مر اليمن في هذه المرحلة بفترة عصيبة من تاريخه المجيد، ربما تستدعي أن يتم تأجيل استخدام مصطلح "السعيد" لوصفه بها ولو مؤقتاً، وأنا لن استخدم مصطلحات بديلة لوصف اليمن بغير ذلك. فأنا كإماراتي لا أرضى لليمن إلا بأن يكون سعيداً، ولا أرضى لأهل اليمن سوى أن يعود اليمن إلى سابق عهده من سلام ووئام بين كافة مكوناته القبلية والاجتماعية والسياسية. اليمن يمر الآن بأزمة، وهي هذه المرة حقيقية ومخيفة وتستدعي عملاً يمنياً وخليجياً ودولياً مكثفاً لإخراجه منها، وهي إن تفاقمت فإن عواقبها وتداعياتها ليست في صالح اليمن أو في صالح المنطقة، لكن ليس لديّ شك بأن اليمن واليمنيين ومن ورائهم أشقاءهم في الخليج العربي قادرون على حلها بإذن الله.
في 22 مايو 1990 تم توحيد اليمن، لكن منذ ذلك الوقت وحتى الآن يتضح يوماً بعد يوم أن ترجمة ذلك إلى استقرار دائم يواجه صعوبات. وربما أن السبب في ذلك يعود إلى الاختلافات التي برزت لاحقاً حول ترتيبات تقاسم السلطة والثروة التي طفت على السطح بين القادة الجنوبيين السابقين وقادة الشمال، وألقت بظلالها على العديد من الفئات الشعبية في الجنوب مما ولد صراعاً عنيفاً تجلى في الحرب الأهلية التي اندلعت في 4 مايو 1993.
ونتيجة للحرب السابقة، لاحظنا كيف أن القوة العسكرية هي وحدها التي أبقت الوحدة، ورغم أن حكومة الوحدة التي مركزها صنعاء في الشمال، والتي انتصرت في الحرب تقول بأنها لم تدخر جهداً لإرضاء الجنوبيين وتهدئة الأوضاع في إقليمهم، فإن العامة في الجنوب سواء المنادية بالإصلاح أو بما هو أبعد من ذلك يقولون بأن لهم مطالب أساسية يريدون من حكومة الوحدة أن تحققها لهم. وربما أن السبب في ذلك يعود إلى أن الوحدة تمت بشكل سريع ولم تراع قبلها العديد من الاعتبارات التي كان يجب أن تدرس قبل الإقدام عليها، فهناك أمور جوهرية منها أنه خلال المائة وخمسين عاماً أو نيف التي مضت قبل إبرام الوحدة نما كل من شمال اليمن وجنوبه وتطور وفقاً لأنساق تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية مختلفة، فالشمال تطور وهو يحكم من قبل الإمامة الزيدية، في حين أن الجنوب سيطرت على مركزه في عدن بريطانيا واستمرت في حكمه مفككاً.
يُضاف إلى ذلك أن الجنوب كان منفتحاً على العالم الخارجي من خلال ميناء عدن الذي شكل واحداً من أهم موانئ الجزيرة العربية. ذلك الانفتاح كسر شوكة القبلية الحادة في الجنوب في مقابل أن القبلية بقيت هي النسق الاجتماعي الأهم، والارتباط الأوثق بين الإنسان ومحيطه في الشمال. وفوق كل هذا، وذاك يبقى الارتباط المذهبي في الشطرين عاملاً مهماً في تقبل البشر لبعضهم بعضاً، رغم أن الفكر المذهبي في الجنوب أقل حدة منه في الشمال. هذه الأنساق مستمرة في التنغيص على الوحدة اليمنية إلى جانب ما تعانيه البلاد من اقتصاد متدهور، وتململ سياسي في جميع المناطق، وتمرد "الحوثيين" في صعدة، وتفشي عناصر الإرهاب في مأرب والجنوب، والقات والمشاكل المرتبطة بتعاطيه، وتدفق اللاجئين الصوماليين غير المسيطر عليه، لكن الأمل معقود بأن يتمكن الإنسان اليمني من تجاوز هذه المحن، وأن يبقى اليمن سليماً معافى، وأن تقوده بوصلته إلى الطريق الصحيح، طريق العودة إلى اليمن السعيد. الاتحاد الإماراتية