كيف لبدوي أن يفقد من أرضعته شهورا ودافعت عنه، وبعد أن أصبحت عجوزا جراء سهرها ومعاناتها وتربيتها له ودفعها بكل ما هو غال ورخيص تمتلكه من أجله ومن أجل سعادته، أن يتخلى عنها، إنه كيد الزوجات والعمة العظيم.. مع أن حضن الأم لا يعوض. هل يستطيع أحد منكم أن يفضل حضن العمة والزوجة على حضن الأم .. لا بالطبع، لكن صاحبنا هذا البدوي الذي بالأمس خرج للمدينة شغلته عنها، فوالدته تريد أن يظل بحضنها دائما يأكل ويشرب من يديها ومستعدة أن تعطيه لكنه في تلك المدينة كانت خالته من الرضاعة التي عاشت في المدينة وشكلها ليس من الإنس ولا من الجن فجدها اليهودي وأبناؤها تتنوع مسمياتهم بين رفسنجاني وأكبر ولايتي وخاتمي وغيرها من الأسماء المشقلبة .. كانت المصيبة الكبرى أنها تريد لأختها طالعة أن تعيش دائما بدوية مهلكة ولذا وسوست لصاحبنا وعرضت عليه كل وسائل الفتنة والوعود الواهية من أجل تحويل حياة أمه إلى نكد ، ومن ضمن الوصايا التي قالت له: ترى أمك وإخوتك لايزالون بعقلية بدوية ازرع بينهم الفتن، واحد شمالي وهذا جنوبي، وذاك من تعز، وذاك حضرمي، والصغير المسكين قل له أنت تهامي، ويأكلون حق أمك وأنت تضحك وتصفق .. أشعلت النار وصدقها، وكل أمله الفوز بابنتها الجميلة، وياليت يحصلها.. المختصر المفيد .. نجحت عمته في توزيع الفتن والمناطقية لكن لم تنجح في القضاء على حنكة وحكمة تلك الأم البدوية البسيطة التي صالت وجالت وتوددت إليه لإقناعه لكنه عصى وتنكر وفضل حضن العمة وبنتها عشيقته، وظل يرمي بيت أمه بالحجارة مع أنها جمعت أبناءها على مائدة واحدة وعملت بكل جهودها لإصلاح الفتنة ونجحت في القضاء عليها، وبقي ذلك الابن العاق لأيام قلائل لتطرده عمته ولا تفي بوعودها أبدا.. لكن الأم بطبيعتها رغم ما أصابها منه من دماء ودموع وأحزان احتضنته.. فهل يمكن أن يغنيه حضن الخالة أو العمة عن حضن الأم إلا من لا تهمه كرامته.