تُلخِص رحلة الوصابي حميد من أقصى اليسار الاشتراكي إلى أقصى اليمين الديني جانباً كبيراً من مأزق رجل تنقل بين خيارات عدة، وعندما استقر على خياره الأخير، كسب صداقة «القاعدة»، وخسر حياته. تبدأ قصة حميد من عدن حيث ارتبط بالاشتراكية وسافر إلى كوبا للدراسة، وبعد الوحدة عاد من عدن إلى صنعاء ليتورط في قتل صديقه ويدخل بعدها السجن، وهناك حدث التحول الأكثر دراماتيكية في حياته: حفظ القرآن الكريم كاملاً وتخلى عن كل ما تعلمه في بلد الرفيق فيدل كاسترو.
خرج من السجن والتحق بالقوات المسلحة، لكن الطريق الذي بدأ يرتسم له منذ أن كان في السجن قاده في الأخير إلى تنظيم القاعدة، فهو اختفى فجأة من الجيش وظهر مجدداً في العام 2008 كرجل ذي لحية كثيفة يتحدث عن القائد المجاهد أسامة، وعندما عاد ليستقر في مديرية وصاب في أوائل العام 2011 كان الطريق ممهداً لتطبيق ما يعتقد أنه شرع الله في الأرض، وبسبب من ذلك كسب تعاطف بعض الناس وتجنبه البعض الآخر خشية منه، وهناك وعلى مقربة من ثاني أعلى قمة جبلية في اليمن بدأ الرجل يتحول إلى بديل حقيقي لسلطة الدولة. أثناء ذلك كان حميد الردمي يتنقل بين منزله ومركز المديرية باستمرار، وكان على اتصال مستمر مع مدير الأمن في المديرية والشخصيات الاجتماعية وأعضاء مجلس النواب في وصاب، وبحسب أبناء قريتي في المديرية ذاتها فإن تفاهمات عدة تمت بين الردمي وبعض الوجاهات الاجتماعية في وصاب خلصت إلى أن يلتقى الردمي بمحافظ ذمار، والهدف التزام الردمي بعدم إرسال أو استقبال مجاهدين في تنظيم القاعدة مقابل دعمه كرجل مشيخ ووجاهة اجتماعية، وبسبب انشغال المحافظ تأجل الموعد أسبوعاً آخر، وفي نهاية الأسبوع كانت طائرة أمريكية تقترب من مركز مديرية وصاب العالي وترسل الردمي إلى ربه. قتل حميد الردمي وأربعة من مرافقيه بصاروخ أمريكي مساء الأربعاء الماضي، يقول رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن القومي إن القتل بالطائرات الأمريكية بدون طيار يتم بالتنسيق معهم ضمن إطار التعاون الدولي في الحرب ضد الإرهاب.
في قصة الرجل الذي لا أستطيع أن أتعاطف معه أبداً إلا بحكم أنه قتل خارج إطار القانون، وكان يستحق محاكمة عادلة، أشير إلى ما جاء في كتاب «مخطوطة وجدت في عكرا» الذي يتحدث عن كثيرين يتوجهون إلى الكفاح باسم الدين ويقولون إنهم يصنعون صنيع الله «يصبحون تابعين ثم متفانين ثم متعصبين في النهاية».
الأهم في قصة حميد ليست التحولات التي سلكها الرجل في حياته، التي قد يسلكها شخص آخر غداً، ولكن الملفت في هذه القصة هو التجلي الواضح لما يمكن أن تسفر عنه الأحداث في ظل غياب الدولة، فالردمي الذي يرفع شعار القاعدة علناً وسبق له أن أرسل محاربين جهاديين من أبناء المنطقة إلى أبين، تمكن من كسب تعاطف الأهالي وحصل على تأييد كثير من أبناء المنطقة بسبب أنه حل مكان الدولة، وقد وجد فيه الناس رجلاً يستطيع أن يحل مشكلاتهم المعقدة، كما يمكن اللجوء إليه والثقة في قدرته على فرض هيمنته على الجميع بمن فيهم بعض المشايخ الذين يسيئون إلى مواطنيهم ومدير المديرية ومدير أمنه الذي كان يجتمع معهم في نفس المكان لتقرير مصير هذه القضية أو تلك.
لقد تحول الردمي بسبب هشاشة الدولة إلى رمز بالنسبة لكثير من أبناء المنطقة الذين نسوا أنه رجل من القاعدة ويشكل تهديداً خطراً على الدوام، وهو بتلك الصورة التي بدا عليها تحول إلى رجل يستطيع أن يضمن لقيادات القاعدة ملجأ جديداً في قلب الجبال في وصاب إن استدعت الظروف ذلك، وهذا الشيء الأخير هو الذي بعث القلق عند بعض الوجاهات الاجتماعية وسعت إلى محاولة احتوائه ودعمه عبر الترتيب لجمعه بمحافظ ذمار.
الذي يقلقني الآن هو أن الردمي حالة قد تتكرر غداً أو بعده، في وصاب أو غيرها، إن ظلت هذه البلاد على هذا الوضع المتردي من سوء الإدارة، وهذا الغياب المخجل إلا على بعض البسطاء والمساكين الذين سيظلون يحلمون دوماً بعودة الردمي. ولو أن الحكومة استخدمت طريقتها في القتل خارج إطار القانون على الذين امتهنوا قطع الكهرباء وتفجير أنابيب النفط، لربما تمكنت من كسب بعض الحضور وكثير من التأييد الذي ربما يصعب الحصول عليه في الوقت الراهن.