جميل أن يراودك ذلك الشعور الملِح مجدداً بأن تمسك القلم وتبدأ برسم وخط الكلمات التي تتزاحم في مخيلتك وتدعوك إلى أن تطلق لها العنان وتخرجها من الأسر، راودني هذا الشعور بعد ان ظننته هجرني الى غير رجعه وذلك بعد عدة محاولات فاشلة للكتابة في الآونة الاخيرة فالفكر أصبح متخما بالافكار الكثيرة والمتلاحقة وغير المفهومة. لكن لذلك العجوز الفضل بمعاودة شعور الكتابة اللذيذ هذا، حين ابتدء هذا العجوز حديثاً شيقاً ممزوجاً بالآيات ومستدلاً بأبيات من الشعر وهو يحاور الراكب الذي بجوارة في الباص، وعندما كاد سائق الباص ان يرتطم في السيارة التي امامنا صاح به هذا العجوز متهما اياه بأنه يمضغ (يُخزن) نوعية رديئة من القات لذلك هو غير منتبه فأجابه السائق بالنفي وبأنه لا «يُخزن» عندها أجابه العجوز متهكماً «إذا لست يمنياً!!».
«لست يمنياً»، إذا كنتَ ممن لا يمضغون القات؟ هكذا يتهكم عليك البعض عندما لا تتناول القات او حتى عندما تنتقد أو تتحدث عن مشكلة القات والاضرار الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي يتسبب بها هذه النبتة.
القات مشكلة؟ نعم مشكلة رغم ان الكثيرين سيغضبون لهذا التعبير، لكنه مشكلة شئنا أم ابينا، وانا هنا لست بصدد اثبات هذه الحقيقة، فالكثير من الدراسات والمعلومات سيجدها القارئ منشورة تشرح حجم الاضرار لهذه الآفة، سيظل القات هو مشكلة اليمن وآفتها المميتة والقاتل البطيء لكل الطموحات والآمال المنشودة.
اذا كُنت تريد ان تدخل في جدل لا ينتهي فتحدث أو انتقد القات و من يتناول القات، ستبدء الاتهامات تكال اليك تارةً بأنك اصلا غير يمني ومشكوك في يمنيتك!! وكأن القات أصبح من احدى الوسائل الى جانب الاوراق الثبوتية التي تثبت انك من ابناء هذا البلد!!
وتارة أخرى تُتهم بأنك مجرد «مُنظِّر»، «وكذب المنظرون ولو صدقوا»!! كما زعم احد الزملاء عندما بدأنا نقاشاً عن القات، نعم قد أُنظّر لكن ما قلته ايها الزميل من أن القات أصبح اسلوب حياة لليمنيين ليس صحيحاً!! بدليل المبادرات الكثيرة والشباب الرافض للقات ولأسلوب الحياة الذي تراهن عليه، اما انا فما زلتُ اراهن على كل هؤلاء الشباب والشابات الواعيين، وعلى الوعي المجتمعي لمعظم افراد المجتمع اليمني مؤخرا الذي اجزم بإنه يعي تماما اضرار القات وما هي إلا سنوات قليلة وسأذكِّرك بذلك الرهان الذي راهنْتُ عليه و ما زلتُ «انه لن يكون هناك شيء اسمة شجرة قات في اليمن»!
القات ان كان اسلوبا فهو اسلوب هروب ليس إلا، يهرب من خلاله من يمضغون القات، من حياتهم ومشاكلهم التي تؤرقهم وهموم الحياة التي تُطبِق على صدورهم ليُحلِقوا في آفاق من الوهم والنشوة الكاذبة ثم يفيقون على لا شيء!!
وإن كنت اُنظِر فهناك جدوى من هذا التنظير وانا مؤمنه بذلك، حتى تلك المبادرات الشبابية على ضآلتها وتواضعها لها جدوى بالتأكيد وإن لم يكن على المدى القريب فسيكون على المدى البعيد، ستُؤتي اُكلُها ولو بعد حين وسيتحقق الحلم حتى وان اصبحنا رفاتا يختلط بتراب الارض، سوف تلتقي ارواحنا وسأذكرك بالرهان وسيتحقق الحلم بأن يصبح اليمن خالياً من القات، سأذكرك حينها بأسلوب الحياة الذي نشدناه، لا اسلوب الحياة الذي كنت تريد!!