قدّرت السلطات اليمنية ضحايا السيول خلال أيام معدودة بأكثر من 50 يمنياً؛ غير من لقوا حتفهم غرقاً في الشواطئ أو السدود والحواجز المائية وصواعق رعدية؛ وكلها لا يمكن تحميل الطبيعة مسؤوليتها, في وقت كان الإعلان عن تعز منكوبة مائياً بالتزامن مع وقوع الحديدة منكوبة بيئياً جرّاء إغراقها بمياه الصرف الصحي والمخلّفات. أبرز كوارث السيول كانت تلك التي أودت بحياة أكثر من ثلثي الضحايا الذين قدّرتهم السلطات ووقعت في “وادي نخلة” الذي يمر عبر عدة مديريات من محافظتي تعز وإب ويصبُّ في البحر الأحمر، وكتبتُ عنه بهذه الصحيفة في مثل هذه الأيام من العام الماضي بعد زيارة لقريتي وكدت أن أقع وأطفالي ضحايا لواحدة من كوارثه التي لا تتوقف..!!. أعجز عن اتهام الطبيعة وكوارثها وتحميل المسؤولية عليها؛ فيما أبناء المنطقة وغيرها من المناطق التي يمر فيها “وادي نخلة” بُحّت أصواتهم وأصابهم اليأس وهم يطالبون الحكومات المتعاقبة بإنشاء جسور صغيرة بين ضفتي الوادي للتخفيف عن معاناتهم ومنع استمرار مآسيهم التي تخلّفها كوارث سيوله المتدفّقة أحياناً بصورة مفاجئة بعد هطول الأمطار في مناطق أخرى. ترحيل الضروريات والاحتياجات هو ما تتقنه السلطات ومسؤولوها بمختلف أحجام كروشهم وأطيافهم, قديماً وحديثاً, فبالرغم من الوعود القاطعة والمتكررة، ونشر وتسريب أخبار مشاريع الوهم وخطط لأحلام أجهضت ولم يتحقق منها شيء, وكل ما يستطيعون إنجازه هو حلول موقتة لا تُسمن من حاجة وجوع ولا تغني من معاناة ومأساة. الأمر لا يقتصر على جسور “وادي نخلة” المنشودة, فحتى تعز وهي تستغيث وتستنجد لأكثر من عقدين على أنغام فنانها الكبير أيوب طارش «مكانني ضمآن» لم تجد سوى الوعود والأوهام، فمشكلة معاناة مدينة تعز وما يشكوه سكانها من عطش برزت إلى السطح كقضية ملحّة منتصف تسعينيات القرن الماضي, واكتفت السلطات بحفر عدة آبار كحلول موقتة, وتوقفت عن التنفيذ وليس فقط البحث المباح عن حلول حقيقية وجذرية، وبعد حفر تلك الآبار تلاحقت الوعود الانتخابية، وتكرّر الحديث عن مشاريع وخطط بدت كالسراب ولم تجد طريقها إلى التحقُّق؛ فيما استمرت المعاناة وتضاعفت المأساة واتخذت منحى خطيراً ليفاجئنا صديقي العزيز الأستاذ عبدالسلام رزاز، وزير المياه والبيئة بإعلانه قبل أيام أن تعز مدينة «منكوبة مائياً» والأولى عالمياً..!!. صنعاء العاصمة هي الأخرى تعاني مشكلة مائية مماثلة وإن لم تصل بعد إلى مستوى مشكلة تعز, لكنها ستكون أفدح إن لم يتم تداركها, في ظل تزايد عدد سكانها والاستنزاف الجائر لمياه حوض صنعاء الجوفية وخاصة لأغراض زراعة شجرة «القات». أتذكّر تحذيرات وتنبيهات المهندس محمد ابراهيم الحمدي حينما كان وكيلاً لوزارة المياه قبل سنوات عمّا يواجهه حوض صنعاء من تهديد واستنزاف؛ ولم يُهتم له حتى وصل إلى حالة يأس، واختار العمل مع منظمة دولية خارج وطنه. مشكلة مدينة الحديدة بدت مختلفة عن صنعاءوتعز نوعاً ما, لكنها تشاركهما فيها, فقد غرقت في بحرٍ من مياه الصرف الصحي بصورة لم تهدّد فقط السياحة المفترضة إليها خلال إجازة عيد الفطر والصيف عموماً, ولكنها تهدّدها بيئياً. غير أن مياه المجاري والصرف الصحي تطفح في عدد من شوارع صنعاءوتعز ومدن أخرى لأسباب عدة أهمها سوء تنفيذ مشاريع رُصدت لها ملايين الدولارات؛ وتصدّرت لتنفيذها شركات تتبع «نافذين» ولم تكن تلتزم بأدنى المعايير والمواصفات, وسرعان ما انكشف الخلل والغش والخداع؛ لتستمر الحكاية في وطن عجز حكّامه ليس فقط في توفير شربة ماء عذبة لأبنائه, بل أيضاً تصريف مخلّفاتهم بصورة طبيعية..!!. ألم يكن أهم لمدينة الحديدة أن تُصرف مليارات الاحتفال بالعيد الوطني 22 مايو فيها لتوفير شبكة صرف صحي لا تخلّف كارثة بيئية التي تعانيها حالياً بدلاً عن صرفها فيما لم ينفع الناس؟!. وكذلك تعز, كان الأهم إيجاد حلول جذرية لمشكلة المياه وإنشاء جسور وطرق وقنوات لتصريف مياه الأمطار تخفّف من كوارث الطبيعة كما يحدث في كل بلاد العالم.