منذ اكثر من 10 سنوات وهذه البلد تسمع بين حين وآخر بيانا تهديديا بالانفصال ورغبات بانتفاضات، وتصعيدات.. تارة إعلامية وتارة حراكية، وحين عصفت الثورة اليمنية بأرباحها وخسائرها بالبلد، توقع الاغلب آنذاك أن دعاوى الانفصال إن كانت ذات مصداقية ومطالب واضحة للحقوق، انها ستبدأ بأخّذ مجرى المطالبة والاسترداد خاصة وان الشعب اغلبه يقف مع القضية الجنوبية ويتفهم مطالبهم رغم إيمان الشعب ان الظلم الذي وقع على الجنوب وقع على الشمال فالفساد كان يعم البلد والظلم طال الجميع. ولا ننسى، كما ان هناك اشخاص من الشمال قاموا بالاستيلاء على المواقع والوزرات والاملاك، فإن نخباً من الجنوب كانت تشاركهم الحصص، وحين بدأ أبناء الجنوب بالمطالبة بحقوقهم وطلب التعويضات والعدل، اخذت أيادي جنوبية معروفة تستغل هذه الأرواح المطالبة بحقوقها لتنسبها إليها وتدعمها في اتجاه آخر يختلف تماماً عن المطالبة بالحقوق وإرادة وجود العدالة، وكان هذه المطلب هو «الانتقام»، تماما كما يعمل الآن المخلوع ونظامه في البلد من قلاقل وتمويل وتدمير كل ذلك رغبة في الانتقام، ف«العليين» ومن يعبدهما لم يروا في انفسهم إلا آلهة للتمجيد، ومن حولهم لم يروا انفسهم إلا عبيداً لهم، لا يطيقون فكرة ابعادهم عن عرش المعبودين، فكانوا لهم أذرعتهم التي دفعتهم في الاستماتة للانتقام بقلب بارد وعززت شعورهم بأن الحجج في صفهم، وان لهم الاحقية في اما ان تكون البلد لهم او لا بلد، ولأن طيلة فترة حكم صالح التي تخللتها فترة حكم البيض كانت فترة تعتمد على سياسة تجهيل الشعب فالشريحة الواسعة من غير الواعيين -الذين يؤمنون ان الحل في من يعطيك قوت يومك- واسعة جدا وهم من يعتمد عليها المنتقمون.
وجاء الحوار الوطني و فيهم من يريد الإصلاح ومنهم من مرغم على ان يريد الإصلاح (لا اقصد الإصلاح الحزب) وعمل الجميع على إيجاد حلول لكثير من القضايا الشائكة وما أكثرها في بلدنا، ومنها القضية الجنوبية، رغبة في إيجاد حل لاسترداد حقوق أهل الجنوب التي يزعمون ان اهل الشمال كافة يتنعمون بنعيم مستحقاتهم، والمشكلة انهم عندما يأتون للشمال ويرون الحال يستطيع أي منهم ان يجزم ان السرقة قامت بها المجموعة المعروفة من المسؤولين والمشايخ، والشعب لا يزال يتجرع الألم ويأكل الحصى، ورغم كل الاهانات والكثير من التهم والتعسف الذي طال أهل الشمال كمواطنين لا دخل لهم، إلا انهم كانوا ولا يزالون يرون ان الحقوق والمظالم لابد وان ترد لأهلها، ولو علم أصحاب المظالم ان من يطالبون بحقوقهم لن يردوا لهم (سنت) لما دعموهم هذا الدعم الأعمى فكل من يطالب بحقوقهم هنا يكسب من وراءه الشهرة والمال والفائدة ولا يلتفت لهم ولن يلتفت لهم، والدليل ان كل ما قاموا به في الحوار الوطني هو افتعال المشاكل ومن ثم الانسحاب في اللحظات الأخيرة من المؤتمر عندما اوشك المؤتمر على إيجاد الحلول، ولو انهم لم يكونوا باقيين لأجل الفلوس اليومية المدفوعة لهم لانسحبوا (إن كان انسحابهم مبرر) من اول فترة ليس بعد ان اكلوا اكبر قدر ممكن من المرتبات. في كل حال ما لا يدركه الجنوبيون المطالبون بالانفصال ان الانفصال الكلمة التي أصبحت مستهلكة أكثر من اللازم لن ترد لهم حقوق او ترفع من شأنهم شيئا، ليس تهديدا او تشاؤم وانما حسابات واقوال اقتصاديين، فالانفصال يعني قلة عدد السكان أي نقص في عدد المستهلكين، حتى ان الدول التي تعاني من نقص السكان ووفرة الموارد دائما ما تدعو للهجرة لها وتسهلها للحصول على سكان أكثر.
الدعاوى التي تقول بأن تمسك أهل الشمال بالجنوب لأنهم فقراء وسيموتون جوعا دون موارد الجنوب ونفطها ومواردها هي عبارة عن جمل تطلق ليرددها الطبقات الجاهلة في الشعب ويشعرون بأنهم بمجرد ان ينفصلوا ستصير بلادهم وديانا وانهارا وسينتقمون من الشماليين، الذين يعيشون الآن رفاهية وثراء وفي جنة عرضها السماوات والأرض، حتى سيصبحون بمجرد الانفصال – الشماليين- يشحتون فيزا الدخول الى أرضهم المنشودة، فقط دعونا نعود قليلا الى أيام الامامة، كنا دون جنوب ويٌذكر ان كان لدى اليمن من المحصول الزراعي من دينت به السعودية المجاورة التي بمجرد هطول النفط صارت تحسب انها على كل شيء قدير، أي أن الارزاق لا تأتي بالموارد، تأتي بالعقول. فكم من الدول الفقيرة بالموارد كماليزيا اعتمدت على السياحة والزراعة وغيرها من الدول، فكما قلت هي مسألة تعليم وحب وطن وازاحة فساد، ولكن كلمة الانفصال صارت الكلمة التي لا يريدون التخلي عنها، ولا نقف ضد الانفصال طمعا في موارد الجنوب الفائضة التي ستحول ارضهم الى جنة وعيشة لا مثيل لها، وانما وعيا منا بأن الانفصال ما هو إلا مدعاة للتفكك ومشروع طمع في الحصول على السلطة والشهرة والمال من قبل القلة المتصدرين الآن للدعوة بالانفصال، ولو كان المطالبون الحقيقيون يملكون قليلاً من الوعي لقبلوا بحل الفيدرالية تلبية لمطالبهم ومصلحة للجميع، ولكن كما قلت يصور لهم ان ما إن يتحقق الانفصال وسيصبح كل منهم يتقلد الذهب والحلل والقلائد.
الهبّة الشعبية التي تمت بمباركة صالح والحوثي والحراك المزعوم، ستحدث فقط لتلميع القائمين عليها واعجابهم بأنهم يلعبون دور الابطال القوميين المحررين والمخلصين للشعب من وطأة الظلم، وستمر الأيام التي ستثبت ما وراء الهبة وما تبعاتها. وربما سيدرك حينها المتحمسون للانفصال ما لا يدركوه.