توقع الدكتور محمد الحاوري وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي لقطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية تنفيذ عددٍ من المشاريع التي يموّلها المانحون خلال الثلاثة الأشهر القادمة، والتي تصل إلى أكثر من 60 مشروعاً. وقال في حوار مع المصدر أونلاين إنه ينبغي على الحكومة أن تتجه نحو الملف الاقتصادي على وجه الخصوص ، فقد أعطت جهداً كبيراً من وقتها للملف السياسي.
حاوره: مفرح البشيري
- في البداية، ما النتائج التي خرج بها اجتماع المانحين الأسبوع الماضي في صنعاء ؟ الاجتماع الذي عُقد الأسبوع الماضي خاص باجتماع المانحين الثاني للمتابعة لمعرفة مستوى التقدّم في ما يتعلق بتخصيص واستيعاب التعهدات ومعرفة مستوى التقدّم في تنفيذ الإصلاحات التي التزمت بها الحكومة اليمنية في مؤتمر المانحين في الرياض.
- في جانب التخصيصات، ما حجم المبالغ المخصصة من هذه التعهدات، والمبالغ التي تم التوقيع عليها مع المانحين؟ فيما يتعلق بالتخصيصات، وزارة التخطيط خصصت أكثر من 6 مليارات دولار، أي ما نسبته 85 % من إجمالي المبالغ التي تحصلت عليها اليمن في مؤتمري المانحين في الرياضونيويورك، وتم التوقيع على اتفاقيات تمويل مشاريع بأكثر من 3 مليارات دولار.
البرنامج الاستثماري هو الضحية في الموازنة العامة للدولة - متى ستدخل هذه المبالغ حيز التنفيذ الفعلي؟ نتوقّع خلال الثلاثة الأشهر القادمة أن يتم استكمال إجراء طرح لمناقصات عدد ٍكبير من المشروعات في قطاع الطاقة والطرق وتجهيز المعاهد الفنية والتقنية وقطاعات التنمية البشرية، واختيار الشركات التي ستقوم بالتنفيذ، وبالتالي سيتم السحب تلقائياً من هذه المبالغ، ومن هذه التخصيصات بحسب التقدّم في التنفيذ، وتم تخصيص هذه المبالغ لحوالي 118 مشروعاً، منها أكثر من 60 مشروعاً سيتم إنزال مناقصاتها خلال الفترة القادمة، وبالإضافة إلى أن هناك مشروعات دخلت حيز التنفيذ الفعلي.
- ماذا بشأن المبالغ التي لم يتم تخصيصها حتى الآن؟ كانت رسالتنا في المؤتمر المضي بوتيرة أسرع في استكمال ما تبقّى من تخصيصات، والتي تصل إلى أكثر من مليار دولار خلال الثلاثة الأشهر القادمة والتقدم أيضا في توقيع الاتفاقيات على المشروعات المحددة ضمن البرنامج المرحلي للحكومة.
- أعدت وزارة التخطيط البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية 2012-2004، ما الذي تم تنفيذه حتى الآن من هذا البرنامج؟ هناك مشروعات تضمنها البرنامج ذات فجوة تمويلية، وتم توفير التمويل لها من تعهدات المانحين، ودورة المشروع تأخذ فترة زمنية طويلة، ابتداءً من التفاوض مع المانح، من ثم الاتفاق على المشروعات التي سيتم تمويلها، ثم بعد ذلك اتفاقية التمويل، وبعد ذلك طرح المناقصات ثم البدء في التنفيذ. وهذه –للأسف- تستهلك قدراً كبيراً من الوقت. لكن -كما قلت- نتوقع خلال الفترة المتبقية من عام 2013 أن يتم طرح عدد كبير من المناقصات؛ تغطي عدداً من المشروعات الاقتصادية، بما فيها قطاعات الطاقة والكهرباء ومشاريع البنية التحتية، وفق الأولويات التي تم الاتفاق عليها وإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء الأحداث الأخيرة.
- في جانب الإصلاحات، ما الذي حققته الحكومة؟ بالنسبة للإصلاحات تم الاتفاق على إطار مشترك للمساءلة، يشمل مجموعة من الإصلاحات ستقوم الحكومة بتنفيذها خلال المرحلة الانتقالية، وخلال هذا الاجتماع تم مناقشة حُزمة من الإصلاحات ذات الأولوية والمتمثلة في 12 مجالاً.
- (مقاطعاً) يعني أن الإصلاحات التي تتبنها الحكومة هي بالاتفاق مع المانحين؟ بالتأكيد، فقد تم الاتفاق مع المانحين على تنفيذ حُزمة من الإصلاحات خلال الثلاثة الأشهر القادمة، وسيتم مناقشتها خلال مؤتمر المانحين رفيع المستوى في نيويورك في سبتمبر القادم، وقد أحرزنا تقدماً كبيراً في هذه الإصلاحات. وكما قلت، تشمل 12 مجالاً من مجالات الإصلاحات؛ منها ما يتعلق بمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة، وكذلك مواءمة الموازنة العامة للدولة مع البرنامج المرحلي وأهدافه والإصلاحات في هذا الجانب ليست قصيرة، وسيتم تنفيذ جزءاً من هذه الإصلاحات.
على الحكومة أن تتجه نحو الملف الاقتصادي فقد أعطت جهداً كبيراً من وقتها للملف السياسي وملف الحوار الوطني - برأيك، هل يؤثر توقف البرنامج الاستثماري في الموازنة العامة للدولة على سُرعة تنفيذ مثل هذه الإصلاحات؟ نظراً لارتفاع العجز في الموازنة العامة للدولة، فإن البرنامج الاستثماري هو الضحية في الموازنة، ولذلك من هذه الإصلاحات هو أن نضمن عملية المواءمة، ما بين النفقات الجارية والاستثمارية وفق خطة البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية.
- ما هي الآثار الاقتصادية المترتبة على توقف البرنامج الاستثماري للحكومة؟ توقف البرنامج الاستثماري يضعف من عملية النمو الاقتصادي، وبالتالي يضعف من إمكانية جذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى آثاره السلبية على تحسن مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل واستيعاب الكثير من البطالة، ولذلك نرى أن الإنفاق الاستثماري يجب ألاّ يقل عن 30 % من حجم الموازنة العامة للدولة، ويجب أن يذهب إلى المكون الاستثماري إذا ما أردنا تحفيز الاقتصاد، ونستعيد عافيته، ونضعه على المسار الصحيح، فلا بُد أن تكون الموازنة العامة أداة نمو وتحفيز للاقتصاد بصفة عامة، وهذا يأتي من خلال زيادة النفقات الاستثمارية، وذلك وفق قاعدة 30-70، ونحن متشبثون بها؛ أي 30% نفقات استثمارية و70% نفقات جارية. بكل تأكيد، إذا ما أردنا أن نحول الموازنة إلى أداة للنمو، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، فلا بُد أن نرفع من نسبة النفقات الاستثمارية، ونقلل نسبة النفقات الجارية، خاصة التي لا يكون لها أثر إيجابي تنموي.
- ماذا عن الإصلاحات الاقتصادية الأخرى؟ هناك إصلاحات تتعلق بالدفع بقانون الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام في تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبيرة المتعلقة بمشاريع البنية التحتية في مجالات الطاقة والطرق الرئيسية وغيرها، وستهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي. وهناك حوالي 30 مشروعاً من مشروعات الشراكة سيتم عرضها وتسويقها للمستثمرين سواءً محليين أو أجانب.
ومن ضمن الإصلاحات أيضا مواصلة الحوار مع صندوق النقد الدولى لدعم برامج الإصلاح الاقتصادي، وتمويل المشروعات كثيفة العاملة، التي تخلق فرص عمل للشباب والمرأة، وأيضا التنسيق لحوار مفتوح مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني للوصول إلى آلية مؤسسية لإشراكها في الأنشطة والأعمال في مجال التنمية، بالإضافة إلى إصلاحات أخرى فيما يتعلق بالخدمة المدنية عن طريق استكمال نظام البصمة والصورة في مجال الجيش والأمن تحديداً، بمعنى آخر سيكون هنالك خطان متوازيان؛ خط بالمضي بوتيرة أسرع في استكمال استيعاب التعهدات وتنفيذ المشروعات، والآخر يتعلق بالتقدم في عملية الإصلاح.
- الإصلاحات السعرية والجدل الكبير في الشارع اليمني حولها، والتصريحات المتضاربة بشأنها بين تأكيد صندوق النقد ونفي وزير المالية، هل ترى أنها ضرورية خلال هذه المرحلة؟ من سيجيب على هذا الأمر هو وزير المالية، وأعتقد بأن إصلاح المالية العامة بصورة عامة ينبغي أن يعطى اهتماماً أكبر؛ لأن هناك عجزاً في الموازنة يصل إلى حوالي 9% من الناتج المحلي، وهناك ضعف في نمو الإيرادات الذاتية.
لا أستطيع أن أتحدث بشأن الإصلاحات السعرية ووزير المالية من سيجيب على هذا - وزير المالية اعتبره دواءً مُراً يجب تعاطيه، ما رأيك في هذا الموضوع؟ وهل يعتبر ضرورة أم أنه مجرد التزام دولي؟ أنا لا أستطيع أن أتحدث في هذا الأمر، لكن أؤكد أنه ينبغي أن نأخذ الإصلاحات المالية في إطار إصلاحات أشمل للبيئة الاستثمارية وللاقتصاد ككل، حتى نخلق بيئة اقتصادية ملائمة للنمو الاقتصادي.
- ما الآثار المترتبة على ذلك؟ لا شك أن هناك آثاراً سلبية على القطاع الزراعي وقطاع النقل وأيضا الأفراد بصورة عامة، ولكن لها فوائد إيجابية.
- ما هي أهم التعقيدات التي تقف حجر عثرة أمام سرعة استيعاب تعهدات المانحين، وإيفاء المانحين بتعهداتهم؟ في بعض الصعوبات من جانب المانحين تتمثل في عدم استجابة بعض المانحين، وهم نسبة قليلة. هنالك بعض المانحين حتى هذه اللحظة لم يستجيبوا رغم مخاطابتنا ورسائلنا لهم وتقديم مشروعات مقترحة لتمويلها، من هذه التعهدات، وهم - كما قلت- عدد قليل جداً، النسبة العظمى من المانحين استجابوا بشكل إيجابي.
من قبل الحكومة هناك إشكالية متعلقة بالبيروقراطية الإدارية وعدم استكمال الدراسات والوثائق المتعلقة بالمشاريع، كل هذه العوامل تبطئ من وتيرة التنفيذ، بالإضافة إلى أن هناك إشكاليات قانونية. فمثلاً: القروض، لا بُد أن تأخذ المصادقة عليها من مجلس الوزراء، ثم مجلس النواب، وهذه تأخذ فترة طولية خاصة في مجلس النواب.
- هل يجب أن يُصادق مجلس النواب على هذه المنح؟ هي ليست كلها منحاً، أكثر من 40% من هذه التعهدات عبارة عن قروض، ولكنها قروض ميسّرة، وهي نسبة كبيرة، ويتطلب موافقة مجلس النواب عليها ، والمنح تصل إلى أكثر من 50%، وهذه تتطلب فقط اتفاقيات تمويل والمصادقة عليها من قبل مجلس الوزراء.
- هل تم استكمال استيعاب تعهدات المانحين خلال عام 2006؟ تاريخياً، في مؤتمرات المانحين سواء في اليمن أو في غيرها لا يُمكن أن تصل نسبة الاستيعاب في هذه التعهدات 100 %، بل إذا وصلت إلى ما نسبته 80% فإن ذلك يعتبر إنجازاً كبيراً.
- برأيك كيف كان أداء الحكومة خاصة في الجانب الاقتصادي خلال الفترة الماضية؟ الفترة الماضية بتعقيداتها ألقت بضلالها على الملف الاقتصادي وعلى الأداء الحكومي في هذا الجانب، لكن إذا نظرت إلى مساءلة الخدمات الأساسية فالحكومة استطاعت أن توفّر وتعيد الخدمات إلى الحد المقبول، وليس المأمول. ولكن فيما يتعلق بتحفيز النمو الاقتصادي ورفع وتيرة الأداء الحكومي بصورة عامة ورفع كفاءة الجهاز الإداري في تقديم الخدمات للجمهور فالأداء ليس بالطموح والتوقّعات التي يأملها الناس جمعياً، لكن ما ألمسه أن هناك روحاً جيّدة لدى الحكومة تتجه نحو تحسين مستوى الأداء وإرساء أسس ومعايير المساءلة والشفافية، وأن حكومة الوفاق الوطني تتوافق أحياناً وتختلف أحياناً، وهذا يؤثر على مسيرة الأداء الكُلي للحكومة.
- أعمال التخريب وتفجير أنابيب النفط والغاز والكهرباء كيف تؤثر على الاقتصاد الوطني؟ هنالك تكلفة مباشرة تتمثل في الكميات التي كان يمكن تصديرها من النفط، أي عوائد صادرات النفط، وتبلغ أكثر من مليار دولار، خسارة المالية العامة نتيجة تفجير أنابيب النفط والغاز، لكن هناك تكلفة غير مباشرة، وقد تكون أكثر من التكلفة المباشرة، فهي تعطي إشاراتٍ سلبية عن الاستثمار، إذ ما كان هناك شركات تأتي للتنقيب في مجال النفط والغاز أو استثمارات أخرى، فهي تعطي توقعاتٍ غير إيجابية للمستثمرين، وبالتالي يؤثر على النشاط الاقتصادي بصورة عامة، فهناك خسارة مباشرة وغير مباشرة.
- في ظل هذه الأوضاع والظروف، ما الواجب على الحكومة أن تتخذه حيال هذا الأمر؟ في اعتقادي، ينبغي على الحكومة أن تتجه نحو الملف الاقتصادي على وجه الخصوص، فقد أعطت جُهداً كبيراً من وقتها للملف السياسي وملف الحوار الوطني وللانتقال السياسي، لكن يجب على الحكومة أن تعطى اهتماماً استثنائياً للملف الاقتصادي والاستجابة للتطلعات الناس. فهناك بطالة مرتفعة وفقر منتشر. أوضاع لا تسر، فمزيد من الاهتمام بالملف الاقتصادي وإيجاد فريق اقتصادي يبني صناعة، ويقدم رؤية اقتصادية لليمن في المرحلة القادمة.
رؤية فريق التنمية الشاملة في مؤتمر الحوار الوطني خطوة في الطريق الصحيح - ما رأيك في الرؤية التي قدّمها فريق التنمية الشاملة في الحوار الوطني؟ اعتقد بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن -كما تعلم- ما يتعلق بالحوار الوطني السياق والمسار غير بناء رؤية اقتصادية للمستقبل، وتركيزه بدرجة كبيرة على العوامل السياسية.
- ذكر التقرير الاقتصادي السنوي أن الاعتماد على الإيرادات النفطية أهم التحدِّيات المالية والاقتصادية، برأيك هل ستظل هذه الإشكالية قائمة في المستقبل، خاصة مع الاستكشافات النفطية والغازية الجديدة؟ ستظل تحدياً لاستدامة المالية العامة، لاسيما وأن مورد النفط يشكل المصدر الرئيس للإيرادات العامة للدولة. وفي ظل ترجع إنتاج النفط وتقلب أسعاره وضرب وتفجير أنابيب النفط فإنه يشكل وضعاً غير مستقر للمالية العامة. إذا ما أردنا تعزيز المالية العامة يجب تنمية الموارد الذاتية غير النفطية. فهناك فاقد ضريبي عالٍ جداً، وأيضا أموال ضائعة نتيجة التهريب أو التهرب، ونسبة الفاقد الضريبي تصل إلى 4% من الناتج القومي، وبالتالي فإن الاتجاه نحو تنمية مثل هذه الموارد سيعطي الاستدامة للمالية العامة.
- ما هي أهم المشاكل والتحدِّيات التي تمثلها عودة أعداد كبيرة من المغتربين، خاصة بعد القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية بشأن العاملة؟ لا شك في أنها تمثل مشكلة اقتصادية واجتماعية، فهي تشكل عبئاً على الموارد العامة للبلد، وازدياد معدلات البطالة، وأيضا ما يشكله العائدون من ضغط كبير على الخدمات الأساسية والعامة. وفي الوقت نفسه، نحن خسرنا مورداً مهماً من موارد النقد الأجنبي الذي نحتاجه لتغطية الواردات، والمكوّن الاستثماري.
- ما هي أهم الحلول العاجلة التي يمكن اتخاذها في مثل هذه الظروف؟ نتمنى من المملكة العربية السعودية أن تتعامل مع المغتربين اليمنيين على اعتبار أن اليمن يمر بظروف خاصة، وأن اتفاقية الطائف وجُدة تقضي أن اليمني يعامل معاملة العامل السعودي، فالمملكة قدّمت دعما ً كبيراً لليمن خلال الفترة الماضية عن طريق دعم المبادرة الخليجية، نأمل أن تنظر لهذا الموضوع نظرة أخرى. فاستقرار اليمن واستقرار سوق العمل يشكلان عامل استقرار للمنطقة والجزيرة العربية بأكملها.