في اليمن ثمة مفارقة مريرة، ففي الوقت الذي كان المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر ينتهي من تقديم تقريره عن الأوضاع في البلاد إلى مجلس الأمن، كان مخربون من آل جرادان يعتدون مجدداً على خطوط نقل الكهرباء. يعيش ملايين اليمنيين في الظلام عقب الاعتداء الذي نفذه أولاد صالح بن حمد جرادن في مديرية آل حتيت جرادان بمحافظة مارب مساء اليوم الثلاثاء، وهو الاعتداء الثالث الذي تتعرض له خطوط نقل الكهرباء خلال أقل من 24 ساعة.
وهاجم مسلحون قبليون يوم الاثنين خطوط نقل الطاقة الكهربائية بمنطقة نهم، تبعه هجوم آخر من آل جرادان في اليوم نفسه ما أدى إلى خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة، حيث اعتدوا على الدائرة الثانية من خطوط النقل برمي الخبطات الحديدية عليها.
ويتبنى رجال قبائل في شرق العاصمة ومحافظة مارب عمليات تخريب على أبراج التيار الكهربائي، وأنابيب النفط، ويشترطون لوقفها تنفيذ مطالب بينها الإفراج عن سجناء، أو منحهم حصصاً في مقاعد الوظائف الحكومية، كالجيش، غير أن اتهامات يتم تداولها باستناد هؤلاء القبائل وتلقيهم الدعم من قوى نافذة كانت في السلطة.
وتقول مصادر عسكرية وأمنية إن «خلية» تضم أفراداً من عائلة الرئيس السابق علي عبدالله صالح تدير عمليات تخريب تطال خطوط نقل الطاقة الكهربائية وأنابيب النفط الخام والغاز المسال في محافظة يمنية عن طريق التواصل مع مخربين للقيام بتلك الأعمال سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، وعن طريق دفع أموال لمسلحين مأجورين للقيام بأعمال تخريبية ورفع مطالب لدى الحكومة كأسباب لقيامهم بالتخريب، ليكون فريق صالح بعيداً عن الصورة.
وتقف الحكومة اليمنية والرئيس عبدربه منصور هادي عاجزين عن وقف المخربين، ونسمع بين الحين والآخر التصريحات والأنباء التي تفيد عن حدوث اتفاقيات تعالج هذه الأزمة، والتهديد بالضرب بقوة على المعتدين، لكن سرعان ما تصبح تلك التصريحات مجرد أخبار يتم تناقلها في وسائل الإعلام، دون تنفيذ على أرض الواقع.
وتوفر محطة مارب، التي تعمل بالغاز، الطاقة للشبكة الوطنية التي تربط العاصمة صنعاء بمحافظات مختلفة، غير ان بعض المحافظات تمتلك مولدات خاصة خارج الشبكة.
وتعاني اليمن عجزاً في الطاقة الكهربائية، إذ تصل إجمالي كمية الطاقة المنتجة من المحطات الحكومية نحو 800 ميغاوات، وهي كمية تقل عما تنتجه ولاية صوماليا لاند في شمال الصومال والتي تنتج أكثر من ألف ميغاوات.
وأصبحت الكهرباء في اليمن كالسلعة النادرة، وتزداد ندرتها مع فصل الصيف الساخن والذي ترتفع فيه درجة الحرارة في المناطق الساحلية والصحراوية إلى درجات عالية، وأصبحت الانطفاءات كابوسا يجثم على صدور اليمنيين وخصوصا بعد أن وصلت ساعات الانطفاء إلى أكثر من 18 ساعة في اليوم الواحد بسبب أعمال التخريب.
ومابين مؤتمر الحوار وتوصيات وآراء سياسيين وقيادات يمنية، يعيش المواطن اليمني إرهاصات هذه المرحلة العصيبة الذي تشهد مخاض الحوار الوطني والذي يناقش القضايا الوطنية ويبحث حلولاً للمشاكل المختلفة.
يأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه اليمن من عجز في إمدادات الطاقة الكهربائية، وتخوفات من خروج محطة مارب الغازية عن العمل نهائياً بسبب تلك الاعتداءات، التي تستمر بشكل دوري.
واستمر تدهور هذا القطاع طوال السنين الماضية، وجاءت الاعتداءات الأخيرة خلال العامين الأخيرين، وما تلاها من عجز الحكومة عن وقفها، لتساهم في توقف بعض المحطات في محافظات، فضلاً عن خلافات في صفقات شراء طاقة كهربائية.
ويقترح متخصصون البدء في بناء محطات في مختلف المدن اليمنية تكون منفصلة عن الشبكة الوطني حتى لا يؤدي خلل في إحدى أطراف الشبكة إلى انقطاع الطاقة عن جميع تلك المناطق.
وتلجأ اليمن أحياناً إلى استئجار محطات كهربائية متنقلة على متن سفن تجارية، لتزويد بعض المحافظات الساحلية بالوقود لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة.
وبين الظلام الذي يعيشه المواطن اليمني، ينبعث تفاؤل بأن نوراً ما قد يضيء لليمنيين بأكملهم، يُعيد الحياة إلى طبيعتها المعتادة، وبما يحقق للجميع حياة كريمة، وكهرباء لا تنطفئ.