رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك يقدّم استقالته لرئيس مجلس القيادة الرئاسي    وقفة تضامنية بمأرب تندد باستهداف الصحافة وتدعو لإطلاق سراح الصحفيين المختطفين    عاجل: قوات العمالقة تقضي على مجموعة حوثية في أطرف مأرب اليمنية    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    عدن تستغيث: لا ماء، لا كهرباء، لا أمل    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    عقد أسود للحريات.. نقابة الصحفيين توثق أكثر من 2000 انتهاك خلال عشر سنوات    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية قانونية مجرّدة لتعديل قانون السلطة القضائية
نشر في المصدر يوم 05 - 01 - 2014

تعرض القانون رقم (1) لسنة 1991م الصادر بشأن السلطة القضائية، للكثير من التعديلات، جُلها تم بتسرع ودون دراسة، إذ كانت التقديرات الفردية في أحسن الأحوال هي التي تقترحها، لهذا كانت بتعددها، ترتب، وتنظم، أحكام تعني بالاستحواذ على الاختصاصات فقط، إذ عملت بعض الهيئات القضائية على الافتئات على اختصاصات هيئات أخرى داخل المؤسسة القضائية، وظهر الأمر كأنه صراع بين أفكار تتعاقب، للسيطرة والاستحواذ على أكبر قدر ممكن من اختصاصات المؤسسة القضائية.

آخر هذه التعديلات قدمتها حكومة (الوفاق) كمصفوفة بمقترحات تشريعية تهدف إلى سحب مُجمل وأهم الاختصاصات التي تمنح وزير العدل المشاركة في رسم السياسة العامة للسلطة القضائية، وتسليمها لمجلس القضاء الأعلى، هذه المقترحات، وللأمانة نقولها لم تكن توجد لولا إصرار، ومتابعة، وزير العدل القاضي مرشد العرشاني الذي على خلاف من سبقه من وزراء العدل، دعم وتبنى هذه المقترحات التشريعية، في حين كان من قبله، يسعون بقوة للاستحواذ على اختصاصات إضافية، ولتحقيق هذا كانوا يفتأتون على اختصاصات الهيئات الأخرى، مع استثناء محدود في فترة قصيرة كان فيها وزير العدل فضيلة الأستاذ اسماعيل الوزير الذي في عهده قُدِمت الاستراتيجية الوحيدة حتى الأن لإصلاح وتطوير القضاء، والتي للأسف وأدت مباشرة بُعيد تعيينه في موقع خارج السلطة القضائية.

لكن هل هذا المشروع المُقدم من وزير العدل حالياً القاضي العرشاني والذي تم (رسمياً!!) إقراره كقانون قبل أيام قلائل من الآن كافياً لتنقيح مكامن الضعف في المصفوفة التشريعية المُرتبة للقضاء؟!، وهل صدر هذا القانون بطريقة مشروعة؟!، هذا سيكون محور الحديث الأول لهذه الكتابة، بينما موضوع المحور الثاني سيتعلق بأهداف هذا المشروع وإيجابياته، في حين سيتطرق المحور الثالث لأوجه القصور التي وقعت فيها هذه التعديلات، مع مقترحات بمعالجتها، وللتوضيح في ما يتعلق بمنهجية هذه الكتابة أن لفظ «التعديل» الوارد في السطور القادمة، يُقصد به أين ما ورد ( القانون رقم (27) لسنة2013م بشان تعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية وتعديلاته)، كما يلزم الإشارة إلى أن بعض النصوص الواردة في هذا القانون محل القراءة، إنما هي امتداد في حكمها لنصوص سابقة، عُدلت اجرائياً مع احتفاظها بجوهر حكمها القديم، ولعدم الجدوى من العودة للنص الأصلي، وحتى يمكن اختصار هذه الكتابة إلى أقل قدر ممكن - ليمكن نشرها- تم الاكتفاء بمناقشة النص الوارد في التعديل، دون الإشارة إلى أصل النص القديم، إلا في حالات مُعينة وجب عندها العودة للنص الأصلي لتوضيح حُكم ما، على اعتبار أن صدوره في هذا التعديل بالحكم الأصلي نفسه، يعد قبولاً من التعديل بهذا الحكم، فلزم مخاطبته هو دون غيره.

المحور الأول: مشروعية التعديل
كما سبق الحديث، فقد اقترحت الحكومة مصفوفة لمشروع تعديل لقانون السلطة القضائية، تكفل وزير العدل القاضي مرشد العرشاني بتبنيه ابتداءً، وعمِل على إقناع مجلس الوزراء بأهميته، ومن ثم دافع عنه أمام مجلس النواب، بعد إقرار مسودة المشروع من الحكومة، وتقديمه لمجلس النواب، تم مناقشته من قبل المجلس، في عدة جلسات، إلا أن جلسة إصداره الأخيرة، تخللت فترة مقاطعة أحزاب اللقاء المشترك لجلسات مجلس النواب، بسبب خلاف سياسي بين الكتل المُمثلة للأحزاب في مجلس النواب حول آلية الموافقة على التشريعات الصادرة من المجلس خلال الفترة الانتقالية التي نعيشها سياسياً الأن، فكان صدور مشروع القانون من المجلس في ظل مقاطعة كتلة المشترك التي ينتمي إليها وزير العدل، ووزير الشؤون القانونية، ومع هذا تتابعت الإجراءات الدستورية، حيثُ تم رفع مشروع القانون بعد صدوره من مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية، الذي وفقاً للإجراءات الدستورية لإصدار التشريعات يتحتم عليه بناءً على المادة (103) من الدستور إصداره، أو إعادته إلى مجلس النواب خلال فترة ثلاثين يوماً مسبباً الإرجاع بالمبررات، إلا ان ما تم في هذا المشروع، أن الرئيس لم يرجع المشروع إلى مجلس النواب، ولم يصدره كقانون خلال فترة الثلاثين يوماً، أو بعدها باسبوعين، وهو بهذا ووفقاً لنص المادة السابقة من الدستور، يكون قد تخلى عن حقه الدستوري طواعية، و يكون المشروع قانوناً نافذاً بقوة الدستور، دون الحاجة لإصدار المشروع من رئيس الجمهورية، فامتناع رئيس الجمهورية عن إصدار المشروع لا يعطله، لكن بقت معضلة دستورية تتمثل في ضرورة نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، وهو مالم تقم به وزارة الشؤون القانونية، فمثل هذا مخالفة دستورية واضحة، إلا أنه بعد التسوية السياسية لأزمة مجلس النواب، وعودة كتلة المشترك إلى قاعته، وتسوية مشاكل أخرى بين الأحزاب الممثلة بمجلس النواب، أصدر رئيس الجمهورية هذا المشروع بقرار متأخر، خلق حالة من الذهول، والاستغراب في الوسط القانوني، إذ كيف يصدر رئيس الجمهورية قانونًا هو نافذًا بقوة الدستور بعد عدة أشهر من نفاذه؟!، بينما الدستور ألزمه بإصدار القانون خلال مدة ثلاثين شهراً وأسبوعين كحد أقصى وفق ما تقدم تفصيله، فكان هذا مخالفة دستورية أخرى شابت إصدار هذا التعديل، وهي فرصة لدعوة مكتب رئاسة الجمهورية بضرورة مراجعة أداء الشؤون القانونية بمكتب الرئيس، إذ لا يُعقل توريط الرئيس في مخالفات دستورية كهذه.

إذن، مما سبق، يُمكن القول: أن إصدار هذا التعديل شابه الكثير من المخالفات الدستورية التي لم تكن ستقع لو أن جميع المؤسسات التزمت بإجراءاتها الدستورية المنصوص عليها في المادة (103) من الدستور، ومن هنا لا يمكن لأي قانوني يحترم مهنيته، أن يجزم قطعًا، أن هذا التعديل نقيًا لا غُبار عليه من حيث مشروعيته!.

من المهم التنويه في آخر هذا المحور الأول من هذه الكتابة، أن الحكم (المشهور) الصادر من الدائرة الدستورية ([1])، القاضي بعدم دستورية مواد في قانون السلطة القضائية، كان قد تضمن سحب مشروعية مجموعة من النصوص القانونية المُعدلة بهذا القانون، كما تضمن كذلك سحب مشروعية نصوص أخرى لم يتضمنها هذا التعديل، بعد الحكم تقدم وزير العدل بمشروع جديد، لتعديل قانون السلطة القضائية وفق ما ترتب على هذا الحكم من أحكام جديدة، إلا أن مجلس النواب رفض من حيث المبدأ مناقشتها، وأصر على ضرورة العمل أولاً بالتعديل السابق - موضوع هذه الكتابة-، وهو ما حدا بوزيري العدل، والشؤون القانونية، للعودة على بعث هذا التعديل من جديد، وفقاً للقاعدتين الشرعيتين الشهيرتين (الميسور لا يسقط بالمعسور) ومن ثم ( ما لا يترك كُله لا يترك جُله)، قبل أن يقنعا من جديد المجلس بنظر حزمة مشروع بتعديلات قانونية جديدة لمعالجة ما ترتب على الحكم المُشار إليه آنفاً، مما يعني أن قانون السلطة القضائية سيتعرض في ظرف أقل من ستة أشهر لتعديلين، إضافة إلى التعديلات السابقة التي صدرت في سنوات سابقة.

المحور الثاني: أهداف التعديل وإيجابياته
بكل تأكيد فإن هذا التعديل مُختلف تماماً من سابقاته، أولاً: من حيث أن غرض التعديل هذه المرة هدف إلى سحب اختصاصات، ومنحها لجهة غير الجهة المتبنية لهذا التعديل، ثانياً: أن هذا التعديل عمِل على معالجة، وإكمال أحكام جاءت عبر تعديلات سابقة، منها مثلاً تلك التي رتبت فصل موقع رئيس مجلس القضاء الأعلى عن مهام رئيس المحكمة العليا الذي كان يشغل الموقعين وفق تعديلات قانونية سابقة لقانون السلطة القضائية، وهذه تعديلات كان يقتضي أن تتضمن اختصاصات لرئيس المجلس من جهة، وللمجلس بالعموم من جهة أخرى، وهو ما لم يحدث، ثالثاً: صدرت هذا التشريعات وفق الغرض المُعلن، وهو الحد من تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء التي تتم بالعادة عبر نافذة اختصاصات ومهام وزير العدل، وهذه كلها في مجملها أغراض سامية، بغض النظر عن أي شيء آخر!، تستلزم الشكر من جديد لمن تبنى هذا التعديل، ودافع عنه.

المحور الثالث: مثالب التعديل
بكل تأكيد تبقى الأعمال البشرية قاصرة، أقصى ما تتطلع إليه من كمال!!، هو الكمال الإنساني فحسب، وحتى هذه هيهات أن تحدث إلا في ما ندر، وبتوفيق من الله إن أراد سبحانه، إن من ما وقع فيه هذا التعديل من قصور ابتداءً، هو ما ظهر وكأنه جهلا ببعض المصطلحات، والمسميات، وخلطًا لها، فالتعديل لم يراعِ التمييز بين طبيعة قرار رئيس الجمهورية، وطبيعة القرار الجمهوري، إذ من المعلوم أن قرار رئيس الجمهورية في حقيقته قرارًا كاشفًا لذات وإرادة، وقناعة رئيس الجمهورية فقط، بينما القرار الجمهوري قرارًا يكشف عمل مؤسسي، تقترحه وتنفذه مؤسسات الدولة تسلسلاً من التكوين المختص بالمؤسسة المعنية، مرورًا بالوزير المعني، فرئيس مجلس الوزراء، وأخيرًا رئيس الجمهورية، ويوقع في مسودته، الوزير، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس الجمهورية، بمعنى انه قرارًا يكشف توجه حكومي، وبالتالي فإن اشتراط صدور قرار جمهوري لتعيين القضاة ما دون أعضاء المحكمة العليا كما جاء في المادة (59) من التعديل، يعني من طريق مختلفة، أن وزير العدل حتماً يجب أن يوقع على مسودة هذا القرار، وحينها ستنهار فكرة، وغرض هذا التعديل، المُبينة بالمحور الأول من هذه الكتابة، ما دام وأن وزير العدل يستطيع أن يعطل القرار برفض التوقيع عليه، وما دام أن إصداره يستوجب أن يمر على السلطة التنفيذية لتوقيعه!!.

كما أن من المثالب التي وقع فيها هذا التعديل ترتيبه القاصر لإجراءات ترشيح، واختيار، وتعيين، رئيس المحكمة العليا، وكذا النائب العام، ورئيس هيئة التفتيش القضائي، ففي هذه الاجراءات كما سيأتي من الخلل ما يعدم فعاليتها، إذ جاء في المادة (59) من التعديل، أن رئيس المحكمة العليا، يُعين بقرارٍ يصدر من رئيس الجمهورية، بناء على عرض من رئيس مجلس القضاء، بعد موافقة المجلس، من بين قائمة ترشيح بأسماء تعدها، وتقدمها، هيئة التفتيش القضائي، وفي هذا الإجراء خلل واسع يظهر في أكثر من وجه، فمن المنصوص عليه دستورياً، أن المحكمة العليا أعلى هيئة قضائية، ومن ثم فإن إعداد قائمة اسماء مُقترحة لشغل موقع رئيس أعلى هيئة قضائية، من هيئة أدنى هي هيئة التفتيش القضائي، يتعارض مع هذا العلو، وهو ما سينال من السمو الدستوري للمحكمة العليا عن بقية الهيئات القضائية، إذ سيجعل رئيس المحكمة العليا مرهوناً في إرادته لهيئة أدنى، ومن المفارقات أن التعديل نص على أن يكون ترشيح رئيس هيئة التفتيش من رئيس المجلس مباشرة!، وهذا يُمكن أن يفسر بانه ترفيع، وتمييز قانوني لمنصب رئيس هيئة التفتيش القضائي على منصب رئيس المحكمة العليا، وهذا لا يتسق مع الدستور، والتشريع؛ من وجه آخر فإجراءات التعيين هذه بحد ذاتها صادمة جداً للعقل، والمنطق، ولا تتسق مع الواقع العملي بالمطلق، فمن المعلوم أن رئيس المحكمة العليا عضوًا بمجلس القضاء الأعلى، بينما النص في التعديل يشترط موافقة مجلس القضاء لتعيينه ابتداءً!، فهل يُعقل أن يناقش رئيس المحكمة العليا داخل المجلس باعتباره عضوًا فيه قائمة مُعدة من هيئة التفتيش القضائي لاختياره هو رئيسًا للمحكمة أو بترشيح غيره بديلاً عنه، وهو ما ينطبق أيضاً على ما جاء في اجراءات تعيين النائب العام، وكذا اجراءات تعيين رئيس هيئة التفتيش القضائي وفقاً للمادتين( 60،92/و) من التعديل، ووفقاً لهذه الاجراءات سيتعين على رئيس المحكمة العليا، أن يناقش مقترح بترشيح نائباً عاماً للجمهورية، والنائب العام هو كذلك سيناقش داخل المجلس مقترح بتعيين رئيساً للمحكمة العليا، و رئيس المحكمة العليا سيناقش مقترح بتعيين رئيساً لهيئة التفتيش القضائي الذي كفل له القانون اعداد قائمة ترشيح يعرض رئيس وأعضاء مجلس القضاء أسماً منها، رئيساً للمحكمة العليا!! وعرضه على رئيس الجمهورية لإصدار قراراً بذلك، والحال ينطبق على رئيس هيئة التفتيش القضائي كذلك الذي سيناقش مقترح بتعيين نائباً عاماً للجمهورية، ورئيساً للمحكمة العليا؛ فتكون النتيجة البديهية لهذا، أن كل واحداً من هؤلاء سيعين الآخر، أو لنقل سيناقش موضوع تعيين نفسه، وكذا تعيين زملائه وفق ما تقدم، وهو ما يعني استحالة تنفيذ هذه الاجراءات بنزاهة، وبدون شبهة تحايل، أو تجاوز، لتداخل المصالح!!، وهذا وضع كان يجب تصوره عند مناقشة اقتراح هذه الاجراءات في مسودة المشروع الأولى، ومن ثم معالجته، فمع افتراض التطبيق النصي للقانون؛ ستكون أي تعيينات خارج هذه الاجراءات لشغل هذه المواقع باطلة قانوناً، لأنها اجراءات مُعينة، ومحددة، تعيينًا، وتحديدًا، دقيقاً، لا تقبل اجتهاد مُخالف.

إن مثل هذه الاجراءات قد تبدو طبيعية جداً، وواقعية، بل وفعالة جداً، في حالة واحدة!!، أن تم تحديد فترة زمنية محددة لشغل هذه المواقع، بحيث لا يجوز بعد انقضائها تعيين شاغلي هذه المواقع، في ذات الموقع مرة أخرى، هُنا يمكن استيعاب فكرة أن يناقش هؤلاء موضوعاً متعلقاً بترشيح، واختيار، و تعيين البديل المناسب لهم، لأن فترتهم القانونية قد انتهت، ولم يعد لهم أي خيار آخر، ووقتها ستظهر هذه الاجراءات بشكل مقبول، و معقول!!، لكن هل يُمكن لهؤلاء أياً كانوا اقتراح او حتى الموافقة على مثل هذا الحكم؟!!، بمعنى هل يقبل هؤلاء باقتراح تشريعات تحدد فترة شغل مواقع المسؤولية هذه بمدة زمنية محدودة؟!!، هُنا تظهر أهمية مبدأ استقلال السلطة التشريعية، إذ أن السلطة التشريعية في الأصل، لا يهمها عند التشريع، أن تحمي ألف، أو باء في ما تقره من أحكام، وقواعد، وإجراءات، ولن تسعى لتفصيل تشريعات قانونية تحفظ لرئيس المحكمة العليا، أو النائب العام، أو رئيس هيئة التفتيش القضائي، مواقعهم إلى الأبد!!.

ومن ضمن ما يؤخذ على هذا التعديل أنه تجاهل واقع وطبيعة علاقة النائب العام بأعضاء النيابة عندما لم ينص صراحة أو ضمناً أن للنائب العام الحق المباشر في إدارة عملية التفتيش على وكلائه الذين هم أعضاء النيابة بتدرج صفاتهم، ومهامهم، فعلاقة أعضاء النيابة بالنائب العام وفقاً للمادة (54) من التعديل علاقة تبعية، بكل ما يحكمها من أصول، وقواعد عامة، تُرتب علاقة التابع بالمتبوع، ومن هنا كان من الضروري على التعديل أن يمنح النائب العام سلطات إشرافية على عملية التفتيش على أعمال أعضاء النيابة، من خلالها يناقش، ويوجه، و يرسم حركة هذا التفتيش وإجراءاته، وهو ما كان ممكنًا ترتيبه في فقرة خاصة ضمن المواد التي رتبت نصوصها آلية عمل هيئة التفتيش القضائي، فهذا التجاهل من شأنه أن يجعل النائب العام يتحرك مُستقبلاً في هذا الاتجاه بعيداً عن أروقة هيئة التفتيش القضائي، وهو ما سيتسبب في نشوء تصادم وازدواج عند تقييم أعمال أعضاء النيابة بين النائب العام، وهيئة التفتيش القضائي، إلا أنه يُمكن تلافي هذا القصور في لائحة هيئة التفتيش القادمة التي سيصدرها رئيس المجلس وفقاً للمادة (95) من التعديل.

وعلى هذا المنوال يمكن التساؤل في اتجاه آخر هل لرئيس محكمة الاستئناف حق تنبيه رؤساء، وقضاة، المحاكم الابتدائية وفق ما جاء في المادة (90) من هذا التعديل؟!، في الحقيقة أن علاقة القضاة العاملين في إطار اختصاص محكمة الاستئناف برئيسها تختلف عن علاقة أعضاء النيابة العامة برؤسائهم، ففي القضاء لا تبعية للقاضي لأحد، و تحتكم علاقة القاضي بالقاضي الأرفع منه في مستوى المحكمة الابتدائية، أو الاستئنافية داخل إطار قضائي يرتبها القانون الموضوعي والإجرائي؛ و من المتوقع أنه مع طول الفترة الزمنية لاستخدام رئيس محكمة الاستئناف لهذا الحق سيؤسس هذا بطريقة غير مباشرة، نواة لعلاقة تبعية حتماً داخل نفسية القضاة مُستقبلاً، كما سيتسبب هذا بإثارة شبهات مستمرة بالانحياز ستضر بمصلحة التقاضي؟!، إذ أن مباشرة مثل هذا الحق المُعين في المادة السالفة الذكر، قد يفضي بالأخير إلى وقوع رئيس محكمة الاستئناف في حرج، حال ما تضمن تنبيهه للقاضي، تصرف محدد قام به هذا الأخير، في قضية معينة يختص بنظرها في ما بعد استئنافاً رئيس محكمة الاستئناف نفسه، ولهذا كان الأولى قصر حق التنبيه لهيئة التفتيش القضائي فقط، ولا يوجد ما يمنع حتى بدون نص رئيس محكمة الاستئناف من العرض على هيئة التفتيش بما يقف عليه من اختلال جسيم، يضر بالعدالة، في شخص، أو تصرف القاضي العامل في إطار اختصاص محكمة الاستئناف، كما لم يكن التعديل موفقاً في تأكيده لحكم ورد في نص سابق ضمن قانون السلطة القضائية، ميز نعتاً فحسب بين التنبيه الشفهي، والتنبيه الكتابي، فبينما أفرد اجراءات للتظلم من التنبيه الخطي، لم ينص كذلك في ما يتعلق بهذا الجانب عند التنبيه الشفهي، كما لم يبيَن كيف يصدر هذا النوع من التنبيه، وبأي طريقه يمكن إثباته، لهذا تخلى التعديل عن هذا النوع من التنبيه سريعاً في المادة (91)، عندما نص أنه لرئيس مجلس القضاء تنبيه القضاة كتابة، ولم يشر إلى التنبيه الشفهي المُبتكر في المادة (90) من التعديل وفي أصلها القديم من قانون السلطة القضائية أيضاً!!، ومع هذا حتى في المادة (91) كان التعديل غير موفق وهو يحيل النظر في التظلم من التنبيه الذي يصدره رئيس مجلس القضاء إلى مجلس القضاء!!، إذ كيف يتظلم قاضٍ من تظلم أصدره رئيس المجلس، إلى المجلس الذي يرأسه مصدر التنبيه وهو الذي يسيطر ويهيمن عليه قانوناً ويرأس جلساته، ومداولاته!؟ هُنا كان يستحسن أن يحال الحق في نظر التظلم الصادر من رئيس مجلس القضاء الأعلى - في حال كان ولابد من منحه مثل هذا الحق-، إلى المحكمة العليا لتنظره الدائرة الإدارية بصفة مستعجلة، كما لم يلزم النص في المادة (91) أن تُودع نسخة من تنبيه رئيس المجلس في هيئة التفتيش، بينما ألزم تسليم نسخة من قرار المجلس إلى الهيئة حال رفض التظلم من هذا التنبيه، أو تم قبوله، بحسب ما يدل عليه مفهوم النص، وهذه هفوة وقع فيها التعديل، إذ قيد في هذا النص حق التظلم باجراءات متعددة، بينما لم يرتب أي اجراءات سابقة لإصدار التنبيه، إذ ترك الأمر فقط لقناعة، واجتهاد، وإرادة رئيس المجلس، فبدا هذا النص كأنما أريد به تحصين تصرف رئيس المجلس، وهذا غير عادل، ولا يستقيم مع فكرة ان مجلس القضاء بمكوناته إنما هو مجلس ضمان للقاضي، و لا عبرة بما جاء في المادة (90) في ما يتعلق بإرسال نسخة من التنبيه إلى هيئة التفتيش حال كان التنبيه صادر من جهة غيرها، لكون حق التنبيه الممنوح لرئيس المجلس محكوم بنص خاص لا يسري عليه الحكم العام، بل أنه بالعودة إلى أصل هذا النص قبل التعديل والذي كان فيه حق التنبيه ممنوحاً لوزير العدل، يلاحظ أن ذلك النص اشترط مجموعة من الاجراءات التي تقيد ابتداءً استخدام هذا الحق من مثل تمكين القاضي من حقه في الدفاع قبل توجيه التنبيه، وعموماً يبق حق رئيس مجلس القضاء في تنبيه القضاة غير عملي، وزائد، غير عملي لأن رئيس المجلس ليس له الحق في تقييم عمل القضاة بالمطلق إلا وفق ما تقتضيه طبيعة دور مجلس القضاء عند مناقشة تقارير هيئة التفتيش القضائي، وزائد لأنه مع تبعية هيئة التفتيش للمجلس، وخضوعها لإشراف رئيسه وفقاً للمادة (92) من التعديل، وهي الجهة التي لها فقط الحق في التفتيش على أعمال القاضي المتجاوز لافتراض أن عملها بهذا الصدد ستحكمه لوائح، وأنظمة دقيقة لإجراءات التفتيش، ونتائجه، تمثل ضمانة أكيدة لأن مثل هذا الحق لن يستخدم كسيف مسلط على رقبة القاضي، مع هذه التبعية يكون من اليسير التفتيش سريعاً على أعمال القاضي، وكذلك تمكينه من الدفاع عن نفسه حول الواقعة محل التنبيه المُفترض، ومن ثم يكون من غير المناسب منح حق تنبيه القضاة مطلقاً لرئيس المجلس بعيداً عن مداولة المجلس، ودون تقييد هذا الحق بضابط، وضمانات، تمنع استخدامه بطريقة تعسفية، أو متسرعة.

كما أصر التعديل على الاستمرار في خطأ ورد في قانون السلطة القضائية بنسخته الأصلية (قبل التعديل)، عندما سمح بندب القضاة لأعمال ومهام خارج السلطة القضائية، وفقاً لنص المادة (66)، وهذا يُمكن السلطة التنفيذية من التأثير بوسيلة غير مباشرة على القرار داخل القضاء، فزد على أن العمل في السلطة التنفيذية بمغرياته سيعتبر مكرمة من السلطة التنفيذية لعضو السلطة القضائية المنتدب، فإن هذا العضو خلال فترة الانتداب في أعمال تتبع السلطة التنفيذية، ستتقبل شخصيته للتبعية وتتعايش معها، ومن ثم تتأثر قناعاته بهذا النوع من المصالح!!، كما ستنشأ علاقة مستمرة لأعضاء السلطة القضائية المنتدبين مع السلطة التنفيذية، وهذه شبهة ستعلق بشخص عضو السلطة القضائية عند عودته للعمل من جديد داخل سلطته الأصلية، وفي هذا تجربة عريقة حدثت في جمهورية مصر الشقيقة أثيرت مؤخراً، عندما قامت لجنة اقتراح مشروع الدستور الجديد هناك، باقتراح نص دستوري، يلغي ما نص عليه الدستور السابق من جواز انتداب القضاة في جهات غير قضائية، تحصيناً لاستقلال شخصية القاضي، وضمان لعدم تأثرها بإكراميات، وهدايا، وإغراءات، العمل في السلطة التنفيذية.([2])

ولعل من المهم التعريج على المادة (104) مكرر من التعديل، التي رتبت بالخصوص اختصاصات لرئيس المجلس، فصياغتها على ما يبدو تمت بتسرع ولم تحظ بالدراسة الكافية!!، إذ لم يكن من المناسب أن ينص التعديل على أن رئيس مجلس القضاء يختص بإعداد جدول اعمال المجلس!!، كما جاء في الفقرة (4) من هذه المادة، ولم يكن مُستحسنًا كذلك ما جاء في نص فقرتها رقم (5) من أن من مهام رئيس المجلس أن يطلب التقارير من هيئات، وأجهزة السلطة القضائية؛ فالفقرتين بنصيهما تظهران غير مستوعبتان للمكانة الرسمية العالية لمنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، حتى تكلفاه بمهام من مثل اعداد جدول اجتماع المجلس، وطلب تقارير!!! فهذه أعمال المعاونين من موظفي السكرتارية، والمتابعة، لا من مهام رئيس السلطة القضائية في البلاد!!، وعلى ما يبدو أن هذين النصين بصياغتهما الركيكة هذه، إنما وردت هكذا لغرضين، الأول: تقليص صلاحيات أمين عام المجلس، والتي منحت له بتوسع قبل أعوام ابان ما كان يشغل موقع رئيس المجلس، رئيس المحكمة العليا بحكم منصبه!!، والثاني: التأكيد على مد نفوذ رئيس المجلس إلى كل هيئات القضاء، إذ من المُلاحظ أن نص الفقرة الخامسة من هذه المادة، ورد فيه مصطلحان الأول: "هيئات"، والثاني: "أجهزة"، وإذا كان مسمى "الهيئات" له ما يدعمه في الدستور، والقانون، فإن لفظ "أجهزة" - وهو وصف ورد أيضاً في الفقرة الثانية من هذه المادة- غير دقيق، ولا يتفق مع التكوين الدستوري والقانوني للسلطة القضائية، حتى لو كان القصد منه هو "التغول" على وزارة العدل، ومكوناتها!!، هذا والكمال لله سبحانه، والحمد لله رب العالمين.

-------------
[1] - هناك كتابة قانونية للكاتب من جزئين حول هذا الحكم يُمكن الاطلاع عليها بمراسلة الكاتب.
[2] - جاء بالمادة (239) من مشروع الدستور المُقترح (محل الاستفتاء) في مصر بإنه:( يصدر مجلس النواب قانونًا بتنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية، بما يضمن إلغاء الندب الكلى والجزئى لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائى أو لإدارة شئون العدالة أو الإشراف على الانتخابات، وذلك خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور.) تتبع الرابط http://sharek.dostour.eg/2013/topics/general-transitional/transitional-18-1/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.