نُشر المقال في صحيفة المصدر اليومية في عدد أمس الاثنين. لن تكون محاكمة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي المقررة اليوم أكثر من فاصل جديد من مسلسل الانتقام لما جرى لرموز نظام حسني مبارك بدءاً من ثورة المصريين في 25 يناير، ووصولاً إلى الإطاحة برموز المجلس العسكري على يد مرسي ومروراً بمحاكمات مبارك وابنيه وكبار مساعديه الأمنيين والسياسيين، وانكشاف جرائم الفساد الهائل الذي مارسوه على حساب ثروات الشعب المصري الغارق في الفقر والمرض والتخلف!
اليوم سوف يفرح فلول وبقايا الزعماء الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي.. من ابن علي الهارب إلى علي صالح المعزول إلى حسني مبارك الملوث بقضايا فساد وإجرام (لم يتهم بأمثالها حتى الملك فاروق) وهم يتابعون جلسة المحاكمة المقررة.. وستكون سعادتهم في ذروتها إن ظهر د. مرسي في قاعة المحاكمة؛ سواء برضاه أو إجباراً؛ فبهذا المنظر سوف تخف ضغائن مبارك الذي دخل قاعة المحاكمة ممدداً على سرير طبي مدعياً المرض في صورة من المهانة لم تكن متوقعة من الفرعون الأخير أو البطل الذي جيّروا لصالحه حرب أكتوبر.. ومثله الرئيس المخلوع علي صالح الذي سيجد في ذلك نوعاً من العزاء – نكاية في إسلاميي اليمن الذين كانوا القوة الشعبية الكبرى التي أطاحت به- لموقفه في قصر ملكي في الرياض وهو مرغم على التوقيع على المبادرة الخليجية التي وضعت حداً نهائياً لوجوده في السلطة، وكذلك سيجد ابن علي الهارب شيئاً من العزاء الواهم إن رأى رمزاً بارزاً في الحركات الإسلامية يحاكم؛ بكل ما يعني ذلك عند أمثاله من انتكاسة لثورات الربيع العربي، وتشفياً لما أصابهم بسببها، ولأنها فضحت جرائمهم وفسادهم الذي فاق كل توقع!
••• في تحديد الموقف الأفضل المتوقع من د. مرسي في التعامل مع المحاكمة الهزلية بالحضور، وفضح زيفها وعدم شرعيتها لاستنادها لسلطة انقلابية اغتصبت السلطة بالدبابات، أو مقاطعتها وتحويلها إلى حوار أطرش بين موظفي العسكر.. بين هذين الموقفين أجدني أميل إلى موقف المقاطعة والامتناع عن الحضور؛ لإفشال خطة المخلوعين واللصوص الجدد وأبواقهم في التشفي والتهريج في وسائل الإعلام! وإن كنت لا أعلم هل يستطيع الرئيس مرسي رفض الحضور دون مشاكل أو أنه سيجبر بالقوة على الحضور!
بالمقارنة بعجز سلطة الانقلاب المصرية المزعوم المتكرر عن إحضار قادة الإخوان إلى قاعات المحاكمة بدعوى الظروف الأمنية؛ أو لأن المعتقلين يرفضون الاعتراف بشرعية النظام كله؛ مما أدى إلى تأجيلها أكثر من مرة، وانسحاب القضاة من نظر القضية؛ فإنه من المتوقع أن يحدث الأمر نفسه اليوم، وخاصة إن رفض مرسي الحضور، وأصر على موقفه مهما تكن النتائج، ونجح المعارضون للانقلاب العسكري في الاحتشاد بكثافة قرب مكان المحاكمة!
الحديث عن نزعة الانتقام التي تتملك الانقلابيين الذين استولوا على السلطة ليست تجاوزاً لطبائع ما هو معروف عن نظام عسكري بوليسي عمره ستون عاماً.. فمثل هؤلاء العسكر نشأوا وتعملقوا، واستبدوا، ونهبوا ثروات مصر، وأذاقوها مرارات الذل والهزيمة أمام العدو التاريخي لمصر والأمة.. هؤلاء لم يكونوا ليرضوا أن تخرج مصر من قبضتهم فيخسروا كل هيلمانهم وجبروتهم لصالح سلطة مدنية؛ والأشد إيلاماً لهم أن يكون قائدهم فيها أحد رجال الإخوان المسلمين؛ مجبورين على أداء التحية العسكرية له، والسماح لأجهزة الرقابة والمحاسبة المدنية بالإشراف على مملكتهم المالية السرية، والتفتيش على جوانب الإنفاق والإيراد في المؤسسات الاقتصادية الخرافية التي يسيطرون عليها، وتمثل كنز المجلس العسكري أو علي بابا والأربعين حرامي.. وبإيجاز: أن يتحول العسكر إلى بشر خاضعين للقانون أسوة بسائر المواطنين يحكمهم القانون ولا يحكمونه!
العسكر أيضاً لم يكونوا لينسوا مرارة قرارات د. مرسي بإقالة عدد من أبرز قادة المجلس العسكري؛ ومن بينهم قائد المخابرات الحالي أو الأب الروحي للسيسي نفسه من رئاسة هيئة الرقابة الإدارية التي توصف بأنها إحدى أخطر المؤسسات السيادية في مصر؛ وللتذكير فإقالة كبار ضباط الجيش المصري ليست أمراً هيناً عندما تأتي خاصة من رئيس مدني (اعترف السيسي بذلك كما ظهر في التسريب الأخير لكلامه!).. وفي تاريخ مصر المعاصر كانت إقالة قادة الجيش محطات خطيرة، وتوصف بأنها قرارات تاريخية يتبعها أحيانا تمردات؛ بدءاً من الإقالة المتأخرة جداً للمشير عبد الحكيم عامر ومجموعته في الجيش والمخابرات بعد هزيمة حزيران 1967، وكذلك إقالة قادة بعدهم في عهد السادات ومبارك.. لكن قرارات مرسي كانت الأكثر إيلاماً للعسكر بسبب كونه رئيساً مدنياً لم يكن يخطر ببالهم أنه سيكون قادراً على إقالتهم بتلك الجراءة والثقة!
••• في ضوء ما سبق يمكن ملاحظة إصرار الانقلابيين على تلفيق تهم مضحكة ضد الرئيس المنتخب بالتخابر مع حركة حماس في غزة، وهم الذين تآمروا مع دول خليجية وإسرائيل نفسها، وأجهد البرادعي نفسه ستة شهور باعترافه لإقناع الغربيين بالموافقة على الانقلاب العسكري على رئيس بلاده! حتى تهمة إصدار أمر بقتل المتظاهرين عند قصر الاتحادية (المقصود البلطجية الذين تأكد أنهم كانوا جزءاً من خطة الانقلاب، ورموا المركز السيادي الأول في مصر بالمولوتوف وأشعلوا النيران في جدرانه، وجلبوا رافعة (ونش) لقلع البوابة الرئيسية!).. حتى هذه التهمة تبدو مضحكة فالذين اعتدوا لم يحاكمهم أحد، وعلى رأي مصري فحتى لو كانت التهمة صحيحة فأين الضباط والجنود الذين نفذوا الأمر الرئاسي وأطلقوا النار على المتظاهرين وقتلوهم؟ ولماذا لم يحاكموا هم أيضاً؟
حماسة اللصوص هذه لمحاكمة مرسي تتناقض مع الإهمال والتجاهل للجرائم الواضحة المصورة التي رآها العالم مباشرة التي ارتكبها جنود الانقلاب في ميداني رابعة العدوية والنهضة وغيرها منذ الانقلاب المشؤوم، وراح ضحيتها الآلاف، وما تزال هناك جثت كثيرة في المشرحة لم يستطع أحد التعرف عليها بسبب تفحهما تماماً أثناء إحراق ميدان رابعة! والمؤكد أن مصير هذه الجرائم سيكون مثل جرائم إحراق الكنائس التي لا يدان فيها أحد بسبب بسيط جداً وهو أنها انتاج: قطاع عام.. وعليها خاتم المؤسسة الأمنية الرسمية!
تلفيق الاتهامات ضد الأبرياء وغض الطرف عن المجرمين هي علامة الأجهزة الأمنية العربية في مقدمتها: الأجهزة المصرية، وأثناء الأزمة الأخيرة عادت حليمة لعادتها القديمة أكثر جوعاً وتشوقاً فبدأت برئيس الجمهورية نفسه ثم ثنّت بالمعارضين دون فرامل! وها نحن نرى الأمن يعتقل والنيابات المصرية تصدر قرارات الاعتقالات وتجددها كل يوم في أفعال بسيطة لو صحت ما استحقت حبس يوم؛ فما بالنا وهي تلفيقات أمنية! فيما يلي نماذج من العبث الذي تمارسه سلطات الانقلاب في مصر في تلفيق الاتهامات واخترام الحكايات الكاذبة ضد الإسلاميين لتبرير قمعهم وشيطنتهم في الإعلام: في تصريحات صحفية للمستشار أحمد سليمان وزير العدل الأخير في عهد مرسي كشف فيها تناقضات وألاعيب تحدث في مصر بعد استدعائه للتحقيق بعد صدور بيان تيار استقلال القضاء الرافض للانقلاب العسكري بدعوى أنه اشتغال بالسياسة: - رفضنا إقصاء رئيس جاء بانتخابات حرة أشرفنا عليها ونحن أمناء على أصوات الناس فيها؛ كما تضمن البيان دعوة لإجراء مصالحة سياسية تشمل الجميع كي تعبر مصر أزمتها؛ ودعا البيان لحقن الدماء والتحذير من ممارسة العنف ومع هذا اتهم القضاة بالاشتغال بالسياسة وهي تهمة معلبة تستخدمها السلطات ضد قضاة تريد التنكيل بهم؛ رغم أن آخرين فعلوا أكثر من هذا وغض الطرف عنهم ففي العام 2006 طالب مكي وجنينة بالتحقيق مع القضاة الذين شهدت دوائرهم الانتخابية التزوير فتم معاقبتهما هما ولولا الالتفاف الشعبي حولهما لعصف بهما.
- قدم قضاة الاستقلال شكوى ضد المستشار أحمد الزند بسبب المؤتمر الذى ناشد فيه أوباما بالتدخل في شئون مصر! ولم يتخذ فيه أي إجراء؛ كما قدمنا بلاغاً مرفقاً فيه سيديهات مصورة وهم (أي قضاة مؤيدين للانقلاب) في ميدان التحرير في مظاهرات معارضة للرئيس محمد مرسي وأحدهم يؤدي التحية العسكرية و يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام" ولم يتخذ ضدهما أي إجراء رغم أنها عرضت على المستشار هشام بركات.
- هل يعقل حبس إعلامية ومدرسة وطالب بالإعدادي لأنهم يحملون شارة رابعة! وعندما يستدعي وزير التعليم تلميذة لأنها رفعت شارة رابعة، وحينما يحال مجلس إدارة مدرسة للتحقيق لأن طلابها رسموا شعار رابعة على السور. وفيما يتعلق بالقضية المتهم فيها مجموعة من معتصمي رابعة ببتر إصبع شخص وتعذيبه؛ فرغم أنه برأهم أمام المحكمة و أكد أنهم أنقذوا حياته، ومع ذلك حجزت الدعوى لشهر ديسمبر بدلاً من إخلاء سبيلهم، في حين أن الضابط المتهم بتلفيق الدعوة حر طليق علّق سليمان قائلاً: الحس القضائي كان يوجب على المحكمة التأجيل لأقرب جلسة لسماع أقوال الضابط المتهم؛ أما إخلاء سبيل المتهمين بعد تبرأتهم فلا أستطيع التعليق عليه لأن القضية لازالت منظورة قضائياً.
- ناشد سليمان النيابة العامة بمراجعة المواقف القانونية والاتهامات والأدلة التي تدين كل المعتقلين وسرعة الإفراج عن كل من لا يوجد ضده أي دليل؛ و قال: على النيابة العامة توضيح المسائل المثارة في الإعلام حتى يعرف الناس حقيقة ما يحدث خاصة تلك الأخبار المتعلقة بالقبض على المذيعة أماني كمال واعتقالها لأنها تحمل شارة رابعة وكذلك الطلاب و غيرهم. ولفت أنه يتم إلقاء القبض على متظاهرين دون إجراءات قانونية على اعتبار أنهم في حالة تلبس رغم أن التظاهر السلمي ليس بجريمة بل حق تكفله كل القوانين للمواطنين.
وفي تعليق لمواطن مصري في شبكة الإنترنت كتب يقول: مسألة لم يتمكن أحد من مؤيدي السيسي الإجابة عنها حتى الآن: قال إعلام العار إنه قد تم مقتل 54 جندياً في فض اعتصام رابعة: - أين الجنازة العسكرية، أين أسماؤهم، أين صورهم؟ قال إعلام العار إن ال 36 معتقلاً قتلوا أثناء هروبهم! - كانوا مكتوفي الأيدي وبداخل السيارة ..كيف هربوا أو حتى كيف حاولوا الهروب؟ قال إعلام العار إن المعتقلين احتجزوا ضابطاً وتم رميهم بغاز مسيل للدموع!: - وعندما سألت: أين الضابط، قالوا في العناية المركزة!ما اسم الضابط؟ وأين هو؟ وكيف لم يمت مع ال 36 معتقلاً؟ عرض لنا إعلام العار صوراً للملتحي الذي تاب بعد أن رمى بالأبرياء من فوق السطح (الإسكندرية)! - أين هو؟ وهل تم محاكمته وفي أي محكمة وفي أي نيابة؟ هذه قضية رأي عام! قال إعلام العار إن ال 25 جندياً (في سيناء) قتلهم واحد من تنظيم القاعدة! - كيف استطاع فرد واحد أن يربط 25 جندياً من الخلف ويقتلهم دون حتى مقاومتهم؟ هذه مجرد أسئلة سألتها للكثيرين ولم أتلقَّ أي رد حتى الآن!