خمس قضايا تهدد نظام الرئيس علي عبد الله صالح ما بين سياسية وأمنية واقتصادية. تقرير ذلك أمر مفروغ منه، وغير قابل للخلاف إلا بنسبة بسيطة جداً. فسواء من هم في النظام أم في المعارضة أم المراقبون المحايدون من خارج اليمن، جميعهم يقرون بتلك المهددات الخمس. وهي: الحرب في صعدة، المشكلة الجنوبية، تنظيم القاعدة، فشل الحوار مع المعارضة، والمشكلة الاقتصادية. الخلاف إنما يبرز من جهة البحث عن الجذر الأساس لتلك المشاكل، وسبل حلها. وفيما يغلب على تلك الخلافات التركيز على المتسبب الرئيسي فيها، وما إذا كانت جميعها ذات منبع واحد أم لا. فقد يثار جدل عميق– كما هو حاصل في بلادنا – حول بعض التفاصيل التي تعقدها أكثر مما تفتح الأبواب لتجاوزها. بالطبع هناك مشاكل أخرى قائمة بحد ذاتها تهدد النظام، لكن معظمها يدخل في إطار التهديد الشامل لكل اليمنيين. مثل: مشكلتي نضوب المياه، والنمو السكاني المتزايد (وهما مشكلتان كثيراً ما ركز عليهما المتابعون للشأن اليمني من الباحثيين الغربيين). هناك أيضاً مشكلتي: تواصل ارتفاع عدد اللاجئين القادمين من القرن الأفريقي مع ارتفاع معدل البطالة بين الشباب اليمني. بطريقة ما، يمكننا إعادة تلك المخاطر الخمس إلى تصنيفاتها الرئيسية كالتالي: قضيتان أمنيتان، وهما: الحرب في صعدة، والحرب على الإرهاب. وقضيتان ذواتا طابع سياسي بحت، وهما: المشكلة الجنوبية، وفشل الحوار مع المعارضة. والمشكلة الاقتصادية، التي تجاوزنا حين وضعناها كجزء من مشكلة في سياق التصنيف نفسه. فهي بحد ذاتها تجر خلفها كماً هائلاً من المشاكل الفرعية كالفقر، وضعف البنية التحتية، والبطالة، والتخلف في التعليم والصحة.. الخ. يقول قائل: إن المشكلة الاقتصادية تمثل الجذر الأساس الذي تدور حوله بقية المشاكل الأخرى. وهذه الحقيقة قائمة بالنسبة للنظام نفسه. فهو يمتلك رؤية مغايرة في تعامله مع القضايا الخمس، من حيث درجة الأهمية في سلم الأولويات. إنه في الواقع، يضع المشكلة الاقتصادية في المرتبة الأولى من الاهتمام. ويعزز من ذلك، حديثه المكرس – قبل وأثناء وبعد مؤتمر لندن الأخير (27 يناير) – حول دور المشكلة الاقتصادية في صناعة الإرهاب أولاً – كونه حجر زاوية المؤتمر – ومن ثم بقية الاختلالات القائمة في البلاد. بينما يركز آخرون - وغالباً المعارضة – على الجذر السياسي، المتعلق بأسلوب إدارة البلاد، عبر ما تصفه ب"حكم الفرد"، وأحياناً تطلق عليه ب "الحكم الأسري" كما هو في بعض أدبياتها، والتي كان آخرها ما يسمى ب"رؤية الإنقاذ الوطني". وبالطبع يندرج تحت هذا الإطار العديد من الملحقات السياسية مثل مفاهيم: الحرية، التبادل السلمي للسلطة، الانتخابات، الديمقراطية.. الخ. إن ما تصفه المعارضة ب "الحكم الفردي المشخصن الذي حول الدولة اليمنية من مشروع سياسي وطني، إلى مشروع عائلي ضيق"، بحسب مشروعها للإنقاذ الوطني، هو ما تعتقد أنه الجذر الأساس لما تمر به البلاد. فهي ترى أن مثل هذا الأمر "يكشف عن أبرز مظاهر الأزمة، وكيف جرى تقويض المشروعية الدستورية والقانونية، وسد منافذ وآفاق التغيير السلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة، وإطلاق يد الفساد لتتفيد وتلتهم ثروات البلاد، وحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية" إنها ومن منطلقها ذاك، تؤمن أن ما لحق بالبلاد والعباد إنما يرجع للجذر ذاته. بحيث أخذت تلك الأزمات "تتفاقم وتستفحل وتتسع وتكبر مع كل انتشار وتصاعد للفساد السياسي والإداري والاقتصادي والمالي، الذي ينتجه استمرار الحكم الفردي وعصبوية الدولة المشخصنة، وغياب الدولة الوطنية المؤسسية، والحكم الرشيد، حتى بلغت الأزمة الوطنية ذروتها، بتفجر حالة غير مسبوقة من الغليان الجماهيري في المحافظات الجنوبية، جراء السياسات التي انتهجتها السلطة في البلاد منذ ما بعد الحرب، بالإضافة إلى الانفجارات المتكررة للحرب في صعدة، منذ يونيو 2004م واتساع رقعتها.." (مشروع رؤية الإنقاذ الوطني) .
* * * لا تلقي الدولة بالاً لما تقوله المعارضة. فكل ما يقال هنا يندرج – بنظرها – تحت سياسة ما تقوم به من مزايدات واستغلال الأزمات لتحقيق أهدافها التي تسعى من خلالها للاستيلاء على السلطة. من ناحيتها.. تعتقد المعارضة أن تجاهل تلك النداءات والاستمرار في المضي قدماً نحو المجهول، لا يساعد في "إخراج البلاد من براثن ومآسي الوضع الراهن ومآلاته، التي تنذر بوقوع كارثة عامة، ليس أقلها وضع البلاد في مصاف الدول الفاشلة، وعلى حافة الانهيار". لا أحد يمكنه إنكار مشكلة الاقتصاد اليمني التي تزداد خطورتها أكثر بالنظر إلى المستقبل القريب. فبحسب أرقام رسمية، فإن إيرادات الحكومة من صادرات النفط (التي تعد محدودة بحد ذاتها) انخفضت بنسبة 70 في المئة خلال الأشهر العشرة الأولى من 2009. وبحسب المحللين "لا يمكن أن تعوض صادرات الغاز الجديدة هذا التراجع بالكامل". كما لا أحد يمكنه تجاهل بقية المشاكل السياسية والأمنية، التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، وقد ازدادت خطورتها مع توسع أنشطة القاعدة التي يعتقد الكثير من المحللين الغربيين أنها استغلت تلك الأزمات المتكالبة على البلاد في الشمال والجنوب، لتعيد بناء التنظيم وتجعل من اليمن منطلقاً لعملياتها. جميع تلك المشاكل تتعاضد لتقود البلاد نحو مزيد من التدهور والفشل. فيما النظام – في هذه الأثناء – يحاول استغلال الزخم الدولي، لتسويق ما يعتقد أنه الأهم والجذر الأكبر، الذي بواسطته ستمتلك العصا السحرية لتجاوز كافة الملفات الشائكة: الاقتصاد. تشكك المعارضة بالأمر – وإلى جانبها يقف بعض المسئولين الغربيين – من أن مزيداً من الدعم يعني مزيداً من إنقاذ نظام الرئيس اليمني، لا اليمن. وهم يعتقدون أن إصلاح النظام السياسي أولاً هو الجذر الأكبر لإنقاذ اليمن. تريد المعارضة حرية وديمقراطية حقيقية أولاً. وبموجب ذلك، سيمكن إنعاش الاقتصاد، ومن ثم ستتوالى الحلول تباعاً. فالأمر برمته، عبارة عن فساد مستشر بإهدار موارد وثروات البلاد، وأموال المانحين. هذا الفساد سيتم القضاء عليه إذا ما أصلح النظام الانتخابي، وتم تفعيل آليات الرقابة المجتمعية الديمقراطية بشكل حقيقي، حينها سيتمكن الشعب من محاسبة الفاسدين، وخلعهم، بدلاً من إعادة انتخابهم وفق معادلة ديمقراطية مختلة يمتلك مفاتيحها النظام القائم. وهنا تبرز جدلية: بماذا يجب أن نبدأ أولاً.. الاقتصاد أم السياسة؟ إيهما يمكنه أن يصلح الآخر؟ يرجع علماء السياسة ومنظروها أن الدولة التي يفشل مسئولوها في إدارتها اقتصادياً، فإنها تفشل في شتى مناحي الحياة. إن الدول ذات الاقتصاديات القوية، تقل فيها الاضطرابات إلى حد ما، وتتطور فيها الديمقراطية إلى الحد الذي يصبح فيه النجاح السياسي واقعاً محتماً، والعكس. الكاتب الأمريكي المعروف، فريد زكريا، يعزز ذلك حين يفسر أن نجاح الديمقراطية منوط بالنجاح الاقتصادي أولاً. ففي كتابه "مستقبل الحرية"، يقول"إن أبسط تفسير للنجاح السياسي لديمقراطية جديدة يتمثل في نجاحها الاقتصادي – أو لنكن أكثر تحديداً، ارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي". واستند الكاتب في ذلك للفكرة التي تقدم بها أستاذ العلوم الاجتماعية "سيمور مارتن ليبست" عام 1959 القائلة : "كلما كانت الدولة أكثر رفاهية، زادت فرص استدامة الديمقراطية فيها". إن تلك الأطروحة وجدت من يشكك فيها، وتشكلت مدارس معارضة لها. لكن مع ذلك، يجب التوضيح أن الحديث هنا يجعل من القوة الاقتصادية عاملاً مساعداً على استدامة الديمقراطية عندما تكون هذه الأخيرة حقيقة بحد ذاتها. كما يفهم من تلك الفكرة أن التنمية تساعد على تطور المجتمعات سياسياً، وتعزز من أسباب قوتها. وهذا ما يؤكده أستاذ العلوم الاجتماعية "ليبست" حين يقول: "مع تطور الدول اقتصادياً، تطور مجتمعاتها أيضاً من أسباب قوتها ومهاراتها بما يعزز استمرار التنظيم والإدارة الديمقراطيين الليبراليين". وعليه فإن إيجاد مجتمع ديمقراطي حقيقي أولاً، من شأنه أن يحافظ على حقوق الفرد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. وبالتالي، ومع العدالة سيتاح المجال لكل فرد أن يمارس مختلف الأنشطة بحرية كاملة، بما فيها الاقتصادية مما يساعد على تطور الدولة اقتصادياً، الأمر الذي سيمد المجتمع ككل، بأسباب القوة والمهارة بما يعزز استمرار التنظيم والإدارة الديمقراطيين. كما أن هذه الطريق ستكون هي الأفضل من ناحية إنعاش الاقتصاد عبر هذا المسار التكاملي، كون الاعتماد على المعونات الأجنبية - بحسب فريد زكريا – يبقي الدولة متخلفة سياسياً، كما هو الأمر بالنسبة للدول ذات الاقتصاديات المعتمدة على الثروة الطبيعية، فالثروة هنا تصبح عائقاً لعملية التحديث السياسي والنمو الاقتصادي. والعامل المشترك بين الأمرين هو أن الأموال في كليهما تأتي بالطريقة السهلة. ودعونا هنا نحدث مقارنة مهمة، في سياق العلاقة بين الثروة والديمقراطية على خلفية ما سبق. ولنبدأ بهذا السؤال: ماذا لو كانت الدولة فقيرة اقتصادياً، في الوقت الذي تقف فيه على نظام ديمقراطي زائف؟ كليهما: الفقر، وانعدام الحرية، يؤديان بشكل دراماتيكي إلى نشوب اضطرابات في الدولة. يقول زكريا "وفي عالم يتجه إلى مزيد من الديمقراطية، فإن أنظمة الحكم التي تقاوم هذا التوجه، تفرز مجتمعات مختلة وظيفياً - مثلما هو الحال في العالم العربي، ويشعر مواطنوها بالحرمان من الحرية بدرجة أكبر كثيراً من أي وقت مضى لأنهم يعرفون البدائل، إذ إنهم يرونها على شاشات القنوات التلفزيونية "سي إن إن" و "بي بي سي" و "الجزيرة". ومع ذلك، فإن البلدان حديثة العهد بالديمقراطية كثيراً جداً ما تتحول إلى ديمقراطيات زائفة، تحول الحلم الجميل إلى كابوس، وتفرز الفوضى والعنف وأشكالا جديدة من الاستبداد" (كتاب مستقبل الحرية. ص 18)
الحقيقة الكبيرة التالية بينما تؤكد دراسة صدرت عام 2005 لمؤسسة "راند"، أن الأممالمتحدة نجحت في إثبات الرؤية القائلة بأن عملية بناء الدولة يمكنها المساعدة على إنهاء الحروب الأهلية، فإن بناء الدولة هنا يرتبط بكافة الجوانب: سياسية، أمنية، اقتصادية.. الخ إن كثيراً جداً ممن يشخصون الأزمة في بلادنا يؤمنون بالطرح الذي يقول: إن غياب الحرية الحقيقية (عامل سياسي)، أدى إلى ممارسة ديمقراطية زائفة (عامل سياسي)، مما نتج عنه إختلال في ميزان العدالة، الأمر الذي أدى إلى بروز اختلالات اقتصادية، جراء استنزاف الثروة، بواسطة الفئة المتسلطة أو المقربة من رأس وعائلة السلطان، دون أن يكون هناك ممكنات مجتمعية مناسبة للحؤل دون ذلك. على أن ذلك كله، أفرز مجتمعاً مختلاً، لم يجد من سبيل للتعبير عن نفسه سوى طريق الفوضى والعنف. هذا ما يدخل في إطار اختلال العامل الأمني.. والذي - وبشكل طبيعي - زاد من مواجهة السلطة له عبر القوة والعنف – حفاظاً على المصالح الاقتصادية الخاصة- الأمر الذي بدوره أيضاً زاد من التوترات و الاضطرابات والحروب. الحقيقة الكبيرة التالية: إنه، وبينما تستمر تلك الحالة من الفعل ورد الفعل لمدة طويلة، سيكون من غير الممكن لأي طرف – سواء السلطة أومعارضيها – التنازل عن مطالبها بالطريقة السهلة، وسيكون طريق العنف هو المتاح الأكثر فعالية لتحقيق تلك المطالب. وإنه، ولحل مشكلة العنف في الصراعات السياسية، يقول جين شارب – الباحث في مؤسسة البرت إينشتاين الدولية – "المهم أن نعي أن وجود الصراع في المجتمع وفي القضايا السياسية هو أمر حتمي، وفي حالات كثيرة يكون هذا الصراع أمراً مرغوباً فيه. تسوى بعض الخلافات بالاعتماد على أساليب سلمية مثل المفاوضات والحوار والتراضي، وهذه الأساليب تتطلب أن يقدم طرفا النزاع تنازلات من أجل الوصول إلى حل، وتستخدم مثل هذه الأساليب عندما تكون القضايا قيد الخلاف غير أساسية، وحتى في هذه الحالات فإن الحل يتأثر بميزان قوى أطراف النزاع أكثر مما يتأثر بتقييم مشترك لحل عادل" (البدائل الحقيقية لجين شارب – مؤسة ألبرت إينشتاين). ذلك فيما يتعلق بالقضايا غير الأساسية، أما عندما تكون القضايا أساسية، فيعتقد أنها تدخل في إطار الصراعات المهددة. وهذا ما يصفه "شارب" ب"النزاعات الحادة" التي لا يناسبها تقديم طرفي النزاع تنازلات. فهنا – يقول شارب – "نجد أن أحد أطراف الصراع على الأقل يرى أن من الضروري بمكان شن الحرب على خصومه الذين يضمرون له العداء". ويضيف "عادة ما ينظر أطراف النزاعات الحادة إلى أي تنازل أو إذعان أو هزيمة على أنها كارثة تحيق بمبادئهم ومعتقداتهم ومجتمعهم وحتى حياتهم. ويعتقد أطراف النزاع في مثل هذه الحالات أن هناك ضرورة لشن حرب لا هوادة فيها ضد الخصم". إن الحرب في صعدة مثل جيد لمثل تلك النزاعات الحادة، وهو كذلك بالنسبة لتنظيم القاعدة. وفيما إذا استمرت مشكلة الجنوب على ما هي عليه من مراوحة بين السلم والعنف، فإن طريق هذا الأخير سيكون هو الأمر الحاسم، ذلك حينما سيصل الأمر إلى تحول قضية الانفصال إلى قضية أساسية. وعلى ما يقال دائماً أن العنف سيأتي ك"خيار نهائي"، أو عندما سيعتقد الناس "أن العنف يستخدم للدفاع عن كل ما هو جيد ويستحق البقاء". عندئذ، سيكون "من الجهل أن نعتقد أن المفاوضات أو الحوار هما الرد المناسب لحل النزاعات التي تكون فيها القضايا الأساسية مهددة بالخطر، حيث لا يتخلى الخصوم عن أهدافهم أو أساليبهم دون قتال" حسب ما يؤكد شارب. ويواصل في هذا الإطار: "ولا يعقل هنا أن نتوصل إلى حل فيه فوز لطرفي النزاع حيث لا يستحق الطرف الديكتاتوري ومرتكبو جرائم القتل الجماعي أن يفوزوا بأي شيء". لا يؤمن "شارب" بالعنف كطريق لحل النزاعات، سواء طالت القضايا الأساسية أو ما زالت دونها. بل هو ينبذه بكافة أشكاله، لكن الرجل يتحدث عما هو واقع من تجربة وخبرة، ليوصلنا – في نهاية الأمر - إلى ما يعتقده حلاً للعنف وبديلا للقوة. ولذلك فهو يقول "نحن نعلم من خلال عقود من الخبرة أنه لا يمكن القضاء على العنف في النزاعات من خلال الاعتراض عليه. ففي النزاعات الحادة نجد أن الغالبية لا ترفض الحرب وأشكال العنف الأخرى لأنهم يؤمنون أو يقال لهم أن الاعتراض على الحرب هو انتهاك للمبادئ الأخلاقية والدينية، أي اعتقاد آخر يخالف هذا الفهم هو في الحقيقة غير واقعي". تبدو المشكلة أكثر تعقيداً مما هي على أرض الواقع. فلا أحد من الناس والجماعات والحكومات سيرفض العنف إذا كان ذلك الرفض معناه: التخلي عن قوتهم وإعلان ضعفهم أمام ما تتعرض له مجتمعاتهم ومعتقداتهم الأساسية للخطر. لكن يؤكد شارب: "ولتجنب أن تصبح الحرب وأشكال العنف الأخرى في النزاعات الحادة الحل النهائي للدفاع عن المبادئ والمعتقدات والمجتمع والوجود، علينا أن نوفر بديلاً قوياً للسيطرة على النزاع بحيث يضع هذا البديل أمامنا فرصة للنجاح تعادل أو تفوق خيار العنف". هل هذا ممكن؟ وخصوصاً مع ما يؤكده الرجل على وجوب " أن يكون هذا البديل العملي لحل النزاع، قادراً على معالجة المشكلات المزمنة". على أن الأهم في هذا كله هو ما يفصله في كتابه في هذا الجانب، والذي ربما استخلص جزءاً منه بالحديث عن مصادر القوة في المجتمع التي تعتمد على التعاون بين المؤسسات والشعب. الخلاصة تكمن في أحد أمرين. الأول: أن النظام الديمقراطي الحقيقي، المبني على الحرية والعدالة، سيمكنه إحداث تنمية اقتصادية من شأنها أن تحدث – هي الأخرى – نقلة نوعية في تعزيز تطوير المؤسساتية السياسية والديمقراطية. الأمر الآخر: أن النظام الديكتاتوري أو الديمقراطي الزائف سيفضيان – بشكل حتمي - إلى اختلال في بنية المجتمع وتوازناته، واستنزاف ثرواته من قبل الفئة المتسلطة، مما سيعرض القضايا الأساسية لتصبح محل نزاع مستعص لا يمكن حله عبر المفاوضات والحوار وتقديم التنازلات.