يتطلع الرئيس هادي إلى إنجاز وطني كبير من خلال نجاح أعمال مؤتمر الحوار الوطني، والولوج باليمن إلى مرحلة تأسيسية في ظل دولة اتحادية فيدرالية تلتزم النهج الديمقراطي والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة. وعندما اتعقدت الجلسة النصفية للمؤتمر، واختتمت أعمالها ببيان توافقي، كان من الواضح أن هادي على طريق تحقيق النجاح المنشود، خاصة وأن الوضع الإيجابي انعكس لاحقاً على مسار الفرق الثلاث التي كانت متعثرة نوعاً ما، وهي "القضية الجنوبية، قضية صعدة، بناء الدولة"، حيث شهدت أعمال هذه الفرق تطوراً ملحوظاً في الأيام الأخيرة من الجلسات الرمضانية.
ورغم الجدل حول مرجعية التشريع للدولة المدنية، إلا أن فريق صعدة كان يمشي بنجاح مضطرد، من خلال توافق أعضائه على الحلول والمعالجات لقضية صعدة، في الوقت الذي كانت المكونات السياسية تطرح رؤيتها للقضية الجنوبية ولشكل الدولة، وباتت الدولة الاتحادية الفيدرالية مدرجة في رؤى أغلب المكونات والأحزاب السياسية.
سادت المؤتمر قبيل إجازة رمضان أجواء من الارتياح، وكان النقاش ينصب داخل وخارج أروقة المؤتمر، حول الأقاليم المقترحة، وآلية إدارة الفترة الانتقالية الثانية. وجاءت زيارة هادي إلى السعودية وأمريكا وقطر، في اتجاه البحث عن تأييد ودعم خارجي لمخرجات مؤتمر الحوار المرتقبة، وقد قيل – ضمناً على الأقل- أن هادي نجح في مسعاه بشكل كبير.
ما الذي حدث إذاً، ففرض على أعضاء الحراك الجنوبي التغيب عن جلسات المؤتمر منذ استئناف أعماله الثلاثاء الماضي، و لماذا لم يتمكن الرئيس من إقناعهم بالعودة بعد أسبوع من المشاورات؟
تساؤلات قد لا يتسع الحيز للخوض في محاولة للإجابة عنها، خاصة وأن الأطراف المعنية تتكتم حول حقيقة الخلاف الجنوبي- الجنوبي بشأن الحوار وحلول القضية الجنوبية.
ربما يصح التساؤل إن كانت الوثيقة المسربة بخط الدكتور الإرياني هي السبب الحقيقي لتغيب أعضاء الحراك؟ وربما يصح التساؤل أيضاً، إن كان بإمكان الحراك إقناع الشارع الجنوبي بأية معالجات للقضية الجنوبية في إطار مؤتمر الحوار، خاصة وأن القوى الحراكية الممثلة في المؤتمر، لا يمكنها الادعاء أنها تمثل كافة الطيف الجنوبي؟
وثمة من يتهم أن للرئيس هادي رغبة في إرباك مؤتمر الحوار، حتى تنضج خيارات الحلول المطروحة على كافة الأطراف، خاصة وان الحراك يتهم بدوره الأربعة الأحزاب الرئيسة (المؤتمر، الإصلاح، الاشتراكي، الناصري) بالضلوع فيما يسمونه بالمؤامرة على القضية الجنوبية.
على أن أغرب ما سمعته أن ثمة شخصيات قيادية في الحراك تحاول ابتزاز هادي وتطالبه بمنحها حقوقاً وامتيازات في النفط، على غرار ما تتمتع به بعض الشخصيات النافذة في الشمال، وهذا يعني أن النفط سيكون في مقابل نجاح الحوار.
لا يمكن الجزم بما يأتي عبر التسريبات، غير أنه كان من الأولى على أعضاء مؤتمر الحوار عن الحراك الجنوبي أن يعقدوا مؤتمراً صحفيا يضعون فيه النقاط على الحروف، وحتى لا تذهب بنا الظنون إلى اتجاهات قد تجافي الحقيقة.
هذا الأمر مطلوب أيضاً من رئاسة مؤتمر الحوار، ومن لجنة التوفيق، فقد حصحص الحوار، وباتت القوى جميعها على المحك، فإما تنازلات كبيرة ومؤلمة من أجل المستقبل، وإلا فإن الأمور قد تقود إلى فشل الحوار والتسوية، وإلى مأزق جديد، نأمل أن نتجنبه جميعاً، وما مصر عنا ببعيد!