عمل جبان وجريمة شنعاء بلا جدال التي سقط فيها الشهيد والأخ عبد الكريم جدبان مساء الجمعة الماضية، بالقرب من القيادة العامة للقوات المسلحة حسب المعلومات الأولية للجريمة. لكنا نرى شناعة أخرى معتادة وغير مقبولة تتكرر حين تسبق الرئاسة والحكومة الجميع بالإدانة، فيما المواطن ينتظر اعلان اشياء أخرى ليس نحو هذه الجريمة، وإنما مع كل الجرائم التي ارتكبت هذا العام، ونسي الجهابذة فى الرئاسة والحكومة، إن جرائم سابقة سجلت ضد مجهول، يقيسون نسيانهم بذاكرة الشعب الذي لا ينسي ولا يغفر.
ربما الأمر قد يكون تعبيراً عن استمرار أداء آلة قديمة وإرث مرحلة طويلة يمكن الفساد فيها من تخريب واجبات المسؤولية فى إدارة الدولة، وأفسد مفهومها بالبيانات، وجعل الكلمات بديلة للأعمال، لكن الجميع يعرف أنه كان مذهباً سياسياً تدميرياً ولا أخلاقياً فى نفس الوقت، وعواقبه واضحة لكل ذي بصر وبلا بصيرة..
والظاهر والواضح أن سياق وبيئة ارتكاب جريمة اغتيال عبد الكريم جدبان عضو مؤتمر الحوار يا رجال الدولة هي نفسها جرائم قتل شباب ونساء الثورة والعسكريين فى حضرموت وغيرها، وهي نفسها جرائم التقطّع والفساد وتخريب المصالح العامة؛ الكهرباء وأنابيب النفط، وهي نفسها الجريمة التي يخطط لها لاغتيال فكرة الحوار والتغيير والإصلاح وتحقيق العدالة والإنصاف لأبناء صعدة والجنوب وكل الشعب اليمني.
وهذا ليس حكماً قضائياً يسبق التحقيق، وإنما اعترافات وإشارات وحقائق تكرر نفسها عند كل خطاب رئاسي وحكومي وحزبي وبيان دولي وحادثة وجريمة وحوار..
وسبق وقلناه وقاله غيرنا مع إدانة كل جريمة وقعت منذ مطلع هذا العام، ولا ضير فى توضيح الشناعة مفصلة هذه المرة لعلّ "التكرار يعلّم الشطار"..
وما نراه معيباً بل ومثيراً للخوف والقلق ظهور المواقف والقرارات والإجراءات، وكأن الذي يجري جنايات وحوادث عادية، فيما هي وقائع متلازمة للمرحلة الانتقالية، ونمو منظومة مخاطر فى عامين حلقت فى سمائنا وكبرت فى شوارعنا ومساجدنا وتتسرّب من حدودنا وموانئنا ومطاراتنا وتكبّر من حروبنا وتفاهات خلافاتنا ومن عجز حكومتنا "إن تكون حكومة"..
والتعامل مع هذه الأحداث وكأنّها مشكلات عادية ومناسبات نصدر فيها بيانات نراه الحماقة بعينها "إعلان حسن نوايا تعطي المجرمين ثقة في ألاّ ملاحقة جادة ولا عقاب..".
إن الحكومات والوزراء والأجهزة الأمنية واجبها الدستوري والوطنى والأخلاقى في أي بلد هو اتخاذ قرارات وكشف عن معلومات وطلب عون ومساعدة إذا اقتضى الأمر، ومن دون هذا ما يصدر عنهم يتحوّل مساحة جديدة للقاتل ولقاتل آخر كى يعيثون فى الأرض فساداً، لذلك قال المولى جلا وعلا [ولكم فى القصاص حياة يا أولى الالباب...].
أخيراً، نرى المطلوب العاجل من الرئاسة والحكومة وأحزاب التسوية والوفاق والوطني - كما يُقال- وقد وصلنا إلى هذا الحد العمل الجماعي المنظّم للبحث عن كل مجرم وتوقّع ومحاصرة كل خطر، وهذه هي وظيفة كل عاصمة دولة، ومن يتمتعون دون الشعب بمزايا خدماتها.
ويسوؤنا بل يقرفنا استهلاك الوقت فى التعاطي اليومي مع طفح المطالب والغرائز لقوى ينتجها مجتمع أمرضه النظام السابق بكون لا يعد عملاً ولا إنجازاً طالما العدالة غائبة والأمن مفقود..
هذه الدولة – يا خلق الله – لا تزال مغتصبة، لكنها في وضع خطر بعد الثورة، وفي مرحلة انتقالية تحتاج مدراء مخاطر..
يكفينا الإدانات والتعازي وإبداء الأسف الذي أهدرناه هذا العام، ولم يأتى إلا بمزيد من الجرائم، والاغتيالات والجنائز.
الحاجة الوطنية الملحة التي أصبحت تفرض نفسها على الحكومة بدل الادانات وضع خطة واضحة تُعطي الأولية القصوى لإدارة المخاطر، يليها معالجة الأزمات بدلاً من الوضع الشاذ القائم الذي تعد فيه إصدار قرارات التعيين أجلّ مهمة وهي مهلكة للجميع، ولا نتمنى الهلكة لأحد..
وإذا استمر الحال هكذا فلن يكون مستوى الحكومة وشركائها سوى مدراء مخازن أو جامعي مخلفات بناء مهدوم حين يعجزون يتركون المخازن للحريق، أو يفرون طلباً للسلامة من الروائح النتنة.
هي وجهة نظر نقولها مبعثها الإحساس بالألم والقلق مما يجري، وتنبيه لمن في أيديهم فعل الكثير، ولا يفعلون حتى المتاح.