من باب الدعابة الحزينة، كتبت ذات مرة، أن اليمنيين أكثر الشعوب الإسلامية زهداً في أمور الدنيا؛ ذلك أنهم يدركون جيداً أنها حياة زائلة؛ وبالتالي يخربون بأيديهم كل مشاريع حياتهم الأساسية البسيطة، قبل أن يلتفتوا طبعاً، لمنجزات الرفاهية التي لم ولن تصلهم قط. أتذكر أن تلك الحالة الفيسبوكية التي نشرتها قبل أسابيع، أثارت بعض الجدل الساخر والحزين؛ ربما لأنني نشرتها آنذاك وأنا أعيش حزناً عميقاً جراء الأنشطة التخريبية التي تظلم طريقنا كلما أبصرناه. غير مرة، أفكر في عمل شيء يوقف وهماُ، بعض الخراب المحروس بالخيبات. وفي كل مرة، أجدتني متورطاً كما كل اليمنيين، في نهش جسد هذا البلد الذي سلّمه الأخيار للأشرار، ويتسابق فيه الأخيرون على الإفساد الوطني العام.
غير مرة، يتأكد لي وغيري، أننا نحن اليمنيون غير كل شعوب العالم؛ إذ لا يرتاح لنا بال إلا إذا خرّبنا بأيدينا كل شيء؛ نفسد في أرضنا ورؤوسنا مرفوعة؛ نسفك دماء بعضنا وضمائرنا مرتاحة؛ نقنص الطائرات ونبتسم؛ نفجر أنانيب النفط ونضع شروطنا التعجيزية؛ نعتدي على أبراج الكهرباء ونظهر على الفضائيات والصحف لنصرح بمطالبنا المضحكة؛ نهرب الديزل؛ نبيع الآثار؛ نختطف السائحين؛ نخيف رؤوس الأموال؛ نطرد المستثمرين؛ ونبتغي كل يوم إلى العمالة التخريبية لهذا البلد الحضارة سبيلاً.
لا يمكن لأي فرد سوي في أي شعب من شعوب العالم أن يفعل مثلما يفعله البعض منّا للأسف؛ فثمة يمنيون لا يريدون لبلدهم ولشعبهم إلا أن يتذيل قائمة الإنسانية ويعيش أسوأ صنوف الحياة، وهؤلاء باتوا إفتراضاً ورجاءًا من المغضوب عليهم من قبل الله تعالى ومن الناس أجمعين إلا مسئولي هذه البلاد على ما بدى ويبدو.. في بلد الإيمان والحكمة أيضاً، لايمكن لأي عاقل تصديق ما يجري في ظل مباهاة علنية بظاهرة الإفساد والتخريب هذه، وصمت مريب ومرعب من جميعنا؛ حتى لكأننا نبدو متورطون جميعاً، في الذي يحدث من عبث يومي بمقدرات البلد وبخيرات ومشاريعه البسيطة.
صحيح أن تعميم الإفساد على كل اليمنيين أمر مغلوط، لكن "السيئة تعُم" كما يقولون، وكما يعتقدون بأن من قدم من اليمنيين إلى الرسول الكريم إبان الدعوة الإسلامية ليس من الدماشقة أو من بني ضبيان أو من جبال ردفان أو من ضحيان أومن رداع أو نهم.
لسنا بحاجة للعودة إلى ذات الجدل الحزين، ولست في صدد مسح غبار الطيبة عن أهل تهامة، لكن ليس أمام من يعتقدون أن خاتم الأنبياء قال فيهم "أرق قلوباً وألين أفئدة" إلا أن يتعاطفوا مع البسطاء والمساكين الذين تتأثر حياتهم سلباً مع كل عمل تخريبي يطال مشاريع الكهرباء والنفط والغاز والمياه، حتى أن أرواح العشرات من هؤلاء الناس العاديين أزهقت، بسبب حوادث كثيرة متصلة بشكل أو بآخر، بهذه الإعتداءات التخريبية، فيما حضرة حكومتنا الوفاقية بدلاً عن القيام بمهتمها الوطنية والأخلاقية في وقف عمليات الحرابة هذه، فأنها ماتزال مشغولة بالمحاصصة والسباق على تفيد المال العام في مرحلة انتقالية يعتقد أن اليمن فيها متاح أمام اللصوص والخونة والفاسدين.