لعبت معظم وسائل الإعلام اليمنية - للأسف الشديد - دورا إسناديا مهما للقتلة والمجرمين الذين نفذوا جريمة اغتيال عبدالكريم جدبان، ولم تقف عند هذا الحد بل تعدته إلى التدليس وخلط الأوراق وتصفية الحسابات. أما الإسناد فقد اتضح جليا في توجيه الاتهامات لكل الأطراف على الساحة ابتداء من علي عبدالله صالح، مرورا بالتجمع اليمني للإصلاح، وانتهاء بجماعة الحوثي، ولم يتنبه إلا عدد قليل من الإعلاميين والصحفيين لخطورة صب الزيت على النار والترويج لتلك الاتهامات في توقيت خطير وقابل للاشتعال.
وأفضل خطاب إعلامي صادر من معسكر "الزعيم" علي عبدالله صالح كان يتحدث عن ضرورة عدم إلقاء التهم جزافاً، وأنه لا يجوز اتهام صالح ولا الإصلاح ولا أي جهة أخرى، وأن جهة الاتهام والتحري والتدقيق والتحقيق والإعلان عن المتهم والجاني هي الجهات الرسمية المعنية بذلك، إلى هنا والخطاب منطقي ومقبول ، إلا أن التدليس يبدأ بعد ذلك بتشبيه اغتيال جدبان، بعمليات القتل الجماعي العلني التي تمت بحق شباب الثورة في مظاهرات ثورة فبراير 2011. على أساس أن القاتل "مجهول" في الحالتين!
ثم ينطلق من هذا الاستنتاج غير البريء بأن "الزعيم" هو الذي أخرج اليمن من محنتها وكان سببا في إنقاذها من الحرب الأهلية!، مستندا ربما إلى أن الذاكرة الجمعية لليمنيين ستحول "الحصانة" التي حصل عليها إلى "شهادة حسن سيرة وسلوك" تثبت أنه أدار اليمن بأمانة ونزاهة ونظافة يد!
كان الإعلام وما يزال في الشقيقة الكبرى مصر هو معول الهدم للحوار والتوافق الوطنين وكان وما يزال هو الصانع الأبرز للكراهية بلا منازع. يحدث شيء من هذا القبيل في اليمن، قبل وبعد جريمة اغتيال جدبان.
ليس من السهل أن تكتب عن "من يكتب"، أو أن تنتقد من يعتبر النقد مهنة حصرية له دون سواه، ومن هنا تأتي صعوبة نقد الأداء المهني للكتّاب والصحفيين وقادة الرأي في المجتمع.
الموضوع بطبيعة الحال ليس مجرد "عنف لفظي وتعبئة خاطئة نتج عنها اغتيال عبدالكريم جدبان"، لأن الوقائع والأحداث تؤكد وجود شبكة إجرام في البلد لا تعبأ بخطاب ولا تهتم بألفاظ، والمعالجة الوحيدة للدفاع عن اليمنيين في مواجهة هذا الإجرام هي في تفعيل أدوات الدولة الأمنية والقضائية، أما الإعلام اليمني فإنه في حاجة ماسة لاستكمال جانبين مهمين: الأول: إعادة النظر في أساليب الإدارة والتخطيط الإعلامي والبرامجي خاصة أثناء الأزمات والأحداث الطارئة. ويكفي أن ترصد أول 60 دقيقة بعد حادث اغتيال جدبان في كل الفضائيات اليمنية لتدرك حجم التخبط وغياب الرؤية في التعامل مع الأحداث الطارئة باستثناءات قليلة.
ثانياً: الحاجة لميثاق شرف صحافي يؤكد أهمية الحفاظ على التماسك الاجتماعي، ويقول "لا" لكل ناعق يوزع الاتهامات وينصب نفسه مدعيا وقاضيا ومشعلا للحرائق.