نشر موقع "الإسلاميون.نت" التابع لشبكة "إسلام أونلاين" حواراً مع الخبيرة الفرنسية في شؤون الحركات الإسلامية "الجهادية" "آن جوديتشلي" التي اعتبرت أن "اليقظة الحالية لتنظيم القاعدة" في اليمن والصومال هي بمثابة إعادة انتشار للتنظيم بعد تراجع التنظيم في كل من العراق والسعودية، وكشفت جوديتشلي أن هنا "توجها داخل الحلقات العليا في قيادة القاعدة لتوسيع مجالات التحرك للتنظيم لتشمل نيجيريا".
وبينت الخبيرة الفرنسية أن العملية الفاشلة التي قام بها النيجيري فاروق عبد المطلب تندرج في هذا السياق في إطار إستراتيجي جديدة للتنظيم تخرجه من حيزه العربي التقليدي والتاريخي والذي كان يتمثل في إيثار العنصر العربي في القاعدة على غيره، وفيما يلي الحوار كاملا مع "آن جوديتشلي":
* مع العملية الأخيرة الفاشلة التي استهدف فيها النيجيري فاروق عمرو عبد المطلب إحدى الطائرات الأمريكية، وصعود فرع القاعدة باليمن إلى واجهة الأحداث، والتضامن الذي أبدته حركة شباب المجاهدين مع قاعدة اليمن.. هل نحن أمام يقظة لتنظيم القاعدة بعد خمود، أم نحن أمام رقصة الديك المذبوح؟ - بخصوص الوضع في اليمن يجب أن نعلم أن شبكات القاعدة كانت موجودة منذ مدة في البلاد، وفي هذا الإطار يجب أن نذكر بالتفجير الذي استهدف البارجة الأمريكية "إي. إس. كول" سنة 2002 في خليج عدن والذي خلف آنذاك 17 قتيلا من قوات البحرية الأمريكية، ومنذ ذلك الحين أبدى الرئيس عبد الله صالح تعاونا كبيرا مع الأمريكيين من أجل محاصرة وجود القاعدة بالبلاد، ومن أجل ذلك وقع إيقاف العديد من نشطاء القاعدة سواء من اليمنيين أو من السعوديين الفارين من النظام السعودي، كما سمحت السلطات اليمنية منذ مدة بتحليق طائرات التجسس الأمريكية بدون طيار فوق أجواء اليمن، والتي قامت في تلك الفترة باغتيال أحد رموز القاعدة وهو الشيخ الحارثي، بعد تفجير البارجة "كول" مباشرة.
كما يجب أن نذكر بعملية هروب أحد قيادات القاعدة (عبد الكريم الوحيشي) مع 22 آخرين من عناصر التنظيم من أحد السجون في صنعاء شديدة الحراسة سنة 2006 والتي يشك في أن عملية الإخلاء هذه تمت بمساعدة أحد الأجنحة في جهاز الأمن؛ وهذا مشكل آخر في اليمن كما هو الأمر في باكستان وهو أن الجيش اليمني، كما هو الأمر في باكستان، فيه أطراف وعناصر تتبنى أفكار تنظيم القاعدة، أولها ارتباطات تنظيمية مع التنظيم؛ وهذا يعقد مهمة السلطات الأمريكية واليمنية على حد سواء.
ومنذ سنة 2006 بدأنا نلاحظ إعادة تنظيم ل"تنظيم القاعدة" في اليمن، وبدأ التنظيم ما بين سنتي 2007 و2008 يقوم بعمليات محدودة هناك، ومن ضمنها عملية التفجير التي استهدفت مبنى السفارة الأمريكية في سبتمبر 2008 بصنعاء، كما استهدفت هذه العمليات أفراد الجيش اليمني، كما وقع اختطاف العديد من اليمنيين العاملين في الجهاز الأمني من أجل مبادلتهم بأسرى يتبعون لتنظيم القاعدة في السجون اليمنية، كما وقع استهداف العديد من السياح الأجانب باعتبارهم رموزا للتواجد الغربي، ومنذ يناير 2009 دخلنا في مرحلة جديدة في وجود هذا التنظيم في اليمن؛ وهو ما اعتبر "بمؤتمر الوحدة" في أدبيات الاستخبارات الغربية بين الجناح السعودي والجناح اليمني للقاعدة تحت قيادة اليمنيين، وما سهل عملية الاندماج هذه هو تعرض الجناح السعودي لضربات عديدة وإنهاك من المتابعة الأمنية السعودية.
هذا الاندماج بين جناحي القاعدة السعودي واليمني قوى من التنظيم على الأراضي اليمنية، وبالتالي فإننا نجد أن النواة الصلبة للتنظيم اليوم في اليمن تتكون من يمنيين وسعوديين، ويحيط بهم العديد من الصوماليين الذين لهم وجود كبير في مدينة عدن؛ حيث تتواجد فيها جالية صومالية كبيرة.
شباب المجاهدين والصومال * وماذا عن حركة شباب المجاهدين في الصومال وصعودها مؤخرا؟ - في الملف الصومالي بالذات نعلم أن حركة شباب المجاهدين قد أعلنت ولاءها الضمني لتنظيم القاعدة في عيد الفطر الماضي حينما وجهت رسالة لابن لادن: "ونحن ننتظر في القريب إعلان الانضمام الرسمي؛ وهذا الأمر سيستغرق بعض الوقت"، وهو نفس ما قام به في السابق "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" حينما أعلنوا انضمامهم إلى القاعدة، وبقوا ينتظرون بعض الوقت إلى أن جاءتهم موافقة الرجل الثاني في التنظيم "أيمن الظواهري".
* وبناء على واقع المنظمتين في اليمن والصومال، ماذا تتوقعين حدوثه؟ - إن ما سيقع في تقديري وبناء على هذا الارتباط الديني والتقليدي والجغرافي والتاريخي والإستراتيجي بين اليمنيين والصوماليين هو تنظيم ثنائي لفرعي القاعدة بالبلدين من أجل تشكيل امتداد تنظيمي واحد في شكل قاعدة إقليمية في القرن الإفريقي واليمن، والمحاولة الأخيرة الفاشلة للنيجيري الذي أجري تجهيزه في اليمن أعطت نوعا من الشرعية التنظيمية للفرع اليمني للقاعدة وجعله في مركز الاهتمام العالمي، وجاء على لسان الرئيس الأمريكي أوباما شخصيا، وهذا الأمر في تقديري سيؤدي بأن يمنح التنظيم أهلية قيادة تنظيم القاعدة في الخليج بشكل عام ومنطقة القرن الإفريقي بشكل خاص، أي أن القاعدة في اليمن بدأت تخرج من "البعبع المحلي الضيق إلى البعبع الإقليمي الواسع" عبر عملية الطائرة الفاشلة، وسيكون الشباب الإسلامي في الصومال بمثابة الحليف الإقليمي في عملية التمركز اليمني هذه.
تحولات القاعدة * أمام هذه المعطيات الجديدة، ما هو شكل التحولات التي تعيشها القاعدة في الوقت الحالي؟ - نحن في إطار تواصل لعمل القاعدة، فلسنا أمام قطيعة؛ لأن العمليات لم تتوقف منذ أن بدأت القاعدة، وإن خفتت أحيانا فإنها تعود لتبرز مرة أخرى، ما يحدث هو أن القواعد الخلفية للقاعدة تتحول باستمرار؛ فمنذ عدة سنوات كانت المملكة العربية السعودية في الواجهة الرئيسية بعد العراق، ونتيجة الضغط الأمني الذي عاشه التنظيم في السعودية تراجعت القاعدة إلى واجهة جغرافية جديدة هي اليوم اليمن.
فنحن إذن إزاء إعادة انتشار للقواعد الخلفية لتنظيم القاعدة؛ فالقاعدة اليمنية تندرج في إطار إعادة انتشار القاعدة في الجزيرة العربية، وهي بمثابة اندماج للقاعدة في محيط جديد، وتجديد لخلايا التنظيم، واستغلال الإطار الجديد لليمن بكل المشاكل التي تعيشها البلاد، وحصول تغييرات سياسية وصعوبات أمنية كبيرة؛ فمن جهة أمام الحوثيين في الشمال، والانفصاليين في الجنوب، وأمام عدم قدرة الدولة المركزية على ضبط النظام العام، وتشرذم المجتمع اليمني بتركيبته المذهبية والقبلية تجد القاعدة مرتعا وملاذا جديدا لها، هذا فضلا عن العوامل الجغرافية الجبلية التي تساعد القاعدة على زرع خلاياها بسهولة؛ وهو الأمر الذي أتاح لقاعدة السعودية أن تلجأ إلى اليمن لأنهم رأوا فيها القاعدة الخلفية الأكثر أمنا لهم.
* وما رأيك في قول بعض المحللين بأن تقدم القاعدة في اليمن هو إحدى النتائج المباشرة لتراجع القاعدة في العراق؟ - بالفعل.. فإن تراجع تنظيم القاعدة في العراق أدى إلى تراجعات في العديد من المناطق في منطقة الخليج وخاصة في صلب تنظيم القاعدة بفرعه السعودي الذي كان أول منبع بشري لتنظيم القاعدة في العراق، وبالنظر إلى العمل الذي قامت به "الصحوات" في العراق واستتباب الوضع الأمني نسبيا؛ فإن القاعدة بدأت تفكر في البحث عن ملجأ جديد؛ وبالفعل فقد تنقل العديد من عناصرها شمالا إلى أفغانستانوباكستان، أو جنوبا إلى اليمن والصومال، وهو مرتبط بإعادة الانتشار.
الاستعانة بالأفارقة * ما هي الرمزية التي يحملها برأيك استعمال القاعدة للنيجيري فاروق عبد المطلب غير العربي والذي جاء من إفريقيا السوداء، مع ما نعلمه من تركيز التنظيم التاريخي والتقليدي على العنصر العربي في عملياته؟ - هناك أمران يمكن استنتاجهما في هذه الحادثة: أن الأمر يتعلق بتكتيك "التحول والاندماج" الذي تعتمده القاعدة أمام التحديات التي تواجهها؛ وهو التكتيك الذي تعتمده كل التنظيمات العسكرية السرية، حينما تتعرض للمحاصرة والمضايقة الأمنية، أي البحث عن البدائل الممكنة للهروب من عملية المحاصرة الأمنية، وبالتالي فإن استعمال "أسود" و"غير عربي" من شأنه أن يخاتل الأجهزة الأمنية المقاومة للإرهاب الذي بدأت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر في التركيز على العنصر العربي في المطارات والمراكز الحساسة.
من أجل مغالطة الأجهزة الأمنية، فإن القاعدة بدأت في السنوات الأخيرة الاعتماد على عناصر لا تنطبق عليها المواصفات الأمنية المعروفة؛ من أجل الالتفاف على المراقبة الأمنية، ونموذج النيجيري عبد المطلب خير دليل على هذا التوجه الجديد داخل آليات عمل القاعدة، وأعتقد أن نموذج عبد المطلب غير العربي والذي يرحل من مكان إلى آخر هو النموذج الجديد لنشطاء القاعدة أو الذين تبحث عنهم من أجل تجنيدهم في عملياتها.
غير أن -وهذا من المهم قوله- النيجيري عبد المطلب لم يكن مجرد اختيار تكتيكي وعملياتي بالنسبة للقاعدة؛ فمن خلال أبحاثي ومتابعتي لنشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ونشاطه في جنوب الصحراء ومنطقة الساحل في موريتانيا ومالي والنيجر، فإن قادة تنظيم القاعدة يرغبون في إدماج مسلمي نيجيريا في حربهم العالمية ضد الولاياتالمتحدة والغرب عموما؛ وهذا في اعتقادي توجه شبه رسمي من تنظيم القاعدة على مستوى عال، وهذا التوجه دعمه بالنسبة لي حادثة عبد المطلب كما لاحظته في الأشرطة الأخيرة التي بثها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الإنترنت، لاحظنا مؤخرا دمج النيجيريين في معسكرات التدريب في الصحراء؛ وهذا في نظري تطوير بشري من أجل توسيع دائرة الحرب التي تشنها القاعدة.
* كيف تنظر أوروبا وفرنسا لهذه التهديدات الإرهابية الجديدة؟ - يجب أن نعلم أن النيجيري انطلق من مطار أوروبي (هولندا)؛ وهو ما يحمل مسئولية أكبر للأجهزة الأمنية الغربية، وهو ما دعا كل أجهزة المخابرات الغربية إلى حالة استنفار عامة في المدة الأخيرة.
غير أن ما يبعث على القلق حاليا في صلب الأجهزة الأمنية الغربية هو الأفراد غير المرتبطين بالضرورة بخلايا معينة، والذين يتطرفون بشكل فردي ومنعزل عبر الإنترنت وغيره من الوسائل، وهم الذين ليس لهم بالضرورة ارتباط بالمسجد أو بالجماعات هنا وهناك، وهؤلاء أصبحوا أكثر من غيرهم محل اهتمام الأجهزة الأمنية في البلدان الأوروبية.