الأخوة المؤتمريون سعيدون إلى درجة التشفي بحادثة سرقة هاتف المبعوث الدولي الأستاذ جمال بن عمر؛ ليس غيرة على العلاقات اليمنية المغربية، ولا حماسة لسمعة الاتصالات اليمنية، أو اشمئزازا من فعل السرقة مجردا من أبعاده الإنسانية والوطنية والقومية.. السبب الوحيد كما يظهر من تناولاتهم هو أنه دليل على استفحال التدهور الأمني في اليمن بعد خلع الرئيس السابق، وفي عهد الرئيس هادي وحكومة الوفاق حتى ولو كان الرئيس الرجل الثاني في المؤتمر ونصف أعضاء الحكومة مؤتمريون/ ومعهم مجموعة وزراء من.. المؤلفة أحزابهم! من واجب ابن عمر أن يحمد الله تعالى على أن السرقة حدثت في هذه الأيام وليس في أيام المخلوع.. لكن قبل أن نفسر سبب ذلك ينبغي أن نحاول تفسير الأسباب الأخرى التي استبعدناها في بداية الكلام.. فالغيرة على العلاقات المغربية اليمنية مستبعدة تماما لأن الدور الذي يقوم به ابن المغربي يجعل أنصار المخلوع يكرهون كل شيء يأتي من المغرب، وليس مستبعدا أن تكون خطبة العيد القادم في جامع الصالح تدور حول التحذير من المغرب ودبلوماسييه؛ لأنه لا يأتي منه الخير ولا يأتي منه إلا الخلع والعزل السياسي؛ ولأنه المكان الذي سوف تطلع منه الشمس بدلا من المشرق كإحدى العلامات الكبرى ليوم القيامة، وكما هو معروف فهو يوم يتعوذ منه حتى الشجر والحجر والحيوان!
الحماسة أو الغيرة على سمعة الاتصالات اليمنية مستبعدة أيضا حتى ولو كان وزيرها من قيادات المؤتمر البارزة؛ لأن ابن دغر في الغالب هو من أنصار الرئيس هادي، وقد تعرض قبل فترة لحملة صحفية من بعض أبواق المؤتمر على خلفية بعض مواقفه في مجلس الوزراء ومؤتمر الحوار، وعلى أية حال فالموقف الإجمالي لأتباع المخلوع الآن ليس فقط الترويج لفشل حكومة الوفاق؛ بل والعمل على إفشالها - ولو كان على حساب سمعة وزراء المؤتمر وحلفائه المشاركين في الحكومة- بكل هذا الذي نشاهده من أعمال التخريب الغريبة التي تجاوزت ما كان يحدث زمان لغرض تحقيق مطالب معينة، فقد صار التخريب عملا مؤسسيا لو كان النظام السابق اتبعه في تسيير أمور الدولة لربما لم تكن البلاد وصلت إلى ما نحن فيه؛ بحيث ما زلنا بعد 51 سنة من الثورة نناقش أبجديات تأسيس سلطة جديدة تقوم على العدل والحرية والمساواة! أما السرقة ذاتها فليست مما يغضب لها أتباع النظام السابق فقد كانت من الثوابت في إدارة الدولة، وكانت السياسة الإدارية سابقا تقوم أساسا على تولية الفاسدين –إلا النادر المضطرين إليهم- واستبعاد النزيهين بوصفهم: خضعان، وتشجيع السرق بوصفهم: رجال!
قلنا إن الأستاذ ابن عمر المغربي يجب عليه أن يحمد الله على أن السرقة فقط نالت من هاتفه، فلو كان حظه أن جاء إلى اليمن في أيام المخلوع فأقل شيء كان سيسرق منه الشنطة الدبلوماسية التي تضم أسرار عمله وفلوسه، ولن تعاد إليه إلا بفدية تدفع للسارق نفسه الذي سيؤدي دور المفتش الذكي الذي قبض على اللص والشنطة معه! أو يسرق منه ما هو أكثر أهمية فاليمن تعود أن تسرق فيه حتى أختام الرئاسة والوزارات والأحزاب، ويتم تزوير توقيعات الرئيس السابق نفسه.. هذا فضلا عن سرقة ثروات وطنية ثم يقال إن الزعيم كان بريئا، ولا يعرف شيئا.. حتى أنه فرح عندما انشقت قيادات كبيرة من الحزب بعد مذبحة الكرامة لأن الحزب تطهر من الفسدة.. ولم يبق إلا الوكالة أو الولاياتي الأصلي! أما أسوأ ما كان يمكن أن يحدث لابن عمر فهو أن يدعى إلى.. عزومة غذاء ويفاجأ بأن روحه نفسها قد.. نهبت إلى باريها!
••• من سوء حظ النظام السابق أنه لم يكن يملك مشروعا نوويا مثل العراق في الثمانينيات، أو أسلحة دمار شامل مثل ليبيا القذافي.. أو أسلحة كيمياوية مثل سوريا.. وسوء الحظ هنا يمكن فهمه في أن الغرب –وفق محللين - استخدم هذه الحجج في مقايضة الأنظمة الثلاثة لتحقيق مصالحها مقابل التخلص مما تملكه مما ذكر آنفا حماية لأمن إسرائيل من مفاجآت قد تحدث لها إن وقعت هذه الأسلحة في أيدي حكام غير مأمونين؛ فالمفاعل النووي العراقي تم تدميره تماما بسهولة بواسطة الطيران الصهيوني، الذي طار ودخل العراق –رغم أنه كان في حالة طوارئ بسبب الحرب الشرسة مع إيران- وقصف وعاد سالما غانما معافى من أي رصاصة.. وكان الثمن هو فتح مخازن السلاح الغربي للعراق، وإمداده بكل ما يحتاجه من المعلومات الاستخبارية اللازمة للحرب.. المهم تطمئن إسرائيل على مستقبلها!
في ليبيا حدث نفس الشيء فتم التخلص مما يمتلكه القذافي من أسلحة دمار شامل بما فيها السلاح النووي الكاذب.. والمقابل كان الرضا عن القذافي وأولاده –ولو مؤقتا- ورفع الحصار على ليبيا، وحل مشكلة طائرة البانام الأمريكية التي تحطمت فوق إسكتلندا بأغلى ديات دفعت في التاريخ الإنساني.. وها هم في سوريا الآن يدمرون السلاح الكيمياوي لطمأنة إسرائيل ألا يقع في أيد متشددة قد تستخدمه ضدها.. [الموافقة السريعة الغريبة الروسية السورية على تدمير السلاح الكيمياوي مريبة، وتتناقض أصلا مع الإصرار السابق على براءة النظام من الجريمة، واتهام المعارضة بأنها هي التي نفذت الهجوم الكيماوي لإحراج النظام وتوفير فرصة لضربه دوليا.. والمضحك أن العكفة العرب واليمنيين يصفون حل التدمير بأنه انتصار كبير لسوريا، والدور الروسي بأنه بطولة!]..لكن الثمن صار واضحا: إغضاء الطرف عن النظام والحفاظ عليه، والاتفاق سرا بين موسكو وواشنطن على ألا تنجح الثورة السورية، وفرض حل سياسي لا يمكّن أعداء إسرائيل من تهديدها ولو في النوم.. وهو تفسير يجد تأييدا له مع الانفراج المفاجئ في العلاقات بين الشيطان الأكبر.. والشياطين الحمر في إيران، ورغم الدور الحربي الذي يقوم به حزب الله في الحرب ضد معارضي النظام!
في اليمن كان يمكن أن يقايض النظام السابق القوى الدولية للبقاء في السلطة لو كان لديه أسلحة كيماوية أو مفاعل نووي أو أي نوع من أنواع السلاح الشامل .. لكن لأن العين عمشاء واليد عوجاء فقد انتهى أجل النظام والبلاد تناضل راضية من أجل الشموع، والماء الملوث، والطريق الآمن، والقات المبودر.. وحتى مشروع الكهرباء النووية، والسكة الحديدية، والقضاء على الفقر في سنتين لم يأخذه أحد على مجمل الجد، ومن ثم لم يكن ممكنا أن تنفع للمقايضة بها بعد أن صار نكتة.. نووية!