ثمة طرق سيئة للسطو على المال، وبالنسبة لتجار الصرافة والتحويلات، فإن اللصوص منهم يجيدون استخدام تلك الحيل، كي يقع كثيرون تحت طائلة النصب، وهذا بالضبط ما حدث لقرابة 66 تاجراً، في عملية احتيال كبرى حدثت خلال الشهور القليلة الماضية. تبدو الحادثة واحدة من أكبر قصص الاحتيال التجاري التي تسيء لسُمعة بيئة الأعمال في أي بلد كان، فالتحويلات المالية التي جرت بين تجار يمنيين في الصين ومستوردي البضائع في الجزائر عبر وسيط مالي في دبي جعل منها مصدراً لعمليات الاحتيال، وهذا بالضبط ما فعلته شركة "الجابري" التجارية، العاملة في إمارة "دبي" بدولة الإمارات العربية المتحدة.
قصة الاحتيال كانت عملية الاحتيال تتهيأ وتنتظر فقط التوقيت المناسب، في حين عمدت عدد من المكاتب التجارية المتخصصة في استيراد وتصدير البضائع من الصين، التعامل على أساس الثقة والضمانات، مع 3 شركات عائلية في دبي، شركة سعيد الجابري التجارية "ذ. م. م"، وشركة الخط الأحمر للشحن البحري ومؤسسة الجابري وإخوانه للصرافة، وهي شركات يملكها أخوان يمنيان، هما "مدهش وسعيد عوض الجابري"، ولهما تجارة في دبي، وحضرموت، جنوب شرق اليمن.
وبحسب معلومات، استطاع الأخوان "مدهش وسعيد" خداع تجار الاستيراد والتصدير ومنحهم الطمأنينة، من خلال تبادل الأدوار، عبر شركاتهم العاملة في تجارة شحن البضائع والملابس الجاهزة، والتحويلات المالية المصرفية مع شركات ومكاتب تجارية يديرها تجار عرب في الصين بينهم يمنيون، وبين مستوردين من هؤلاء، يقيمون في الجزائر.
6 شركات يمنية في "جوانزو" و"الشيشي" توطدت التعاملات التجارية والمالية بين شركات الجابري للصرافة والشحن البحري في دبي مع عشرات الشركات والوكالات والمكاتب التجارية التي يملكها ويديرها تجار يمنيون في مقاطعات الصين، ومن بين تلك كانت شركة الوليد للتجارة العامة التي يملكها ويديرها رجل الأعمال اليمني الشاب "وليد الحكيمي"، أكبر الشركات التجارية العربية في مقاطعة "جوانزو" الاقتصادية في الصين، والتي تُعد أكبر الشركات المصدِّرة للبضائع والملابس الجاهزة وغيرها، إلى أسواق الجزائر.
وسرعان ما اتخذت تجارة شحن البضائع، والتحويلات المالية، صورة شبه آمنة، في تعاملاتها، بين شركة الوليد للتجارة، وشركتي مدهش الجابري للصرافة، مع الخط الأحمر للشحن البحري، حيث يقوم الجابري بتحويل قيمة شحنات البضائع من مستورديها في الجزائر إلى شركة الوليد في الصين، حتى أصبحت الأخيرة من كبار المتعاملين مع السوق الجزائري في مضمار الملابس الجاهزة.
وإلى جانب شركة الوليد للتجارة، كانت 6 من الشركات والمكاتب التجارية التابعة لرجال أعمال يمنيين في الصين تتخذ من "شركات الجابري" وسيطاً في تجارتها، واستطاعت هذه الشركات المملوكة لليمنيين بناء جسر تجاري بين الصين والجزائر، من خلال تصدير البضائع الصينية لأكثر من 60 تاجراً من مستوردي البضائع بالجُملة في الجزائر.
تأخير الحوالات وتزويرها وفي مطلع يناير 2012، بدأت شركة الجابري، التي تتولى أعمال الصرافة، عبر مديرها مدهش عوض سعيد الجابري بممارسة نوعٍ من المُماطلة في دفع التحويلات المالية إلى أصحابها في كلٍ من الصين والجزائر، واستمرت في المُماطلة لدفع التحويلات والتبرير عن تأخير الحوالات المالية، حتى نهاية العام.
ووفقاً لأحد المصادر، كانت عملية السرقة لكل تلك التحويلات وكأنها تتم بالتنسيق بين الأخوين، وحدث في نهاية العام 2012 أن اختفى مدهش الجابري بعد استلامه مبالغ ضخمة من التحويلات المالية من كل العملاء، ليتبين فيما بعد قيامه بعمل تحويلات وهمية مزورة صادرة عن شركته ليُوهم التجار بأن أموالهم قد جرى تحويلاتها، ليكتشفوا خلال أيام بأنه قد تلاعب بهم.
غادر مدهش الجابري بعد أن أغلق هواتفه وشركته المتواجدة في سوق مرشد في دبي، واختفى الرجل وبحوزته كل التحويلات المالية الخاصة بالتجار اليمنيين والجزائريين لتصل إلى مبلغ ضخم لأكثر من 66 شخصاً من أولئك التجار.
سرقة 80 مليون درهم وبحسب أحد الضحايا اليمنيين (فضل عدم ذكر أسمه)، وهو مدير وكالة تجارية تعمل وفق ترخيص رسمي في مقاطعة "الشيشي" الصينية، فإن التجار الذين تعرّضوا لسرقة أموالهم المحولة من وإلى شركة الجابري للصرافة هم من ذوي الجنسيتين: اليمنية والجزائرية، منهم 60 تاجراً جزائرياً، إلى جانب 6 من التجار اليمنيين.
ويضيف الرجل "أن إجمالي المبالغ التي سطت عليها شركة الجابري في عملية النّصب هذه، والتي أخذها مدهش الجابري قبل فراره واختفائه عن الأنظار، تبلغ قرابة 80 مليون درهم إماراتي، أي ما يعادل بالريال اليمني 4 مليارات و800 مليون ريال"، وهو ما أكده مصدر تم الاتصال به في إمارة دبي.
مدير شركة الوليد للتجارة ل "المصدر أونلاين": سرقوا منِّي حوالة ب 300 مليون ريال في سياق عملية السطو تلك، يبرز مدير عام شركة الوليد للتجارة العامة في جوانزو، باعتباره أكبر الضحايا الذين احتالت عليهم شركة الجابري من بين ستة وستين تاجراً من التجار اليمنيين والجزائريين - على حدٍ سواء.
ويقول مدير عام شركة الوليد للتجارة، وليد الحكيمي: "لقد تعرّضت للاحتيال من قبل شركة الجابري التي يملكها المدعو مدهش الجابري في الديرة بسوق مُرشد - دبي، حيث كنت انتظر منه تحويل حوالة مالية لي، كانت قد وصلت إليه، من أجل تحويلها إلى شركتي في جوانزو، وهي حوالة ب 5 ملايين درهم إماراتي، (أي ما يعادل 300 مليون ريال يمني)، لكن المدعو الجابري احتال بتحويلات وهمية، أدّعى أنه جرى تحويلها، ولم يقم بتحويلها في الأصل".
وأضاف الحكيمي: "شعرت بالقلق من تأخّر الحوالة، فسافرت إلى الإمارات، واكتشفت أن مدهش الجابري أغلق شركة الصرافة، وفّر هارباً إلى منطقة الردود في حضرموت، لكني عدت لليمن، وقدمت شكوى ضده لوزارة الداخلية اليمنية، ووجّه وزير الداخلية إلى مدير أمن حضرموت ومدير البحث الجنائي بضبط المذكور، لكن لم يتم العثور عليه".
اليوم، سيقول لك ضحايا هذه العملية وهم يتحدثون بمرارة إنه ليس هنالك أثر لكلٍ من مدهش الجابري وشركة الصرافة، وأن شقيقه سعيد الجابري وشريكه في كل الصفقات ظل مختبئاً وصامتاً حيال عملية السرقة؛ كونه يبرر للجميع أن شقيقه من قام بها بحسب ما تشير الوثائق.
بيد أن الوثائق تُدين بشكل واضح وضمني مدهش الجابري وأخاه سعيد؛ كون كشف التحويلات المالية صادر عن شركة الخط الأحمر للشحن التي يديرها الأخير.
وبالنسبة لاختفاء مدهش الجابري، يعتقد البعض بأنه ما يزال مختبئاً في مديرية تريم بحضرموت، إلا أنه لم يعد بوسع الضحايا غير انتظار ما ستقوم به الجهات المختصة في اليمن، وهم يدركون أن استرداد الحقوق عن طريق القانون اليمني طويل ومليء بالإحباط.
تقاعس نيابة "تريم" يقول وليد الحكيمي: "حين ذهبنا إلى نيابة تريم حضرموت باعتبارها المنطقة التي ينتمي إليها مدهش الجابري ومسقط رأسه، لم يكلّف وكيل نيابة تريم نفسه للقيام بعمله لأخذ أقوالنا في القضية، وفي كل مرّة نذهب فيها إليه يبرر لنا بأنه مشغول، وأنه سيتصل بنا حين تهدأ المشاكل والمظاهرات بالمنطقة، ولم نجد منه أدنى تفاعل مع القضية رغم كل التوجيهات التي نحملها".
توجيهات وزير الداخلية بحسب الوثائق، التي حصلت عليها المصدر أونلاين، تشير إحدى الشكاوى الموجهّة لوزير الداخلية إلى أن مدهش الجابري يتواجد في منطقته، وهي قرية "الردود" بمديرية تريم حضرموت، بيد أن العقيد حسين هاشم الحامد، مدير الأمن العام في محافظة حضرموت الوادي والصحراء، أكد في مُذكرة بعثها لوزير الداخلية اللواء عبد القادر قحطان، في 26 فبراير 2013، أنه "وبعد النزول الميداني لمنطقة الردود وإفادة عاقل المنطقة، الشيخ عمر صالح الجابري، بأن المذكور مدهش الجابري، غير موجود ومسافر حاليا إلى دولة الإمارات العربية، في دبي الديرة، سوق مرشد، وهذا ما نود إفادتكم به"، بحسب ما جاء في المذكرة.
مناشدة سلطات اليمن والإمارات اليوم، يأمل ضحايا عملية الاحتيال هذه من السلطات اليمنية، وكذا السلطات المختصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، النظر لأمرهم؛ ليتمكنوا من استرجاع حقوقهم، وهم يناشدون وزير الداخلية اللواء عبد القادر قحطان والسفير الإماراتي بصنعاء عبد الله المزروعي القيام بشيء لأجلهم؛ كي لا تضيع الحقوق، وحتى لا يفلت المذنب من العقاب، وهذا الأهم.