في اليمن ريفٌ وعصافير، وعجوزٌ ما زال يعتقد أنّ كلّ مُغيّب طاهر، كما أنّه يعتقد، وبشكلٍ حتمي، أن الجنّ يسكنون في جنوب شرق آسيا. هذه التويوتا، يا بُني، صنعها جنّيٌّ ماهر. فلاحٌ يتأمّل أزهار البطاطا بزهو.
هذه البطاطا، يا بُني، حباها الله بالبركة، كما أنّي تعهّدتها بالسّقيا والسّماد الجيّد، لكنّي أخاف عليها من "الضريب"، والضريب، وأنتم لا تعرفونه بالطّبع، بردٌ يغتال أزهار البطاطا، تمامًا كما تغتال الأحزاب أحلام الشّباب الصغيرة.
نساءٌ يحملن الشرّاقة (فطورٌ متأخر)، في الساعة العاشرة صباحاً، لأصدقاء الوادي.
عذبة، يا بُني، كانت أجمل نساء القرية. وقديمًا قال الشّابي: عذبةٌ أنتِ كالطفولة، كالأحلام، كاللحن، كالصّباح الجديد.
لم يعد أحد، في هذه البلدة، يسمّي ابنته عذبة. ما زال، في القرية، أطفالٌ أشقياء يسرقون ثمار الفول والبازلّاء، كما أنهم يقومون، سرّاً، بشوي الذرة الشّاميّة المسروقة أيضًا، ويضحكون كثيرًا. الله غفورٌ رحيم. المياه، في بركة المسجد، ليست نظيفة.
غير أنّ الأتقياء يتوضأون فيها كلّ يوم، وحينما يصلّون لله الرّحيم يقبل صلواتهم، ويرسل إلى وديانهم المطر. في المساء يجتمع النّاس حول النوّارة، يقولون لي: حدّثنا. أفتح " ألف ليلة وليلة" وأقرأ، يستمعون بخشوعٍ مهيب، يسبّحون الله كثيرًا، ثمّ يذهبون إلى النّوم.
لا تحتاج مجهوداً كبيراً، في القرية، كي تضحك. تفتح فمّك، ليس إلّا، والضحكات تأتي من تلقاء نفسها. من الوحوش لا يعرفون إلّا الطّاهش، ومن الخطايا لا يعرفون إلّا الحسد. يقولون إن الحسد مخلوقٌ دميمٌ يأتي في اللّيل، ويأكل صاحبه.
يتحدّثون كثيراً عن هالة النور التي تحيط بوجه الميّت، ذلك أنّهم ينظرون إلى وجهه بحنانٍ يملأ الكون ويقولون: سبحان الله. لا يعرفون أنّ النور محض انعكاسٍ لذواتهم الصّافية.
كل الموتى، في القرية، يذهبون إلى الجنّة. يتأمّلن، كبيرات السّن، الطفلة الجميلة بإعجاب، يلثمنها كثيراً: يالشعرها الأشقر، لابدّ أن هذه البنت نصرانيّة. ذلك أنّ النصراني، في قريتنا، من كان شعره أشقر، وعيونه زرقاء.
ثمّ أنّ جدّي كان واقفًا في "باب الدّاير"، قال وكان حكيماً: سيصل الإسفلت ذاتٍ يومٍ إلى هنا، وأشار بعصاه. والكهرباء سوف تصل إلى كل منزل.
غير أنّه لم يتنبأ بأنّ الإسفلت محض جحيم، وأن الطّاهش سُميع سوف يصبح وزيراً للكهرباء. لم يتنبأ، أيضًا، بأنّ الموتى، في بلدتي، لن يذهبوا إلى الجنّة مجدّداً، وأنّ الكهرباء، ويا لها من ملعونة، سوف تطرد النوّارة، قبل أن يطردها، فيما بعد، ماطورٌ صغير.