لا أحد يأبه للأخبار التي تأتي من مناطق القبائل ولا للضحايا الذين يسقطون بشكل شبه يومي نتيجة الصراع بين القبائل حول ملكية أراضي ومنابع النفط. عشرات القتلى سقطوا في صراع بين قبيلتين فقط، هما "بلحارث" و"آل أبو طهيف" لأسباب لها علاقة بإدعاءات كل طرفين لملكية الأراضي التي تقع فيها حقول النفط على الحدود بين الشمال والجنوب سابقاً.
لا يثير هذا الموضوع اهتمام الدولة، فضلاً عن الرأي العام، الأهم لدى هؤلاء ألاّ تتعرض أنابيب النفط التي ترفد ميزانية المركز لأي مكروه .. ما سوى ذلك لا يهم! مؤخراً، وبُعيد ثورة الشباب السلمية، بدأت وسائل الإعلام تتحدّث عن المخزون الكبير من النفط في المناطق الشرقية، فمحافظة الجوف تحوي اكبر مخزون غازي في اليمن، وحسب "سكاي نيوز" الأمريكية فإن المؤشرات الأولية تفيد بوجود كميات تجارية كبيرة من هذه الثروة، أهملت منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وإن بئراً واحدة فقط لديها قدرة إنتاجية تصل إلى 300 ألف قدم مكعب من الغاز في اليوم.
وفي مارب، أعلنت شركة "صافر"، أواخر مايو الماضي، عن اكتشاف حقل جديد للغاز بالمحافظة بقدرة إنتاجية 2.7 مليون قدم مكعب يومياً.
الأربعاء الفائت 17 يوليو، ذكرى تولِّي صالح السلطة، كشفت فضائية "اليمن اليوم" المملوكة لآل صالح، ولأول مرة، عن الرقم الحقيقي لحجم إنتاج اليمن من النفط في معرض احتفائها بما أسمتها انجازات الرئيس السابق، وذكرت أن معدلات إنتاج اليمن من النفط في عهد صالح بلغ ما يفوق المليون برميل من النفط يومياً بعد أن كانت حكومة صالح تقول طوال سنوات مضت إن إنتاج اليمن من النفط هو 258.8 ألف فقط.
رافق هذه الأرقام والاكتشافات تحركات لمنظمات حقوقية ونشطاء محليين في مارب وشبوة والجوف (الثلاث المحافظات المنتجة للنفط) إضافة إلى حضرموت، وبدأ الحديث عن حقوق المحافظات في نصيبها من الثروة التي حُرمت منها سنين طويلة إبان حكم علي عبد الله صالح.
وبفضل ثورة التغيير في اليمن، بدأ منسوب الأمل يتصاعد لدى سكان هذه المناطق في إمكانية حصولهم، ولو على جزء يسير، من ثروة مناطقهم ليستطيعوا من خلاله سد حاجة محافظاتهم في البنية التحية والتنمية التعليم والصحة، واُثيرت القضية على شكل احتجاجات ووقفات، وقضايا وصلت بعضها إلى الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني وطالب أصحابها بإدراجها ضمن القضايا المنظورة على طاولة الحوار كالقضية الماربية.
هذه التحركات أثارت حفيظة النافذين في المركز، وهناك شكوك في أن لهذه القوى النافذة التي تستحوذ على ملكية حقول النفط، وتستولي على أكبر قدر من حقوق المقاولات لدى الشركات العاملة في هذه المناطق، أن لهؤلاء يداً في تغذية هذه الصراعات، لشغل القبائل والسكان المحليين بقضايا القتال فيما بينهم وصرفهم عن المطالبة بحقوقهم.
هذه ليست معلومات مؤكدة بطبيعة الحال، ولكنها قريبة للحقيقة، لاسيما أن الصراعات قد اختفت زمناً طويلاً، وبدأت تطل برأسها بعد الثورة السلمية، وبعد الحديث عن حقوق هذه المحافظات في ثرواتها، وهو ما يضع أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي تقف خلف هذه الحروب الملتهبة، والمرشحة للتمدد في أكثر من مكان وبين أكثر من قبيلة.