[1] مصر ملهمة.. لكن يبدو أن بعض المفتونين بإلهامها التاريخي والثقافي والفني لا يصدقون دائما في افتتانهم المزعوم معها ومع أبنائها، ولذلك سكتوا وصمتوا؛ وهم يرون العسكر يذبحون المصريين بدم بارد؛ ظناً منهم أنهم يذبحون خصومهم الإسلاميين ومن ثم يفتحون لهم الباب للوصول للسلطة بعد إزاحة الإسلاميين في مصر وصولا إلى بلدان الربيع الأخرى!
على الطريقة العربية سيخرج أدعياء الحكمة في بلداننا ليقولوا تعليقاً على مذابح مصر: ألم نقل لكم، ألم نتنبأ لكم بحدوث كل هذا.. فلم تسمعوا الكلام وأصررتم على الاعتصامات والاحتجاجات، ونبذتم الحكمة، ورفضتم النصائح لترك الماضي والاهتمام بالمستقبل، ورئيس مخطوف ولا حد يموت!
ما سبق سيكون أهون مظاهر الشماتة فيما حدث للمعتصمين المصريين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وفي شوارع محافظات مصر يوم الأربعاء الأسود وجمعة الغضب الثانية.. أما الأسوأ والأكثر حقارة فسوف نعرفها في إعلام أحزاب جبهة الإنقاذ والإعلام المصري الرسمي والمؤيد له (وأشباههم المسخ في اليمن) الذي بلغ الدرك الأسفل من الانحطاط الأخلاقي والفجور السياسي؛ الذي وإن كان ليس غريباً عليه في ضوء التجربة الماضية؛ إلا أن استمرار تلك الممارسة اللا إنسانية مع أجواء القتل والموت الشامل المنقول على الهواء مباشرة لم يكن متوقعاً على الأقل من الحزبيين الناصريين والاشتراكيين والليبراليين المصريين الذين فشلوا في مقاومة رغباتهم الشيطانية في التشفي من خصومات ستين عاماً؛ رغم أنهم كانوا في معظمها هم الذين يقتلون ويسجنون وينتهكون حقوق الإنسان المصري!
[2] ليس فيما حدث جديد، الجديد فقط أنه جرى عياناً جهاراً، ونقلته وسائل الإعلام بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة فرأى العالم ما حدث بعيونه وليس عبر تقارير معلبة ومتأخرة زمنياً!
ولا جديد في تفاصيل المأساة إلا أنها تمت بنفس السيناريو المصري المعروف منذ ستين سنة؛ مع الاختلافات الضرورية بفعل الزمن: - الأكاذيب نفسها عن خزن السلاح والقنابل والأسلحة الثقيلة [صحيفة مصرية مفترية زعمت قبل المذبحة أن الأمن المصري رصد وجود صواريخ غراد في مدارس بجوار ميدان رابعة، وبالإضافة للعصفور المصري المطلوب تبرير قتله؛ فمن الواضح أن الحديث عن صواريخ غراد يستدعي فوراً اسم حركة حماس ويحملها مسؤولية المشاركة في المؤامرة على مصر المحروسة من خلال تهريب الصواريخ والسلاح عبر معبر رفح والأنفاق والبريد المستعجل والدي إتش إال!]، تراث الأكاذيب المصرية لم يكد يتغير وإن لم يستدع تهم التخطيط لتدمير القناطر الخيرية وقتل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ؛ لأن الأخيرين قد ماتا قبل قرابة أربعين عاماً (كان يمكن مثلا القول إن الإخوان خططوا لإخراج جثتهما وصلبهما)، وأما تهمة تدمير القناطر الخيرية فهي لا تصلح في زمننا هذا في ظل إعلام حر يتحدّى العسكر، ويفضح الحقيقة؛ كما أن الشعوب اليوم لم تعد كما كانت في الخمسينيات والستينيات تعيش معزولة في غيبوبة عميقة بعد أن زالت الغشاوة، وسقطت آلهة مصر المزورة المستبدة أمام الأعور الدجال اليهودي في ثلاث ساعات فقط عام 1967!
الأكاذيب القديمة نفسها تتردد، وتشارك فيها بحماس القوى التي تسمى نفسها ليبرالية مثل حزب الوفد الذي نشرت صحيفته صورة مصرية تقليدية للأسلحة والذخائر التي زعموا أنهم وجدوها في رابعة العدوية.. وكالعادة العربية الشهيرة (ذات المنشأ المصري) فالمضبوطات نظيفة وتلمع أمام كاميرات التصوير، ولأن تمرير الكذب إعلامياً شبه مستحيل في هذا الزمن فسرعان ما نشرت الصورة الأكذوبة وبجانبها الصورة الأصلية نقلا عن صحيفة المصري اليوم، التي سبق أن نشرتها منسوبة لحادث في السويس قبل فترة، وفي اليوم التالي للمذبحة صدرت بيانات جبهة الإنقاذ وعناوين الصحف تبشر بأن: مصر رفعت رأسها، وبثمن زهيد في ميزان كراهية الإسلاميين: آلاف القتلى والمصابين!
أعلم – وهو من حسن الحظ- أن أحداً لا يصدق إعلاماً عربياً رسمياً فضلاً عن أن يكون الإعلام المصري -أعزكم الله وأكرم عقولكم- لكن أن تشارك قوى سياسية وحزبية في هيصة التزوير بهذه الفجاجة والغباء فأمر لا يبرره أبداً حتى العلاقات الخاصة التي تربطها مع دوائر خليجية، ولا يبررها حتى كل ما قيل عن أخطاء سياسية وقعت، ولا يبررها تمثيليات ربع قرن وأكثر عن الحوار القومي الإسلامي، فضلاً عن أن يبررها خسارة فرصة الوصول إلى سدة الرئاسة.. كل ذلك لم يعد يصلح لتبرير كل هذه القذارات السياسية للناصريين والاشتراكيين والليبراليين المصريين الذين أكدوا أنهم عسكر أكثر من العسكر، وهم الذين حذّروا من التساهل مع الاعتصامات، وحرضوا على اقتحامها بالقوة وعلناً، وربّما كانوا هم الذين دفعوا إلى إشعال الموقف صباح أربعاء العار في مصر بعد أن كادت الوساطات تنجح في جمع الطرفين حول مشروع وسط للحل!
- الإعلان عن أعداد القتلى والضحايا تم أيضا بنفس الطريقة القديمة التي تقسطهم كل يوم قليلاً، قليلاً، حتى عار العرب المسمى خالد داوود رفض الاعتراف بها بحجة أن الإخوان تعودوا المبالغة في أعداد القتلى ثم يتضح بعدها عدم دقتها، واستشهد سفالته بما حدث في مذبحة المنصة عندما قيل –وفق زعمه- إن القتلى 200 ثم ظهر أنهم تسعون قتيلا فقط لا غير، قبّح الله وجهك، ووجه من علمك السياسة والإعلام، ومن ما يزال يظن أنك ثائر ضد الظلم والحكم الديكتاتوري من أجل الحداثة والليبرالية، يا عرة الرجال والمناضلين، تسعون مصرياً يقتلون بدم بارد وهم يصلون الفجر (لا يسكرون ولا يتعاطون البانجو) ولا يتحرك في جسدك عرق رجولة ولا أقول: عرق مصري أو عرق عربي، أو مشاعر إنسانية وتتحدث عنهم وكأنهم أغنام لقيت حتفها في حادث مفاجئ؟
[أثناء كتابة هذه الكلمات أعلن المدعو خالد داوود استقالته من منصبه كمتحدث رسمي لجبهة الإنقاذ احتجاجاً على سكوتها عن مذبحة رابعة والنهضة والمهم احتجاجاً على الحملة ضد زعيم حزبه: الدكتور البرادعي بعد استقالته، وهو موقف جيد يبرئه أمام القضاء مستقبلاً إن تبعه الإقرار بدوره في تزييف وعي الناس خلال الشهور الماضية، وسكوته عن مذبحتي دار الحرس الجمهوري وجسر أكتوبر!].
[3] لطخة العار في مصر تمتد إلى أدعياء الليبرالية والحداثة الذين لم يعتصموا بصمت الشيطان الأخرس، ورضوا لأنفسهم أن يتحالفوا مع مشيخات من خارج التاريخ، يحكمون شعوبهم كما كان يفعل سلاطين القرون الوسطى بل وأسوأ.. ويملكون هم وأولادهم ما تحت الأرض وما فوق الأرض وما يدب عليها ومع ذلك يصيبهم الغرور وهم يرون الأدعياء يركعون أمامهم!
وهناك الناصريون والاشتراكيون الذين سكتوا على إغلاق معبر رفح ومحاصرة غزة، ومنع الأساسيات الإنسانية عن الفلسطينيين من قبل العسكر الانقلابيين الذين كان من أول قراراتهم إعادة فتح السفارة السورية ومراجعة قرار قطع العلاقات مع دمشق.. واصطفوا مع جبهة رجال أعمال مبارك والحرامية وفسدة الانفتاح الاقتصادي الساداتي المباركي كراهية في مشتقات كلمة: إسلام!
يا عاركم دنيا وآخرة.. ويا سذاجة الإسلاميين عندما ظنوا أنكم تبتم عن عقيدة: (كلكم مسلمين أولاد كلب)..
[4] إحدى أشهر العبارات المتداولة في مصر هي: كل عام وأنت بخير، موسم بقى، والمواسم في مصر كثيرة لا تكاد تنتهي، وهي مبرر لأشياء كثيرة مثل رفع الأسعار، وفي مذابح العسكر الأخيرة أصرت حكومة العسكر على توصيف القتل الذي حدث بأنه: انتحار، وعرقلة إصدار شهادات الوفاة حتى يقر الأهالي بأن ذويهم المقتولين ماتوا: بخرطوشة أو انتحارا أو في حوادث عادية، ومع أن أعداد الشهداء كبيرة جدا (أكثر من ألفين وفقا لإحصاءات المعتصمين) إلا أن العسكر مصرون على أنها كلها حوادث انتحار:
- موسم بقى، كل عام و.. مصر بخير ورافعة رأسها.. وزمن العزة والكرامة إنتاج أيام زمان عاد من جديد!
[5] من الثمار الإيجابية العاجلة لثورة المصريين ضد سلطة الحكم العسكري أن البلاطجة وأصحاب السوابق شمّامي المخدرات دخلوا المساجد، بصرف النظر عن أنهم دخلوها غزاة وقتلة!
[6] ثبت بما لا يدع مجالاً للشك والوسوسة أن مواد الدستور عن الهوية الإسلامية والشريعة الإسلامية لم تمنع من اقتحام الجيش والأمن المصري للمساجد وإحراقها، وانتهاك حرماتها، وقتل الأحياء الموجودين فيها، والإجهاز على الجرحى، وإحراق جثت الموتى!
أليس هذا أكبر ضمانة لغير المسلمين من النصارى واليهود.. وللعلمانيين وأشباههم من الخائفين!