تتفاعل قضية زواج الطفلة روان، ذات الثماني سنوات لتثير جدلاً واسعاً، خاصةً مع اتساع نطاق الاهتمام بالقضية التي تعدت إطارها المحلي الضيق إلى الأوسع، لتغدو أقرب لقضية رأي عام، بل إنها غدت محل اهتمام دولي بعد أن تطرّقت إليها هيئات ومنظمات دولية، كالمفوضية العليا للاتحاد الأوروبي، وهيومن رايتس ووتش. غير أن المفارقة تتجلّى في رؤية وتعامل السلطات مع الحادثة، إذ انضم محافظ حجة علي القيسي إلى مدير شرطة حرض في نفي الحادثة، ويشترك الطرفان، في الحديث عن توثيق الطفلة برفقة والدها، فيما كان مدير شرطة حرض نفى الحادثة انطلاقاً من عدم وجود بلاغ لديها في مجتمع يعيش وضعاً بدائياً، يفتقر لأدوات ووسائل الدفاعية تماماً كما أبسط الخدمات الأساسية.
المنزل مغلق والجيران يؤكدون: والدها مختفٍ في حرض ووالدتها غادرت إلى صنعاء تنفي سلطات الأمن كلياً علمها بما يتفاعل في الشارع، حول وفاة طفلة متأثرة بنزيف حاد اقتضى تدخلاً جراحياً عاجلاً، لم يتأت لحظتها، ونجم ذلك عن دخول رجل أربعيني بها بعد الزواج، قبل أكثر من أسبوعين.
وأمس أعلن محافظ حجة عمّا اعتبرها مفاجأة، إذ أكد أن لجنة محلية «تمكّنت بالفعل من الوصول إلى أسرة الطفلة، فكانت المفاجأة (..)، الطفلة روان محمد عبده هتان ما زالت على قيد الحياة، وتنعم بالحياة الطبيعية في كنف أسرتها التي نفت بدورها تلك الحادثة جُملة وتفصيلا».
لكن المشكلة، بالنسبة للمحافظ تبدو متعلقة بقضية الوفاة لا أكثر، وليس بموضوع زواج الصغيرات من حيث الأساس، إذ عاد ليؤكد أن الطفلة "تتواجد حالياً بمركز الحماية الاجتماعية بحرض بعد إجراء الفحوصات الجسدية والنفسية لها في مستشفى حرض العام"، داعياً وسائل الإعلام الرسمية والأهلية والمنظمات الحقوقية إلى التأكد من سلامتها.
لكن منزل أسرة الطفلة، الذي زاره «المصدر أونلاين» وسط مدينة ميدي، كان مغلقاً، وجيران الأسرة يؤكدون زواجها، واختفاءها وأسرتها، يردون على المحافظ وإدارة الأمن بالقول «إن كانت على قيد الحياة فدعونا نراها».
طفلتان لا طفلة مشاعل وروان.. تزوجتا بشرط وفي ظل الغموض الذي يكتنف القضية، غادر مراسل «المصدر أونلاين» إلى حرض وميدي لتقصِّي خيوط الواقعة، خصوصاً بعد أن تلقى الموقع نفياً قاطعاً من مدير شرطة حرض ينفي علمه بالحادثة، ويؤكد وصول والد الطفلة برفقتها إلى القسم وتوثيق ذلك، لكنّه في النفي ذاته أكد أن أجهزة الأمن مستمرة في التحرِّي حول صحة المعلومات، التي وصفها ب«الشائعات».
للأسرة طفلتان: روان تزوجت في الثامنة.. ومشاعل في العاشرة لكن زوجها لم يدخل بها ووالد الطفلة محمد عبده أبكر هتان تزوج أمها (خ) في سجن حرض؛ نظراً لوضعه المادي الصعب قبل قُرابة 12 عاماً، وأنجبا طفلتين مشاعل وروان، ويعيش فقراً مدقعاً، إذ يعمل هو وأطفاله بجمع العلب البلاستيكية الفارغة من الشوارع وبيعها.
وتزوجت الطفلة الأولى (مشاعل)، وفقاً للمعلومات التي حصل عليها «المصدر أونلاين»، قبل عام تقريباً من شخصٍ يُدعى «ع. س. ر» دون العاشرة من عُمرها، وتسكن منطقة ميدي حتى هذه اللحظة، لكن المصادر التي تحقق منها «المصدر أونلاين» أكدت أن زوجها التزم بعدم الدخول بها حتى اليوم رغم أنها تسكن معه.
وقبل بضعة أيام تزوجت روان (8 أعوم) من شخص أربعيني يُدعى مقبول احمد هتان، ويرتبط بصلة قرابة بوالدها، ويتردد أنه دفع لوالدها مبلغاً لا يتجاوز 7 آلاف ريال سعودي.
يتداول البعض أن والدي الطفلة اشترطا على الزوج عدم الدخول بها حتى تصل سن البلوغ؛ وهو الشرط الذي لم يتم الوفاء به، كما حصل سابقاً مع شقيقتها، التي حالفها حظ الحياة بزواجها برجل تقول المعلومات إنه يحترم التزاماته لأسرته بعدم الدخول بها حتى سن البلوغ، وتنام في غرفة والدته بعيداً عنه.
لكن «روان» انتقلت مع عريسها إلى أحد فنادق حرض، حيث أمضيا ليلة الدخلة الأليمة، وفقاً للأهالي الذين رووا القصة.
الأسرة اشترطت في زواج الطفلتين عدم الدخول بهما حتى سن البلوغ لكن الأخير لم يلتزم فقدان أثر روان، ومغادرة والديها بعد الزواج وفقاً للروايات المتداولة، أصيبت «روان» بتمزّق في أنسجة الرحم بسبب الدخلة المبكّرة، ويبدو أن التدخل الجراحي لم يكن متوفراً في التوقيت المناسب، وبالكفاءة اللازمة لإنقاذ حياة الطفلة، أغلب الروايات تتحدّث أنها فارقت الحياة متأثرة بجراح طفولتها المنتهكة.
يؤكد الأهالي، الذين التقاهم «المصدر أونلاين»، أن هناك محاولات للتعتيم على القضية ودفنها، والتستر على المتسببين فيها، إذ غادر الوالدان منزلهما المتواضع وسط مدينة ميدي، إلى أماكن غير محددة على وجه الدّقة، لكن بعض الأهالي يرجّحون مغادرة الأم إلى صنعاء، والأب يتواجد في مكانٍ ما في حرض.
وزار «المصدر أونلاين» ميدي، والتقى عدداً من جيران ورفقة طفولة «روان» للوقوف على حقيقة ما جرى لها، واستقرأ الموقع روايتهم للقصة، ليخرج بما يشبه الإجماع حول وفاة الطفلة.
يتساءل الأطفال عن «روان»، وإمكانية عودتها، وبينهم رفيقتها «عزيزة»، وهي طفلة في سنها، كانت تحدق في بيت روان وتقول: «كان يتركوها تلعب معنا لما تكبر ويزوجوها».
في العيد كانت روان ترتدي ملابس جميلة وتعلق هاتفاً في صدرها وتقول إنه من خطيبها نظرت الطفلة عزيزة إلينا بحزن عميق فسألتها: «ما اسمك؟» أجابت: «عزيزة جابر محمد حسين جماعي، وأدرس في صف خامس في مدرسة أسماء». سألت: هل تعرفين روان؟ ردت: نعم. سألت: أين روان؟ أجابت: تزوجت وماتت. سألت: هل روان أكبر منك؟ وهل تلعب معك؟ قالت: هي مثلي (في العمر)، وكانت تلعب هنا دائماً؛ كانت تأتي عندنا وتأكل في بيتنا وكنا نحبها كثيراً.
كان حديث عزيزة مؤلماً لكل المتواجدين الذين كان التحفظ هو سمتهم، لكن تلك الجرأة من الطفلة في الحديث جعلت وليد شيحين يتحدث قائلاً: «يا أخي هؤلاء بلا رحمة، زوجوها طفلة.. يا أخي آكل حجر ولا أعمل مثل هذا العمل الإجرامي..».
استفسرنا وليد: «ما هي معلوماتك؟ أين روان الآن؟» فرد: «اختفت، وكل المعلومات تشير إلى أنها توفيت يوم عرسها، وإذا كان هي لازالت بخير ليش ما تظهر وتعود إلى بيتها؟ ولماذا هربت أمها إلى صنعاء؟».
الجيران يشهدون.. ويتهمون الأمن يعتب جيران أسرة روان، ومعارفها، على سلبية الجهات الأمنية وعدم قيامها بدورها، إذ لم تكلّف نفسها عناء البحث عن حقيقة الحادثة، غير أن آخرين ذهبوا لما هو أبعد من ذلك، متهمين الأمن بمحاولة تمييع القضية نظراً لضغوط مُورست عليهم.
الأهالي يتهمون الأمن بالتواطؤ ويطالبونه بتأكيد مصير الطفلة: نريد أن نراها يقول محمد حسن جعيدي، وهو أحد جيران الطفلة: «روان جارتي، وكانت تلعب مع الأطفال في حيِّنا؛ وقاموا بتزويجها بالفعل، كما تزوجت أختها مشاعل دون سن البلوغ، حيث روان زوجوها وعمرها 8 (سنوات) ومشاعل 12 (عاماً)؛ لكن روان نقلها زوجها السعودي مقبول إلى حرض دون أن تُقام مراسيم الفرح، ودخل عليها في أحد فنادق حرض، وتمزّق رحمها ونقلها إلى مستشفى السلام بحرض بسبب النزيف الحاد، ولكونها كانت تحتاج إلى تدخل جراحي تُوفت وتم إخفاء الجثة، وهربت أم روان إلى صنعاء، بينما والدها لم يتم العثور إليه».
وعبّر الناشط الحقوقي يحيى كُديش عن استيائه لما وصفه ب«أسوأ أشكال العنف والإجرام بحق الطفلة روان»؛ ودعا جميع منظمات حقوق الإنسان، والمعنية بقضايا الطفولة، إلى سرعة العمل على التعاون مع الحقوقيين والإعلاميين والوقوف جنباً إلى جنب معهم حتى يتم تقديم المتورطين في قتل الطفلة روان وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل.
وطالب بتشكيل لجنة لمتابعة القضية، وتوفير الحماية اللازمة لها لتتمكن من تقصِّي الحقيقة دون مخاوف، كون القضية إنسانية وحقوقية بالدرجة الأولى.
وأضاف: «قضية الطفلة روان ليست قصة خيالية مثلما يقول أمن حرض؛ هي بالفعل قصة حقيقة حدثت، فالكل يعرف بزواج روان على السعودي، وقبلها زواج أختها مشاعل على شخص آخر في ميدي، وشرطوا عليه عدم الاقتراب منها، وبالفعل التزم بذلك، غير أن زوج روان لم يلتزم».
وتحدث ل«المصدر أونلاين» مدير الأشغال في مديرية ميدي، الشيخ رجب أحمد محجب، معبراً عن أسفه لزواج الطفلة روان بهذا السن، مشيراً إلى أنها -كما يعرفها الجميع- طفلة بريئة لا تتجاوز 8 سنوات؛ وقد ارتكبت بحقها جريمة بشعة لتزويجها رجلاً كبير السن، بل إنه أكبر من أبيها، وقد أسعفت المسكينة لأحد مستشفيات مدينة حرض لتلقى حتفها هناك.
«ع.ا.ص»، طلب التحدّث كمواطن دون نشر اسمه، وقال: «أعرف الطفلة روان معرفة تامة، حيث كانت تلعب وتأكل مع أطفالي كل يوم داخل منزلي؛ عمرها 8 سنوات، وتدعى روان محمد عبده هتان، وأذكر أنها جاءت ذات مرة صباح يوم العيد الأخير (عيد الفطر)، وكانت ترتدي ملابس جميلة، وكانت تعلق تلفوناً محمولاً على صدرها، فسألها أطفالي: «من أين لكِ هذا التلفون وأبوك ضابح (فقير)؟ أجابت بأن خطيبها هو من اشترى هذا التلفون..».
محافظ حجة يطالب الصحافة بالاعتذار ويؤكد: روان تنعم بحياة طبيعية مع أسرتها وأضاف: «الزوج أولاده أثرياء، ومعروفون للجميع، وأنت تعرف بأن حرض تُعاني انفلاتاً أمنياً غير مسبوق؛ وإذا كانت روايتهم صحيحة أن روان لم تمت وأنها موجودة عندهم في الأمن، فأنا أعرفها تمام المعرفة، كما أعرف أطفالي، وبإمكاننا الذهاب إليهم بمعية أطفالي للتعرف عليها».
يشير المتحدث أيضاً أن لروان أختاً أخرى (مشاعل)، قام أبوها بتزويجها على شخص من المنطقة، وشرط عليه عدم الدخول بها، وبالفعل التزم الشخص بذلك، ولم يدخل بها، وهي تنام عند أمه.
وبدا الأسى على أحمد علي زيلع، وهو سائق دراجة نارية، وهو يقول: «والله حرام عليهم يعملوا كذا، طفلة زوجوها وموتوها، سمعناها تقول خطيبها اشترى لها جوالاً كان الأطفال يضحكوا عليها من هذا الكلام».. ويضيف: «اختفت روان وماتت، ولو يقولوا غير هذا الكلام يرجعوا روان لعندنا».
وأكد كل من نسيم محمد إبراهيم (سائق دراجة نارية) وأحمد محمد هادي علان في حديثهم أن الطفلة روان توفت بعد زواجها من كهل، وأن أمها هربت إلى صنعاء، وأن أباها موجود في حرض.
روان.. زواج مؤكد ومصير غامض حتى يوم السبت، واصل «المصدر أونلاين»، عبر مراسله ومصادره، محاولات اقتفاء أثر الحقيقة؛ هل «توفيت الطفلة روان أم أنها لا تزال على قيد الحياة؟!»
رغم تأكيدات جيران الطفلة، والمعلومات التي تم التوصل إليها، إلا أنه لا زال من الصعوبة بمكان الجزم بأيٍّ من الاحتمالين، رغم أن الشواهد تتضافر مع بعضها، مرجحة الاحتمال الأكثر مأساوية: «أن الطفلة روان توفيت متأثرة بتبعات زواج مبكِّر».
أهالي ووجهاء وناشطون وتربويون وأطفال كانوا يلعبون برفقة روان؛ يتمنون عودتها إليهم؛ كونهم لم يألفوا غيابها، جميعهم يشتركون في الأمنية ذاتها، أن تكون الطفلة روان على قيد الحياة، لكنهم يبدون في يأسٍ هو أقرب إلى الأمل من احتمال كهذا.