باكرا، اكتظت، أمس الاثنين، صالة اجتماعات دار الرئاسة في صنعاء، التي شهدت حفل تدشين إعلان انطلاق مؤتمر الحوار الوطني. كان المشاركون من كافة مكوِّنات المجتمع المدني والأحزاب السياسية يفدون إلى الصالة الرئاسية بشكل متوالٍ، قادمين -على باصات كبيرة أقلتهم - من حوش معسكر الأمن المركزي الذي كان الجميع يفدون إليه أولاً للتأكد من هوياتهم وإجراء التفتيشات الأمنية عليهم. عدا الدبلوماسيين والسفراء كانوا يصلون بسياراتهم ومرافقيهم مباشرة إلى دار الرئاسة.
في الصفوف الأولى، جلس علّية القوم، بينما خصص للبقية مقاعد ما بعد منتصف الصالة إلى الخلف.
وصل نواب رئيس المؤتمر الستة في أوقات متفرِّقة، وكان كل من يصل منهم يعتلي مكانه على المنصة، وإلى جوارهم جلس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر.
وبحسب جدول الافتتاح، التزم رئيس الجمهورية، رئيس مؤتمر الحوار الوطني، عبد ربه منصور، بالدخول إلى الصالة في موعده المحدد بتمام العاشرة والنصف، ليبدأ حفل التدشين بالسلام الجمهوري، تلاه القرآن الكريم، ثم عرض أوبريت «يوم القلوب» على شاشات عملاقة وضعت في أماكن متفرِّقة.
عقب انتهاء الأوبريت، عرض تسجيل لأطفال اليمن قدّموا فيه رسالة مؤثرة لأعضاء المؤتمر.
بدأت الكلمات تتوالى، وكانت البداية بكلمة مرتبة لأمين عام مؤتمر الحوار أحمد بن مبارك.
كان الجميع منصتين، فيما عدا الصفوف الأخيرة، كالعادة، والتي تنتهي بمصوري القنوات الفضائية الذين ارتصت كاميراتهم على عرض الصالة بالكامل.
• فوضى أحدثها عضو حوثي وعقب انتهاء أمين عام مؤتمر الحوار من إلقاء كلمته، ضجّت الصالة بالتصفيق، في الوقت الذي وقف فيه أحد الحاضرين في الصفوف الخلفية صارخاً بصوت حاد ومتواصل بضجيج يملأ الصالة، بينما كان أحد المذيعين المكلفين بالتعليق في الحفل يحاول التحدث استكمالا للبرنامج الفني المُعد سلفا، غير أن الصراخ في الخلف أثار فوضى وأصواتاً مرافقة بالجوار.
تلفت الجميع إلى مصدر الصراخ والضجيج، ليكتشفوا أن أحد ممثلي الحوثيين كان هو الذي يصرخ بدون توقف مبديا اعتراضه على وجود سفراء الدول الغربية، موجها اعتراضه بشكل خاص على وجود السفير الأمريكي في الاحتفال.
حاول البعض بجواره تهدئته وإيقافه عن الصراخ، لكنه واصل بدون توقف، وحين وصل إليه أثنان من جنود أمن وحراسة الصالة المدنيين، بعد مطالبة البعض لهم بإيقافه وإخراجه حتى يتم استكمال الحفل، رفع الشخص بطاقة العضوية في المؤتمر (التي كانت معلّقة حول رقبته) صارخاً «أنا عضو في المؤتمر ولا يحق لأحد منعي من الحديث أو طردي من المؤتمر»، توقف جنود الأمن عن مواصلة مهمتهم، ليمسك الرئيس هادي الميكرفون في المنصة قائلا «الذي لا يعجبه الحوار .. الباب أمامه مفتوح..»، ضجّت القاعة بالتصفيق، فكرر الرئيس كلمته للمرة الثانية، فصفق الحضور بقوّة، وأعاد العبارة للمرة الثالثة، وفي نهايتها أضاف ما معناه: «لا تحاولوا حرف مسار الحوار بالفوضى..»، فعلت التصفيقات للمرة الثالثة بنفس القوّة.
كانت الفوضى بالخلف ما تزال مستمرة، وتزداد أكثر مع توافد بعض أنصار الحوثي إلى جوار زميلهم لمؤازرته في وقت لم يكفْ فيه هذا من مواصلة صراخه، وسط وصول آخرين من أعضاء المؤتمر في محاولة منهم إلى التهدئة، ليصل أمين العاصمة عبد القادر هلال، وينجح في ذلك، بينما كان الدكتور عبد الكريم الإرياني يلقي كلمة رئيس اللجنة الفنية للإعداد لمؤتمر الحوار.
بعدها شوهد الدكتور أحمد بن مبارك، أمين عام مؤتمر الحوار، واقفا أمام الشاب الذي توقف عن الصراخ، وهو يتحدث إليه بطريقة مؤدّبة ويضع يده على صدره بتكرار بشكل يوحي برحابة صدره.
عادت أجواء الهدوء إلى الصالة، وتواصلت الكلمات.
• جمعة الكرامة.. وعلم الجنوب يرتفع بهدوء وفي كلمة جمال بنعمر، ضجت القاعة بالتصفيق لتذكيره برمزية تزامن هذا الافتتاح مع ذكرى «جمعة الكرامة» التي أشاد فيها بشهداء ملحمة الكرامة التي «صنع منها اليمنيون واليمنيات نقطة تحول..». وأضاف مترحماً على أرواح الشهداء «ولا يسعنا إلا أن نترحم على أرواحهم التي قدموها رخيصة من أجل الوصول باليمن إلى التغيير..».
وحين وصل بنعمر للحديث عن القضية الجنوبية، صفق الحاضرون، ومعها وقفت بعض المشاركات من وسط الصالة، وهن يرفعن علم «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» فواصل الحاضرون تصفيقهم. استمر بنعمر في كلمته، بينما ظل العلم مرتفعاً لدقائق وسط طوق أمني صنعه رجال الأمن المدنيون لحماية المشاركات اللائي رفعن العلم.
عند هذه اللحظة الحضارية الفارقة، قارن عدد من الصحفيين المتواجدين لتغطية الحدث بين تصرفات الطرفين (ممثلي الحوثي، وممثلي الحراك الجنوبي)، قال أحدهم «الفرق شاسع بين محاولتين مختلفتين تماماً في الوسيلة المستخدمة لإبراز قضاياهم المثيرة للجدل؛ بين ذلك الضجيج والصراخ والإمعان بالفوضى، وبين تلك الرمزية الحضارية الهادئة المشبّعة بالذوق، والتي – بكل تأكيد – نجحت في إبراز القضية وإيصال الرسالة إلى العالم، بينما نجحت الأولى في إثارة تشكيكات البعض عن الرغبة المستترة من موافقة جماعة الحوثي المشاركة في الحوار». حسب قوله.
وعلق صحفيون آخرون واصفين رفع العلم الجنوبي السابق ب«التصرف الحضاري»، حتى مع كون بعضهم قد أفصح عن عدم تأييده لفكرة الانفصال، لكنهم مع ذلك، ما كان بوسعهم إلا أن يمتدحوا ما وصفه أحدهم ب«السلوك الحضاري الرائع»، الذي كان من الملاحظ معه، حتى تغيّر موقف رجال أمن الصالة في التعامل مع الموقف.
• الرئيس يذكر أيضا ويثني على الشهداء في نهاية الحفل، ألقى الرئيس كلمته الختامية. ومثل سلفه بنعمر، اعتبر هادي أن الأقدار شاءت أن ينعقد هذا اللقاء المهم في يومنا هذا «18 مارس» مع ذكرى جمعة الكرامة قبل عامين من الآن.
وصفها بالملحمة، وقال عن شهدائها إنهم «ضحوا بحياتهم من أجل التغيير»، معتبرا هذا الحدث أنه «زلزل ضمير اليمنيين جميعا..». ضجت القاعة بالتصفيق. واصل الرئيس القول إن جمعة الكرامة «شكلت البذرة الأولى للتحول السياسي»، مؤكداً بكل حزم «ولن يكون اليمن بعد هذه الملحمة كما كان قبلها بكل تأكيد..». وهنا أيضا ضجت القاعة بالتصفيق المتواصل.
• ألوان متناسقة انتهت الكلمات، ودعا الرئيس الحاضرين إلى مأدبة غداء على شرف افتتاح مؤتمر الحوار.
توجّه الجميع إلى صالة الطعام، وتحلق المشاركون الشباب، مع المسؤولين وقادة الأحزاب بكافة توجهاتهم، حول طاولات الطعام.
شكلت طاولات الطعام حوارا أولياً مليئاً بالتفاهم والنوايا الصادقة في محاولة إخراج اليمن إلى بر الأمان.
على طاولتي، جلس بقربي خطيب جمعة الكرامة، فؤاد الحميري، وشباب آخرون. ذكرنا شاب لا أعرف اسمه، بحدث قبل عامين في مثل هذا التوقيت. قال الحميري، كنت الآن ما أزال في خطبتي، وكانت طائرة مروحية تحلق فوق الساحة. بعدها بدقائق بدأت المجزرة التي أيقظت اليمنيين واهتزّ لها ضمير العالم.
قال الشاب نفسه، معتبراً «سبحان الله .. قبل عامين كان في هذا القصر الواسع أشخاص أصبحوا خارجه اليوم، بينما معظم هؤلاء الذين هنا الآن، كانوا خارجه في الساحات..».
يعتقد البعض بأن حوالي أكثر من ثلاثة أرباع من كانوا في دار الرئاسة (أمس)، لم يعرفوه من قبل.
داخل صالة الطعام، وخارجها، في باحة القصر، ارتسمت حلقات متنوعة من الشباب والشيوخ والنساء، بين المسؤولين والقادة السياسيين المختلفين، كانت الابتسامات ترتسم هي الأخرى مع النقاشات.