دانيا جرينفيلد في الوقت الذي تركز جل اهتمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع حول إيران والوضع السوري، فان أصدقاء اليمن سوف يعقدون اجتماعهم الوزاري السادس على هامش أعمال الجمعية العامة.
سيمثل هذه الاجتماع فرصة للحكومة اليمنية لمساءلة المانحين عن التزاماتهم المالية كما سيمثل فرصة للمانحين لمساءلة الحكومة عن الإصلاحات التي تعهدت بها.
من السهل أن نغفل اليمن وسط ضجة تصافح محتمل بين الرئيس الإيراني والأمريكي لكن البلاد تمر بلحظة انتقالية حاسمة تستدعي الاهتمام الدائم من قبل الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي.
ينبغي على حلفاء وأصدقاء اليمن أن يستغلوا هذه الفرصة كي يفكروا بشكل استراتيجي ومبدع حول الخطوات القادمة في العملية الانتقالية في اليمن وصياغة سياسات مستدامة وطويلة المدى تساعد اليمنيين في تحقيق تطلعاتهم التي خرجوا من أجلها في 2011. وكذلك خلق فرص اقتصادية أكبر، وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية ووضع حد للفساد المستشري في البلاد.
وتوشك اليمن أن تنهي مؤتمر الحوار الوطني في الأسابيع القادمة بعد أن تم تأخيره قليلاً عن موعده الافتراضي للانتهاء في 18 سبتمبر. ويتوج هذا المؤتمر شهوراً من العمل الجاد من أجل حلحلة أكبر القضايا المثيرة للجدل من قبل 565 عضوا يمثلون مختلف ألوان طيف الحياة السياسية اليمنية. حيث عزز هذا الحوار بيئة لنقاشات حادة وتكاملا بين صوت المرأة والشباب، كما انه قلب وضع المشيخيات التي اعتادت دائما أن يكون لها اليد العليا في كل شيء.
وفي الوقت الذي عزلت فيه العسكر قيادتهم في مصر ويواصل نظام الأسد مذابحه العنصرية ضد المدنيين في سوريا، فان التقدم الذي تحرزه اليمن ببطء وبخطى ثابتة لإنجاز عملية انتقالية حوارية سلمية هو أمر جدير بالاهتمام.
وفي نفس الوقت، فإن انتهاء الحوار الوطني ينبغي ألا يشكل فرصة سانحة للمجتمع الدولي ليهنئ نفسه وينهي مهمته وينتقل إلى أزمة أخرى، فالعمل الحقيقي والجاد للحوار لم يأتِ بعد. فترجمة القرارات المنبثقة عن اللجان التسع في الحوار إلى سياسات ملموسة وتغيير في التشريعات وإصلاحات إدارية وصياغة دستور جديد كل هذا سوف يتطلب جهدا جبارا. وعلية فان ترك الحكومة الانتقالية بالياتها الخاصة جعلها في موضع من غير المحتمل أن تحرز فيه تقدما كبيرا. وفي هذه الحالة يغدو انخراط الولاياتالمتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة وبقية الداعمين الدوليين أمرا في غاية الأهمية. بالرغم من المبادرة الخليجية كانت قد مهدت الطريق لرحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح وفتحت مبدأ الشراكة في السلطة بين الأحزاب السياسية الرئيسية، إلا أنها (المبادرة) قدمت القليل جدا فيما يتعلق بتغيير الديناميكيات الرئيسية في السلطة كما لم تغير الكثير من تركيبة النخبة السياسية في مواقع صناعة القرار. لقد تم تصميم مؤتمر الحوار الوطني من أجل شراكة المجموعات والمهمشة والأصوات الجديدة في العملية السياسية، إلا انه ما لم تستمر الجهود الملموسة للحفاظ على شراكة هؤلاء فإنه من المحتمل جدا أن يتغير الوضع الراهن بسبب حضور أصحاب النفوذ الذين يناهضون أي تغيير قد يضر بمصالحهم المكتسبة.
لابد من ملاحظة ومباركة التقدم الذي تحرزه اليمن إلا أن التصريح الأخير لمبعوث الاممالمتحدة إلى اليمن جمال بنعمر بان 90% من الحوار لوطني قد تم انجازه يحمل مبالغة كبيرة. فنهاية مؤتمر الحوار لا تزال متوقفة على اتفاق لجنة القضية الجنوبية والإجماع حول الشكل المحدد للدولة القادمة هل اتحادية بإقليمين أم نظام فدرالي بعدة أقاليم. حيث تعتبر هذه أهم قضية على المحك وتواجه صعوبة كبيرة في حشد الإجماع. هنا يتدخل صالح في هذه المفاوضات ويقوم الحزب الحاكم سابقا الذي يقوده صالح برفض تقديم أي مساندة للتقرير النهائي. من المحتمل أن تتوصل لجنة التوفيق إلى شبه اتفاق إلا أن المخاوف الكبيرة هي من أن الغالبية العظمى للشعب الجنوبي لا تزال ترفض كل هذه المقدمات والقرارات المتعلقة بها في هذا الحوار.
ففي حال انتهى الحوار الوطني وانتقلت البلاد نحو عملية صياغة الدستور وإجراء الانتخابات وسط معارضة قطاع كبير من الجنوبيين، فأين يضع هذا الأمر البلاد وأٌفق الاستقرار فيها؟ وعندما تم طرح هذا التساؤل. اعترف الدبلوماسيون والمشاركون الدوليون في الحوار بان هذا يشكل هاجس حقيقا، لكنهم في نفس الوقت يقللون من حجم هذا الرفض والصراع أو تجدد أي صراع. وبالنسبة للبعض فان إنهاء مؤتمر الحوار هو هدف وغاية بحد ذاته بغض النظر عن وسائل وطرق هذا الإنهاء التي ينبغي أن تشكل وتصبغ إجماعا وطنيا حول مستقبل البلاد. فبدون قبول الغالبية العظمى من الجنوبيين من السهولة بمكان أن تتبدد كل انجازات هذا الحوار. ومن اجل الاستفادة من أي انجازات ومكاسب فإنه على الحكومة أن تتحرك بشكل سريع لتنفيذ مطالب لجنة القضية الجنوبية بإعادة المسرحين من الجيش، وصرف معاشات التقاعد وتعويض الجنوبيين عن أراضيهم وممتلكاتهم المصادرة لأنه من شان هذا أن يعيد بعض الثقة بالحكومة الحالية والعملية السياسية.
من جانبه، وهذا يضاف إلى رصيده، بداء الرئيس عبدربه منصور هادي ببعض هذه العمليات إلا أن التنفيذ يحتاج إلى أن يكون أكثر فعالية وواسع النطاق إذا ما أريد الخروج بالنتيجة المرغوبة. قدر كبير جدا من الوقت تم إهداره لتجسيد هذه الجهود على الأرض لكن الى الآن لم يتم تقديم الكثير لكسب قلوب غالبية الجنوبيين.
وعلية فإن على أصدقاء اليمن الاستمرار في ممارسة الضغط وتقديم العون لمساعدة الحكومة اليمنية لإحداث تغيرات ملموسة.
إن انهاء الحوار الرسمي هو مجرد بداية لمجموعة جهود حثيثة يجب أن تترجم نتائج وحلول هذا الحوار في بقية ارجاء البلاد. وهذا هو الحيز الذي يحتاج فيه المجتمع الدولي ان يبقى منخرطا يقدم الدعم المادي المستمر من أجل أطلاق نقاشات في كل ارجاء البلاد حول ما اقترحته واتفقت عليه اللجان في مؤتمر الحوار. لان خارج نطاق «جمهورية موفمبيك» الذي يجري فيه الحوار عدد قليل جدا من اليمنين خارج العاصمة يعلمون الكثير مما يجري وعلاقته بهم.
وبالرغم من أهميتها فإن العملية السياسية التي بددت اهتمام الحكومة فمجلس الوزراء والنخب السياسية في صنعاء لم تقدم إلا الفتات فيما يتعلق بتحسين الظروف اليومية لليمنيين العاديين في البلاد التي يعاني حوالي 50% من سكانها من انعدام الامن الغذائي وتتجاوز فيها البطالة بين الشباب 40%. حيث أكبر تحدٍ يواجه اليمن هو كيفية الدفع بعجلة التنمية والنمو الاقتصادي بغرض إيجاد فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة لملايين من اليمنيين لازالوا يكافحون من أجل الايفاء بحاجاتهم اليومية. فالأمم المتحدة كانت قد أطلقت نداءً عاجلا لمساعدات انسانية إضافية، وحتى ان اعتمد المانحون مصادر اضافية فهذا ليس أكثر من مجرد آلية ايقاف الفجوة القائمة لكنه لا يعالج الاحتياجات الاقتصادية للسكان على المدى الطويل.
يشكل اجتماع اصدقاء اليمن فرصة للحكومة لمساءلة المانحين عن تعهداتهم المالية وكذلك فرصة للمانحين لمساءلة الحكومة اليمينة عن وعودها الاصلاحية اثناء الاجتماع في نيويورك الاربعاء. حيث كان من المقرر ان تطرح الحكومة اليمنية اربع اوراق عمل تسرد تفاصيل التقدم في العملية السياسية، الوضع الاقتصادي وهيكلة الجيش. حيث ستلاحظ الورقة الاقتصادية الى أي مدى تم الايفاء بتعهدات مؤتمرات المانحين السابقة وكذلك حجم تقدم الاصلاحات الاقتصادية في اليمن. فمن حوالي 8 مليار دولار امريكي التي تعهد بها المانحون الدوليون، فقط 1.8 مليار دولار هو ما تم تحويله الى الان، ومليار دولار هي التي أودعتها المملكة العربية السعودية في البنك المركزي. على دول الخليج التي لم تفي بالتزاماتها ان تفي بذلك وكما تحتاج الحكومة اليمنية ان تتحمل مسؤولياتها الى نهاية الصفقة. وبالتالي فان تأخير مشروع انشاء مكتب تنفيذي لتسريع والتركيز على تنفيذ المبادرة، وكذلك الصراع الداخلي بين الوزرات المختلفة وانعدام الارادة السياسية للقيام بإصلاحات مالية وبنيوية ضرورية ربما أن قدرة الحكومة اليمنية قد تبددت نتيجة للعمليات اليومية والحوار الوطني الا اتها تجاهلت المضي قدما في تنفيذ سياسة اقتصادية البلد بحاجة ماسة لها.
يرغب المانحون الدوليون في التركيز على عملية المخرجات مثل صياغة الدستور والتحضير للانتخابات، فهذه مساعي هامة. وهي الجهود التي يكون فيها الدعم الدولي ضروري ومرحب به. كما لابد وان يكونوا حذرين من تركيز جل اهتمامهم ومصادرهم على المبادرات التي في صنعاء. وبالرغم من المناورة السياسية المتواصلة، إلا انه يتوجب على الحكومة اليمنية ان تتحرك بشكل جاد لمعالجة التحديات التي تقوض فرص العيش لمعظم اليمنيين، مثل صعوبة الحصول على الغذاء ومياه الشرب، والكهرباء والوقود والخدمات الصحية. ولذلك فانه بدون احراز أي تقدم على الجبهة الاقتصادية كأولوية، فإن عملية الانتقال الديمقراطي تواجهه مخاطر سترف مسارها وتواجه قيادتها مخاطر فقدان المصداقية وهو ما قد يفضي الى تجدد الصراع في عدة مسارات خاطئة. إلى حد الآن لازالت عملية اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة قيد التأخير بسبب عدم وضوح الحالة السياسية، إلا انه لا يمكن للوضع الراهن أن يستمر في حال أرادت الدولة أن تخرج من حالة شبه الانهيار الدائم للبلاد.
- نٌشر هذا التقرير في مجلة الشؤون الخارجية الامريكية (فورين بوليسي). الأربعاء 25 سبتمبر2013. - كاتبة التقرير: دانيا جرينفيلد.. نائبة مدير مركز رفيق الحريري في الشرق الأوسط في المجلس الاطلنطي والذي تدير فيه مجموعة السياسات اليمنية.