أبدى رجل الأعمال اليمني البارز والخبير الاقتصادي أحمد بازرعة تفاؤلاً حذراً عن تحسن الوضع الاقتصادي في البلد والبيئة المحيطة به. وقلل أحمد بازرعة الذي تم اختياره مؤخراً رئيساً للجنة التنمية الشاملة لمؤتمر الحوار الوطني من حجم النجاحات التي يمكن للحكومة الحالية تحقيقها. وعبر بازرعة في مقابلة ينشرها موقع المصدر أونلاين بالاتفاق مع مجلة الإعلام الاقتصادي – عبر- عن خوفه من عدم استفادة اليمن من المساعدات الدولية بالشكل المطلوب ، وقال أن الفشل في استيعاب المساعدات في الوقت الراهن سيكون أكثر كارثية من ذي قبل.
نص المقابلة: تقييمك للوضع الاقتصادي الراهن كرجل أعمال معروف ومتخصص؟ في البيئة العامة، لو قارنا 2012 وشهرين من 2013، الوضع مختلف كثيراً عمّا قبل الثورة، هناك تقدم بسيط، هناك نوع من استقرار الصرف، مشاكل الطرقات قلّتْ، هناك تحسن في الأوضاع الأمنية، لكن الطموح ربما أكبر.
هذا يقودنا للتساؤل حول مؤشرات أعلنها صندوق النقد بأن النمو سيرتفع بنسبة 4%؟ أعتقد بأنهم بنو الفرضية على أساس أن جزءاً من المنح وتعهدات المانحين ستدخل للاقتصاد، فإذا تم ذلك، فهناك احتمال أن نصل إلى هذه الأرقام، لكن بالطريقة التي تسير عليها الحكومة في التعامل مع المنح لدى تحفظ على هذه النسبة.
فيما يتعلق بأداء الحكومة.. ما هي أبرز المآخذ الأساسية؟ الحكومة جاءت في وضع شديد الصعوبة، ولا أتوقع أن يقدم أي رئيس حكومة أكثر في ظل الظروف التي جاءت به.. هناك تحسن لكن طبيعة التركيبة الحكومية هي إحدى الإشكاليات، حيث إن عدداً من الوزراء غير فنيين، وغلب عليها الطابع السياسي وليس المهني والتكنوقراط..
تفصيلياً في أداء الحكومة، كالمناقصات.. هل لا يزال مسلسل الفساد والمحسوبية مستمراً؟ المناقصات مشكلتها معقّدة، ومازالت الإجراءات طويلة، وكثير من المشاريع لا تتحمل هذا.. الفساد منظومة مصالح وشبكة معقّدة ليس من السهل القضاء عليها في وقت وجيز، لكنني أعتقد بأن هناك تحسناً ولو قليلاً في هذا الجانب، أصبحت الأمور أكثر شفافية، الإعلام أيضاً أصبح أكثر تركيزاً على الحكومة، والشعور بأن الناس تحت المجهر أمر مهم جداً.
(مقاطعاً) الإعلام فقط، أين القطاع الخاص؟ أين المجتمع..؟ القطاع الخاص متأخر في هذا الجانب، الإعلام أصبح أكثر جُرأة، وساهم في ذلك الوضع العام، لم يعد أحد أقوى من أحد، الكل في مرحلة ضعف.
هل أصبح متاحاً لأي رجل أعمال الاستثمار في القطاع النفطي دون خطوط حمراء؟ حتى أكون صادقاً معك، نحن كمجموعة تحفظنا كثيراً على الدخول في القطاع النفطي، بسبب الغموض وعدم وضوح الإجراءات وسيطرة مراكز النفوذ، لكننا الآن نفكر بجدية في الدخول، لأننا نعتبر الوضع الآن أفضل على الأقل من الناحية الشكلية، أما عملياً فهناك صعوبات ومعوِّقات تواجه المستثمر.
هذا يقودنا إلى سؤال: هل تشعرون بأن القرار موحّد داخل منظومة الحُكم أم أن هناك جبهات متعددة؟ الوضع يشبه الوضع السابق، لكن ربّما التفاؤل العام والشعور بأن الوضع تغيّر يُعطي تطمينات.. واقعياً: هناك أشياء كثيرة ما زالت تُدار بنفس الطريقة السابقة.
هناك معلومات أنه ربما لم تتغير سوى خارطة النافذين والمصالح إلى حدٍ ما، هل هذا صحيح وواقع؟ قد يكون كذلك..
بالنسبة لمؤشرات الشراكة مع الحكومة، في مايو نظمتم، كفريق للإصلاحات الاقتصادية، مؤتمراً حول أولويات التنمية بين فريق الإصلاحات الاقتصادية ومركز الإعلام الاقتصادي، وأبدت الحكومة استعدادها للشراكة وفتح آفاق، الآن بعد ما يقرب من عام كيف تقيّم الوضع؟ أجمل ما في موضوع الشراكة أن الحكومة تبدي حسن النية، الحكومة ليس لديها رؤية في هذا الجانب، هناك تنازع على ملف الشراكة بين أكثر من جهة حكومية، رئيس الحكومة صرح تصريحاً ممتازاً في المؤتمر، لكننا نسمع قرارات اقتصادية تتخذ دون تشاور مع القطاع الخاص، مؤخراً صدرت تعليمات من الرئيس بمثابة قرار جمهوري بشأن ضريبة المبيعات بصورة مفاجئة، كما أن بعض القوانين المتعلقة بالشراكة أحيلت إلى البرلمان دون إشراك القطاع الخاص، لكن في المقابل أنا ألوم القطاع الخاص ومنظماته؛ لأنه إلى اليوم لم يقدّم مشروعاً واضحاً للحكومة بشكل الشراكة وطبيعتها.
ربما هذا يقودنا إلى القطاع الخاص.. قلت إن هناك مشكلة في منظماته؟ نقطة الضعف التي يُعاني منها القطاع الخاص هو المسؤول الأول عنها، ما زال حتى الآن متأخراً في إجراء انتخابات الغرف والاتحاد، والكل يتحمل مسؤولية التأخير بما فيها الاتحاد ووزارة الصناعة.
هل تعتقد بأن هناك استهدافاً متعمداً لهذه المؤسسة؟ نعم، للأسف الشديد في 2001 عندما عدل القانون، النتيجة كانت كارثية على القطاع الخاص، ولا أعرف كيف مرره مجلس النواب رغم وجود القطاع الخاص فيه!! الاتحاد تحديداً لا يملك موارد ولا إمكانيات، هذا خلل واضح، حتى القرار في الاتحاد ومشاركة الغرف فيه فيها خلل، عدّة قضايا في القانون الحالي تحتاج إعادة نظر..
طيّب، رؤيتكم كقطاع خاص، هل ستتبعون السياسيين في شكل الدولة؟ الخلل الموجود في القطاع الخاص يعكس نفسه على أشياء كثيرة، غرف تجارية واتحادات ضعيفة عاجزة لا تستطيع أن تؤثر على سير الحوار.. أو حتى طرح وجهة نظر القطاع الخاص.. دخول الخطاب الاقتصادي وطرحه على الطاولة بقوة سيرفد الحوار ويجعل الناس ينظرون إلى مصلحة الوطن بشكل أكبر من البُعد الاقتصادي، الأصل أن القرار الاقتصادي هو الذي يؤثر على القرار السياسي وليس العكس، لكن كيف تستطيع أن تصل إلى هذا وعندك أدوات ضعيفة!!
إذا انتقلنا إلى موضوع الفيدرالية أو ما سينتج عن الحوار الوطني، هل لدى القطاع الخاص مخاوف من المخاطر السياسية، كالانفصال مثلاً، أم أن القطاع الخاص سيتكيّف مع أي وضع سياسي؟ أنا مع دولة كبيرة، مع سوق كبير حجمه 25 مليون مواطن أو أكثر، مع نظام ضريبي وجُمركي موحّد، بغضّ النظر عن شكل الدولة، سواء مركزية أو فدرالية.. نحن في القطاع الخاص شكلنا لجنة قبل 4 أشهر لإعداد ورقة تقدّم للمؤتمر، لكن تمثيل القطاع الخاص في مؤتمر الحوار في قمة الضعف.
هل تتبنّى الرؤية شكلاً معيناً للدولة؟ كنا قد وصلنا فعلاً لمرحلة شكل الدولة، وقطعنا شوطاً كبير في الشفافية ومكافحة الفساد، لكن أثيرت خلافات داخل القطاع الخاص، فتوصلنا إلى أن الممثلين الذين سيشاركون في المؤتمر يطرحونها على طاولة الحوار.. الأهم الآن استعادة الدولة وبسط نفوذها على كل شبر من أرض اليمن، بعد ذلك نتكلم عن القضاء والأرض والطاقة، ثم تأتي البنية التحتية، الطاقة، القضاء، الشراكة.
بالنسبة للمساعدات، هل تتوقع بأن الحكومة ستستفيد من المنح الخارجية، فيما تبقى من المرحلة الانتقالية؟ ذكرت أكثر من مرّة أن اليمن في السابق لم يستفد من المساعدات الدولية بالشكل المطلوب، وعندي خوف كبير أن يتكرر هذا الأمر.. الفارق بين الأمس واليوم هو أننا اليوم لا نتحمل فشلاً جديداً، العجز السابق كان كارثياً وخطيراً أدى إلى عجز كامل، وإذا فشلنا اليوم فلا أعتقد بأننا سننجو، وأعتقد بأن الطريقة التي يتم التعامل بها مع المنح والمساعدات الدولية خاطئة وتشبه إلى حد كبير الطريقة السابقة ربما في فرق بسيط في المسميات لكن العقليات والأفكار والآليات هي نفسها، ونحن قدمنا تصوراً من فريق الإصلاحات الاقتصادية وعرضناه في مؤتمر الرياض للمانحين وعُرض على الحكومة، المشكلة الأساسية في ضعف الدولة آليات الدولة وعالجناها من خلال جهاز تنفيذي مستقل.
أليس هذا تكراراً للصناديق، خارج إطار الحكومة وهروب من مؤسسات الدولة الفاسدة؟ لا ليس هروباً، عندك أجهزة غير قادرة، هناك قيود كثيرة في آلية المناقصة، المانح لن ينتظر سنة وراء سنة، وتطلع المناقصة عندها إشكالية وتضيع المنحة عليك، هذا أمر غير منطقي أبداً.
هل القطاع الخاص قادر أن يستوعب هذه المساعدات؟ هل من المُمكن يكون إحدى الأدوات التي تُسرّع في عملية التنفيذ للمشاريع؟ القطاع الخاص سيدخل للتنافس عن طريق جهاز تنفيذي هو الذي سيطر المناقصة، وهو المستفيد الأول من سرعة الإجراءات وشفافيتها.
أخيراً.. ما هي نصيحتك للرئيس وللحكومة؟ يجب على مسؤولي الحكومة أن ينزلوا من أبراجهم العاجية ويتعاملوا مع القطاع الخاص كواقع، باعتباره محرك عجلة الاقتصاد "شاءوا أم أبوا".