حذر أطباء يمنيون من كارثة صحية تهدد المواطنين جراء تزايد ظاهرة الأدوية المهربة والفاسدة التي اجتاحت الأسواق اليمنية خلال الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق. وطبقاً لمذكرة تلقتها الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات «هود» من الهيئة العليا للأدوية بخصوص تزوير الصنف الدوائي (Retarpen) وهو خاص بمرضى القلب والمغشوش بمادة دوائية أخرى والذي قد يتسبب بحدوث الكثير من المضاعفات للمرضى.
وطالبت هود وزير الصحة التوجيه إلى من يلزم بتكليف جهة الاختصاص بالنزول لسحب الصنف المغشوش من الأسواق وتحريزه حفاظاً على سلامة المرضى حتى يتخذ القرار القضائي بإتلافها، باعتبارها جسم الجريمة الذي لن يدان المتهمون إلا بعرضها أمام القضاء.
وأكد رئيس القسم الصحي في منظمة هود احمد الملاحي ل «المصدر أونلاين» عبر الهاتف صحة الخبر، وقال «الهيئة العليا للأدوية سلمت منظمة هود نتائج الفحص ألمخبري الذي أجرته الهيئة في مختبراتها واتضح أن الصنف الدوائي(Retarpen) مزور».
وأوضحت الهيئة العليا للأدوية في مذكرتها لمنظمة هود رقم 413 بتاريخ 6/4/2013 انه تم تحليل الصنف الدوائي Retarpen والمكتوب على Label الخاص بالفيالة «خاص بجمهورية مصر العربية ».
وأشارت أنه من خلال نتائج التحليل وجدوا أن «الفيالة» لا تحتوي على المادة المكتوبة على Label وإنما تحتوي على procaine penicillin.
وكانت الهيئة العليا للأدوية أوضحت في مذكرتها لنيابة مخالفات مديرتي السبعين والوحدة برقم 310 بتاريخ 11/3 /2013 فيها انه تم إخضاع الصنف للتحليل المخبري وثبت قطعا بان الصنف يحتوي على مادة فعالة بروكائين بنسللين وهي مادة مغايرة للمادة الفعالة التي من المفترض أن يحتويها الصنف ريتربين وهي (بينزاثين بينزيل بنسللين).
وأشارت في مذكرتها إلى أن استخدام الصنف رتربين لمعالجة أمراض القلب الروماتيزميه الناتج عن التتهابات اللوز بينما المادة المزورة (بروكائين بنسيللين) تستخدم في علاج مرض السيلان والزهري (السفليس) وفي التهابات الرئة.
وأضافت «لا يمكن معالجة الحمى الرماتيزمية القلبية بهذه المادة الأمر الذي يؤدي إلى كارثة عند المريض الذي يعاني من هذا المرض كونه لا يتحصل على العلاج المطلوب».
وطالبت الهيئة في مذكرتها نيابة المخالفات اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة.
وأكد المحامي علي الهناهي أن وزارة الصحة شكلت لجان لسحب الصنف الدوئي المزور من الصيدليات والمخازن. وطالب الهناهي «ألا تكون حملات التفتيش على الأدوية موسمية وتكون ضمن خطة عمل متكاملة ترصد لها الميزانيات».
وأشار أن هذه الحملات غالبا ما تحدث بعد وقوع الكارثة مؤكدا أن القضية أحيلت إلي النيابة لاتخاذ الإجراءات اللازمة مضيفا أن عدد من تم ضبطهم في هذه القضية اثنين في حين يجري البحث عن البقية.
وأهاب بالصيادلة وأصحاب المخازن بعدم التعاطي مع مهربي الأدوية حتى لا يكونوا شركاء في الجريمة. وحذر خبراء يمنيون في مجال الصحة العامة من كارثة صحية تهدد اليمنيين جراء تزايد ظاهرة الأدوية المهربة والفاسدة والتي اجتاحت الأسواق اليمنية خلال الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق.
وتأتي هذه التحذيرات في وقت كشف تقرير حكومي رسمي عن أن حجم الأدوية المهربة إلى اليمن بلغت نسبة 60% من حجم الأدوية المعروضة في السوق المحلية.
وأشار تقرير الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية إلى أن ما ينفقه اليمنيون على الأدوية المصنعة محلياً والمستوردة من خمسين بلداً عربياً وأجنبياً يبلغ ما مقداره 117 مليون دولار سنوياً.
وفيما لا توجد إحصائية دقيقة بشأن حجم تجارة الأدوية المهربة، أشار تقرير الهيئة العليا للأدوية إلى أن 45 نوعاً مزوراً ومقلداً من الأدوية تدخل اليمن بطرق غير مشروعة سنوياً ويتم التعميم بأصنافها وأسمائها من قبل الهيئة على مكاتب الصحة وفروع الهيئة في المحافظات لمصادرتها.
ولفت التقرير إلى أن أصناف الأدوية المزورة مجهولة المصدر بلغت 26 صنفاً، فيما بلغت الأصناف المهربة محددة المصدر 175 صنفاً، مشيراً إلى أن تهريبها إلى السوق المحلية جاء بسبب ارتفاع أسعارها لدى الوكيل الأصلي وانعدام كثير من هذه الأصناف نهائياً وعدم توافر البدائل.
وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة ضبطت الرقابة الدوائية بوزارة الصحة اليمنية أكثر من 1175 منشأة صيدلانية في العاصمة صنعاء، ومختلف المحافظات، بسبب احتوائها أدوية مزورة.
وفي أخطر تصريح تجاه الظاهرة قال نقيب الأطباء والصيادلة الدكتور عبدالقوي الشميري، إن الجهات المعنية خلال فترة حكم النظام السابق لم تكن جادة في محاربة تهريب الأدوية لأن «المهربين»، هم جزء من السلطة حسب تعبيره.
وأشار إلى أن التهريب ظل يتم من منافذ رئيسية في البلاد كون متنفذين في السلطة هم من يسهلون وصول المواد والعقاقير الطبية المهربة على حد قوله.
وقال الخبير في الشؤون الطبية الدكتور محمد الحاج، والذي يدير مركزاً طبياً خاصاً، إن الأدوية المزورة والمقلدة تشكل تهديداً حقيقياً لصحة المرضى وتنذر بكارثة صحية كون هناك أمراض تحتاج إلى عناية خاصة مثل الذبحة القلبية والسرطان والكبد والفشل الكلوي والتداوي بأدوية لا تحتوي على كميات صحيحة من المواد الطبية الفعالة ما يؤدي إلى فشل المعالجة وتفاقم الحالة لدى المرضى وقد يؤدي إلى الوفاة.
ونوه بأن استخدام المضادات الحيوية المزورة التي تحتوي على تراكيز أقل من التراكيز العلاجية المفروضة، وأيضاً تلك التي تحتوي على سمّية أو شوائب تؤدي غالباً إلى الفشل الكلوي وأمراض الجهاز المناعي والجهاز الهضمي والسرطان وقد تؤدي إلى الوفاة.
ومن جانبه، يؤكد الدكتور ناجي مسعد وهو صيدلاني، أن معظم الأدوية المهربة تصل إلى اليمن فاسدة وهي إما أن تكون منتهية الصلاحية أصلاً من البلد الذي تمت منه عملية التهريب أو تصبح فاسدة بسبب عمليات الشحن والتخزين خلال إجراءات التهريب التي تتم في ظروف غير سليمة وبأدوات حرارية غير مطابقة للشروط المطلوبة.
ورغم أن الجهات المعنية في الدولة تقوم باستمرار بعمليات ضبط وإتلاف الأدوية المهربة والفاسدة إلا أن كثير من الباحثين يرون أن الكميات التي يجري مصادرتها وإتلافها لا تمثل سوى نسبة بسيطة جداً من كميات الأدوية المهربة والمزورة التي تدخل السوق اليمنية يومياً.
وشدد على أن الأخطر من ذلك والمصيبة الأعظم هو أن الكارثة لا تتوقف عند الأدوية المهربة والمزورة فحسب، وإنما تجري عمليات غش تجاري من قبل مالكي شركات أدوية ومستوردين يمارسون ظاهرياً نشاطهم في تجارة الأدوية وفق اللوائح والأنظمة بالنسبة للإنتاج والاستيراد، وهم لا يندرجون ضمن قائمة المهربين وإنما يقدمون مواد وعقاقير طبية بمواصفات جودة أقل بحثاً عن الربح الأوفر، ودونما مراعاة أي اعتبار لحياة الناس وأرواح البشر.