وقف رجل في الخمسينيات من عمره أمام عشرات الصحفيين والحقوقيين ليدلي بشهادته أمس السبت بالعاصمة صنعاء عن حادثة قصف طائرة أمريكية في بلدته وأزهقت الغارة روح طفلته ذو ربيعها العاشر، توقفت الحركة تماماً في القاعة، وظل الجمع في سكون وهم ينصتون لشهادته. فقد محمد احمد بجاش الذي ينتمي الى محافظة ابينجنوب اليمن طفلته وفاء، بعد أن شنت طائرة أمريكية بدون طيار، العام الماضي غارة جوية تزعم أنها تستهدف عناصر تنظيم القاعدة، لكنها استهدفت وفاء حين كانت تلهو في مساحة قريبة من منزلها.
بجاش الذي فضل التحدث واقفاً كان يروي بحرقة عن معاناته بعد فقدان طفلته كان يلتفت ويحدق بالصحفيين ويصرخ «ماذا صنعنا حتى تاتي الطائرات من امريكا لتقصفنا في ابين؟ بأي حق يقتلوننا ؟ بأي حق يدمرون حياتنا؟».
ليس بجاش من فقد أحد أفراد عائلته فقط، تقول أسر يمنية عديدة إنها فقدت أبناءها إثر استمرار هجمات الطائرات الحربية الأمريكية على مواقع تتحدث عن تواجد عناصر القاعدة فيها.
ويقول محمد أحمد بجاش «فقدت أجزاء من جسدي وابني مريض نفسياً بسبب التحليق المستمر للطائرات الامريكية فوق رؤوسنا».
وروت عائلات من ضحايا الغارات التي تشنها الطائرات الامريكية من دون طيار في اليمن شهادات في جلسة استماع نظمتها منظمة ريبريف أمس السبت بالعاصمة صنعاء. الصانع تحدث عن مقتل 14 شخصا من عائلة واحدة في البيضاء بصاروخ استهدف سيارة صالون.. وبجاش يصف لحظات مقتل ابنته ذات العشر سنوات
كانت العائلات تحكي شهاداتها تباعاً حول ما خلفته الطائرات بدون طيار من مآسي، وساد جو من الغضب ممزوج بالحزن لدى الحاضرين، مع تواصل الإدلاء بالشهادات خلال الجلسة.
وقال شاب استمع لشهادة تلك العائلات ل«المصدر أونلاين»: «أفزعتني تلك الشهادات، أشعر كما لو أنني أتابع فيلماً سينمائياً مثخناً بالرعب».
وقال أمين أحمد اسماعيل الذي قدم من قرية وصاب العالي - محافظة ذمار وهي المنطقة التي استهدفتها هجمات الطائرات بلا طيار مؤخراً وقتلت 5 من عناصر القاعدة قال «طائرة ظهرت فجأة من السماء واطلقت صاروخان على سيارة كان يستقلها حميد الردمي وظلت جثته ملقية على قارعة الطريق لمدة ثمان ساعات».
وأضاف: «لم يتمكن احد من إسعافه لان الطائرة ظلت تحلق فوق المنطقة لثلاث ساعات».
وتابع: «كان الردمي معروف لدى مسؤولي الحكومة في منطقتنا، ويعلمون أين سيجدونه، وكان بإمكان القبض عليه، بدلاً عن ضربه بالصواريخ، وترويع المدنيين».
والأربعاء الفائت، أدلى الناشط والكاتب الصحفي فارع المسلمي بشهادته خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الامريكي، وقال «معظم العالم لم يسمع بوصاب. لكن منذ ستة ايام تعرضت قريتي لضربة بطائرة بلا طيار في هجوم روع آلاف القرويين البسطاء الفقراء».
واستطرد «هجوم الطائرة بلا طيار خلع قلبي مثلما خلع التفجيران المأسويان في بوسطن قلوبكم وقلبي أنا أيضا».
وذكرت منظمة تعنى بالشأن الحقوقي في تقرير أصدرته الخميس الماضي، أنها رصدت خلال 2012 ما يقارب من 81 غارة لطائرات امريكية من دون طيار (درونز) أعلن الأمريكان مسؤوليتهم عن نصفها تقريباً.
وقالت منظمة «هود»إن غالبية ضحايا هذه الهجمات من المدنيين ويسقط في كل غارة ثلاثة إلى أربعة أشخاص بينما قتلت بعضها العشرات.
واعتبر امين أحمد اسماعيل أن قتل الردمي بهذه الطريقة «انتهاك لحقوق الانسان»، مضيفاً أنه كان يلزم محاكمته إذا كان مداناً.
وتساءل أمين «ألم يكن الأجدى لأمريكا أن تستبدل إرسال الصورايخ إلى اليمن ببناء المدارس».
وأضاف «إذا لم يتم تشكيل لجنة للتحقيق في الحادثة سنضطر الى أخذ حقنا بايدينا»، وصفق الحاضرون عندما انتهى من هذه الجملة تحديداً.
وطالب أمين بإلقاء القبض على من نفذوا هجمات الطائرات.
في منتصف العام 2012 فارق نجل أنور العرشاني الذي ينتمي لمحافظة ابين الحياة بضربة طائرة، «وعندما هرع شقيقي ليسعفه باغته صاروخ آخر وارداهما قتيلين على قارعة الطريق» يقولها انور العرشاني وهو يحاول جاهداً إخفاء دموعه فيما كان صوته يتقطع بين الفينة والاخرى. اليوسفي: قتل فرد من القاعدة بهذه الطريقة المروعة يجعل العشرات ينظمون الى التنظيم ليس حباً فيه وإنما نكاية بالعبث الذي يمارس بحق الأبرياء
ويضيف العرشاني «مات شقيقي وترك ثلاثة اطفال بلا عائل، والحكومة لا تنظر الينا ونحن في حال صعبة للغاية».
ومن بين الشهادات، بدت قصة أسرة في محافظة البيضاء وسط اليمن، الأكثر مأساوية بعد مصرع 14 شخصاً من عائلة واحدة كانت تستقل سيارة نوع «صالون»، بطائرة أمريكية بدون طيار.
يقول ناصر علي الصانع وهو قريب الضحايا «خلفت الصورايخ الأمريكية التي استهدفت السيارة مشهداً مروعاً لايمكن وصفه، فقد اختلطت أشلاء الضحايا وصعب علينا التمييز بين الضحايا وكان من بين القتلى طفل في العاشرة من عمره كان العائل الوحيد ل 6 فتيات ووالده المعاق».
وأضاف ناصر «الاشخاص الذين قتلوا لم يكونوا يحملون متفجرات، كان بحوزتهم فقط دقيق وسكر متطلبات اساسية تحتاجها الاسر الريفية».
لكن هذه القصص المؤلمة، تنتهي بشكل معتاد بذرف الدموع ودفن الضحايا والتضرع الى الله بان ينتقم ممن كان السبب.
وقال ناصر إن آخر الضحايا الاربع عشر ما يزال في ثلاجة مستشفى جامعة العلوم، ولم يتم إخراجها حتى الآن بسبب تكاليف لم تدفع لإدارة المشفى.
محمد القاضي وهو قريب أحد ضحايا الطائرات، صرخ قائلاً «نحن هنا لم ناتي لكي نستجدي عطفكم جئنا نبحث عن إجابة عن هذا السؤال، لما نتعرض لهذه الهجمات؟، يجب ان يحاكم كل من سمح بهذه الجرائم».
وقال: «عندما اتهم شقيقي بتفجير السفارة الامريكية سلمته للحكومة وأفرج عنه لاحقاً لعدم تورطه في الموضوع كل ما نطلبه هو دولة النظام والقانون والعدالة».
واضاف مخاطباً أميركا «نعم امريكا قوية لكنها ستدفع الثمن فيما بعد على جرائمها ضد ابناءنا».
وقال محمد القاولي شقيق أحد الضحايا إن شقيقه علي قتل في منطقة خولان الطيال بضربة أمريكية، ويضيف: «كان اخي من الثوار وكان يضع صورة الرئيس هادي فوق راسه، لكنه كوفئ بأربعة صواريخ أودت بحياته وصديقه ولم نستطع التعرف عليه ودفناهما معاً».
وحذر ناشط من محافظة مأرب شرق اليمن يدعى سعيد اليوسفي من أن قتل فرد من القاعدة بهذه الطريقة المروعة تجعل من العشرات ينظمون الى التنظيم «ليس حباً فيه وإنما نكاية بالعبث الحاصل في الاجواء اليمنية وترويع السكان بطرق لا إنسانية».
وتابع: «إذا استمر الوضع على هذا الحال فان الثأر سيتأتي لا محالة».
ويسرد اليوسفي قصة طفلة وامها اصيبتا بجروح وحروق بالغة عندما ضربت طائرة بدون طيار منزل يعتقد أنه يأوي أفراد من التنظيم بيد ان الهدف لم يكن سوى طفلة وامرأة من مارب.