظام صنعاء الذي كان في مواجهة مع الحوثيين والحراك الجنوبي، وعلى علاقة سيئة مع أحزاب المعارضة الرئيسة " اللقاء المشترك" كان يتلهف للتأكيد على استمرار دعمه من طرف سيدة العالم "واشنطن" في مواجهة طهران التي تدعم الحوثيين وإن لم تدرجهم على لائحة الإرهاب وقطع الطريق على أي محاولات دولية لإضفاء شرعية على مشاريع الانفصال التي كانت تطل برأسها مع تحركات الحراك الجنوبي، ولم يمانع أن يكون ذلك من بوابة مكافحة القاعدة، وهو الذي سبق أن سمح للطائرات الأمريكية باستهداف وقتل زعيم القاعدة حينها أبو علي الحارثي مباشرة منتهكة سيادة أراضيه ، ونسق معها في مواجهة التنظيم منذ ضرب المدمرة الأمريكية "كول" قبالة سواحل عدن وحتى الآن. أما إيران فإنها ستجد في التفاوض على هذا التنسيق مع واشنطن فرصة ذهبية للتأكيد على دورها الإقليمي على مستوى المنطقة والذي تريد الاعتراف به دوليا، وكما رأى محللون سياسيون فإن مثل الوضع سيساعدها على أن "يعاملها الغرب كجزء من حل مشاكل المنطقة" ، مثلما أنها استفادت من " المواجهة بينها وبين القوات السعودية في الوصول إلى موطئ قدم على البحر الأحمر"، ولطهران تجارب سابقة حينما غزت الولاياتالمتحدة كلا من العراق وأفغانستان. وبناء على الخسائر التي تكبدتها الرياض في مواجهتها المباشرة مع الحوثيين بعد خمسين يوما ( مقتل 73 جنديا وفقد 26 شخصا)، فإنها تبدو كمن تبحث عن مخرج من ورطة كبيرة، لم تكن تحسب حجمها الحقيقي، فيما ذكرتها أحداث "القاعدة" في اليمن إلى ضرورة التيقظ لخطر لا يقل خطرا عن خطر الحوثيين، والتي قد لا تكتفي بالتسلل وإنما باقتحام الأسوار والتسلل إلى العمق كما تدل على ذلك تجاربها السابقة المريرة معها، خصوصا وأن عددا من قيادات هذا التنظيم هم من السعوديين الذين يعتبرون أنهم في الحديقة الخلفية لبلادهم، ومنها حاولوا قبل أشهر تنفيذ بعض العمليات في المملكة. وكمحصلة لما سبق فإن ما يقوم به نظام صنعاء في إطار التحشيد الأمريكي الراهن ضد " القاعدة" لن يتعدى كونه "هروبا إلى الأمام" من أزمات خانقة تحاصره، بل ربما زاد مشاعر السخط ضده شعبيا، فيما ستكون إيران أكثر الرابحين من استهداف "القاعدة" كما حصل في العراق، في ظل تحالفاتها مع الأحزاب والقوى الشيعية. *صحفي وكاتب سوري مقيم في الدوحة قطر * المقال عن الشرق القطرية بالاتفاق مع الكاتب