عدونا الجهل والتجهيل، والقراءة أحد أهم التحدّيات، ذلك أن القراءة حُرية، وتوسع دائرة الخيارات. لو كان في صعدة مكتبة عامة ومدارس وكليات تحترم العقل وتنتشل المجتمع مما هو فيه لما مشى الحوثيون برمزياتهم على البساط الأحمر الذي كان مطوياً أصلاً داخل ملازم «سيدكم حسين». وامتد لتمشي عليه رمزيات سلطة جديدةٍ، كما امتد إلى عقل الحداثيين، وقراء الروايات أيضاً، وكان أخي يعمل أستاذاً في إحدى مدارس ريف «صعدة»، وكانوا يحتفلون بتخرّج الفتى في السادس الابتدائي، وبعدها يعمل في تهريب القات أو أشياء أخرى.
ولو كان في رداع مكتبة عامة أو حتى مكتبة تجارية تبيع الكتب لما حلقت طائرات من دون طيار ولما سقطت العامرية (المدرسة التاريخية والقلعة) بأيدي مجموعة من الجهلة، وتعجز الدولة عن فعل أي شيء وتتفاوض القبيلة معهم. ليختفوا في الضواحي، بينما فكرهم يتغلغل، وها هو يغزو الجامعة. نحن نحتاج قبل أي شيء إلى شاحنة مليئة بالروايات ندلقها في رداع.
عدد طلابي الذين قلت لهم اقرأوا رواية «المقري» 20 طالباً، وعدد طالباتي اللواتي قلت لهن اقرأن رواية «دماج» 20 تقريباً، بينما تم نسخ «تصوير» أكثر من ثلاثمائة نسخة، أنا أشعر بالخجل أمام أصدقائي العرب الذين سيقرأون هذا المنشور، وأنا أقول إن هاتين الروايتين أول روايتين تدخلان هذه المدينة، ولذلك ظل أهلها يقلبون هذين الكائنين الغريبين (الروايتين) بين أيديهم، وأخيراً حملوا أسلحتهم وبحثوا عنّي لقتلي قبل أن تعلق القاعدة رأسي، وفي مخيلتها رأس تلك الساحرة الذي علقته يوماً ما في نفس المدينة، وتتذكرون ذلك، وأما هم فيرون أن الرواية سحر مبين. ومكتبتي في المنزل ليست أكبر من مكتبة الكلية، لكن الأخيرةَ ورثتها الجامعة من العصور الوسطى وما قبلها، وحسب. وليس فيها من الكتب الحديثة سوى ديواني الأول «ليس يحضرني الآن»، وأظنهم تخلصوا منهم مؤخراً.
منذ عشرات السنوات ومؤسسات الدولة تعمل بلا فكر ولا رؤية، تحولت الجامعات إلى أماكن لتخريج الموظفين، ولا تعرف وزارة الثقافة ماذا تفعله سوى صرف مرتّبات لموظفيها، ومؤخراً تحولت إلى وزارة خاصة بسفريات الوزير، وتحول صندوق التراث «الداعم الأول للثقافة» - كما يفترض- إلى وكر كبير لفساد المثقفين ومن جاورهم.
وأما عن التعليم، ف 50% في المائة من مدرِّسي مدارسنا - على الأقل- يعملون «مقاوتة» إلى جانب مهنة التدريس.
وماذا منتظرون من الصحف أن تفعل؟! وليس بينها صحيفة ثقافية!! وليس لدينا مجلة واحدة محترمة من بين 400 مطبوعة مرخّصة في وزارة الإعلام!!