يتهافت الوفاقيون في اليمن على خيرات بلدهم فقط، لكنهم في مصائبه يتوارون، أو يلقون باللائمة على الوطن ذاته، وعلي الفرقاء. وعلى سبيل المثال، لم يظهر أحد الفرقاء اليمنيين أمام الإعلام وأعلن بكل نزاهة، أن ماحدث في مجمع الدفاع صباح الخميس الدموي؛ هو مسئولية مشتركة، وأن كل قطرة دم طاهرة سالت في ذلك الحادث الإجرامي، ستظل عهد في رقبته هو، وفي رقبة كل يمني شريف يحب الله والوطن والإنسان والحياة. صحيح أننا في اليمن، قطعنا شوطاً كبيراً في مضمار الديقراطية والتعددية لكننا إلى ذلك، قطّعنا أوصال السلم الوطني؛ وبتنا قاب قوسين أو أدنى من مهمة تقطيع الجسد اليمني إرباً إرباً. فحكومة الوفاق وأعضاؤها الأفذاذ، وكل من يرأسون أحزابهم الممثلة وقواهم المؤثرة، لا يلتقون إلا على مائدة المحاصصة على خيرات وموارد وإمكانات البلاد، أما حين تدلهم المصائب وتنزل على اليمن النائبات، فإنهم يتوارون خلف خيباتهم، ولا يكفون عند الصمت المخجل.. بل يحملون الوطن مسئولية جراحه، ويندفعون فوق ذلك، نحو إلقاء التهم البينية، ويعلقون فشلهم على بعضهم البعض.
المؤلم أن بعض الفرقاء إما يلقي باللائمة علي الغير، أو أنهم جميعاً يلتقون عند محطة واحدها؛ هدفها هدم رأس وعقلية ونفسية وضمير أفراد الأمن والجيش. فمع كل عملية إجرامية تنفذها عناصر إرهابية بتواطوء من قوى بعينها أو من غير تواطوء، فإن الوفاقيين يتكرمون بإلقاء التهم جزافاً على غيرهم، وبطريقة إستفزازية وإمتهانية ولا مبالية بأفراد وضباط الجيش والأمن الذين يذهبون كل يوم ضحايا لهذا اللغط الوفاقي اللئيم. إنني أشعر بغبن كبير تجاه كل شيء، أشعر بألم كلما سقط شهيد من قوات الأمن والجيش، أشعر بالخيبات تلوح في محيا كل من تبقى في السلك العسكري والأمني، وأشعر بالقلق على تداعي مرتقب لجدران الوطن وحصونه، وإنني أشعر أن المستقبل القريب سوف لن يستقيم إلا برؤوس أوغاد البلاد.
وللأسف، أثبتت الأيام أن البلدان لا تبنى بالتوافق، وإنما بديكتاتوريات عادلة؛ لها استراتيجيات وطنية، ذات أبعاد إنسانية. وبإختصار، فإن تجارب الوفاق في أنظمة العالم الثالث ماتزال جزافية وعلي قدرٍ كبيرٍ من الفشل. فنتائجها لا تكون إيجابية في بلدان تعاني كل ويلات الحياة. وحتى نكون منصفون، فإن الدول العظيمة على مستوى العالم، لم تبدأ نهضتها التي هي عليها اليوم، إلا بتجارب لأنظمة حكم بقدر ما كانت حازمة وقوية ومتماسكة على كافة المستويات، كان يقوم عليها زعماء يمتلكون رؤى إنسانية عميقة وضمائر وطنية لا يصيبها الضمور.