الاثنين الماضي؛ بدأت محنة جديدة من مسلسل انطفاء الكهرباء بعد عودة الاعتداءات على خطوط نقل الكهرباء، وفي اليوم نفسه صدر عدد صحيفة الميثاق (لسان حال حزب الكهرباء النووية) زاخراً بمواد متعددة عن الكهرباء؛ الأمر الذي يعزز ما سبق أن قيل إنه يمكن معرفة خطط التخريب المؤتمرية من متابعة وسائل إعلامه ورصد تناولاتها الصحفية ومقالات الرأي فيها! في صفحتها الأولى؛ كان هناك عنوان ضخم أحمر اللون عن وجود مؤامرة على الكهرباء والاتصالات في البلاد، وسبحان الذي خلق المعتدين على الكهرباء والعاملين في «الميثاق» من طين لازب؛ فلم تكد الصحيفة تخرج من المطبعة حتى كانت الاعتداءات على الكهرباء تُستأنف وبشكل حاسم يؤكد: ألاّ عودة قريبة لها!
المهم الآن ليس الكهرباء فقد صارت إحدى وسائل الانتقام السهلة، وصار المواطن يحمد الله ويرضى منها بالتي واللتيا؛ الأكثر أهمية الآن هو حديث المؤتمر عن الخطر الذي يحيق بالاتصالات؛ مما يعني أنها ستكون هدفاً مباشراً للتدمير القادم من خلال العصابات الخاصة التي لن يكون غريباً إن بدأت تستهدف خدمات الاتصالات بكل أنواعها.. المهم إثبات «نظرية ابن مرتزق» أن اليمن لن تعيش بسلام، ولن تعرف الكهرباء والاتصالات بعد رحيل الرئيس السابق عن السلطة!
من معالم السياسة السوقية أن أرباب الخصخصة الفاسدة المتوحشة في اليمن هم الذين يهددون بإثارة الاحتجاجات بشأن ما يزعمونه مخطط لخصخصة الاتصالات والكهرباء اليمنية! لا. وتثور حميتهم للقطاع العام إلى درجة وصف الخصخصة المزعومة بأنها تهدف لتدمير مصالح الناس!
أنعم وأكرم يا بتوع القطاع العام! الآن بعد ما خربتم الدنيا: عاما وخاصا.. جئتم تبكون على مصالح الشعب؟
على أي حال؛ الشعرة من جلد المؤتمر فائدة، وأي غيرة ولو كاذبة على مصالح الشعب بالتأكيد فيها فائدة. وإذا استثنينا أن الغيرة على الكهرباء والاتصالات، والتحذير من خصخصتها المزعومة، هي الكود أو الاسم السري لخطة صالح المعروفة: اضربوا الكهرباء وخربوا الاتصالات.. فإن الاحتمال الآخر هو أن هذه الغيرة الكذابة سببها أن القوم يخشون بالفعل أن تحدث خصخصة وهم بعيد عن السلطة الفعلية التي تمكِنهم من التلاعب بخصخصة ممتلكات الدولة ببيعها بيعة سارق(!) لأحد وكلائهم بالسر، ثم تفيد الثمن بأساليبهم المعروفة التي تجعل المال يصب في حساباتهم في الخارج بطريقة أو بأخرى!
ذروة الفكاهة أن لصوص الخصخصة والثورة والجمهورية والوحدة وصفوا التعامل الحكومي مع مخرِّبي الكهرباء بأنه عيب في حق أهداف ثورثي سبتمبر وأكتوبر، ومؤسسات الدولة ومصالح المواطنين!
دعونا نتذكر الآن من الذي ارتكب العيب في حق ثورة سبتمبر الجمهورية: أليسوا هم الذين حولوها إلى ملكية مقنعة بشعارات جمهورية؟ ووضعوا مقوِّمات الدولة وثرواتها في أحضان أبنائهم وأبناء إخوانهم وأقاربهم ومواليهم، ورتبوا لتوريث الجمهورية من الأب إلى الابن؟
أليس من العيب أن الغيرة الكاذبة على الدولة ومصالح المواطنين لم تظهر إلا الآن بعد أن انتزعت منهم السلطة، وتحولوا إلى سابقين (رئيس سابق، قائد حرس سابق، أركان حرب سابق.. الخ السابقين!)؟
الغيرة الكاذبة على أهداف أكتوبر هي الأسوأ.. فنظام صالح لم يرحل حتى كان الصوت الأعلى في أرض أكتوبر هو صوت الانفصال، ورفض يمنية الجنوب، ورفض أي علاقة بين الجنوب والشمال اليمنيين، وبدون كهرباء ولا اتصالات فقد كان ذلك هو إحدى نتائج سياسة المخلوع الفاشلة والفاسدة في إدارة أمور الدولة!
ليس من سمات الوطنية أن يبكي على أحوال الكهرباء والاتصالات الذين خربوا ما هو أكثر أهمية وقدسية وطنية من ذلك؛ أقصد الذين خربوا بعنجهيتهم وفسادهم وخيانتهم للثورة والوحدة والديمقراطية كل هذه المعاني العظيمة، وأتاحوا الفرصة للانتهازيين والطامعين في السلطة أن يصيروا قادة تحرير في عيون العامة!