مع قرب انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني زاد الحديث عن مسألة ضمانات تنفيذ مخرجات هذا الحوار، وهي مسألة - من وجهة نظري - لا تقل أهمية عن المخرجات ذاتها. ولعل من المناسب، بل والمهم والمطلوب من أعضاء مؤتمر الحوار وقبل أن يرفعوا جلساتهم، أن يعدوا وثيقة متفقا عليها تتضمن آليات وضمانات تنفيذ مخرجات الحوار، وتكون هذا الوثيقة لها صفة الإلزام كباقي وثائق مخرجات الحوار.
وعند الحديث عن ضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار تتزايد وتتزاحم الأفكار حول طبيعة وماهية هذه الضمانات لكي تلتزم جميع المكوِّنات والأطراف السياسية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه دون تلكؤ أو مماطلة أو تسويف.
وفي تصوّري أن من هذه الضمانات الهامة التي تُساعد على تنفيذ مخرجات الحوار على أكمل وجه تتمثل في ما يلي: يجب بداية أن تُصاغ مخرجات وقرارات مؤتمر الحوار الوطني بشكل واضح وصريح ومحدد بعيداً عن الصيغ الغامضة والملتبسة والتي تحمل التأويلات وتعدد التفسيرات والاحتمالات. وضع جدول زمني واضح ومحدد لتنفيذ مخرجات الحوار.
إنشاء هيئة وطنية ممثل فيها كل مكونات الحوار مهمتها متابعة تنفيذ مخرجات الحوار أولا بأول، وتقييم الالتزام بها، وتحديد الجهات أو الشخصيات المعرقلة - إن وجدت- وكشفها للرأي العام المحلي والخارجي واتخاذ العقوبات المتفق عليها ضدها، مهما كانت هذه الجهات أو الشخصيات.
وضع آلية توضح طريقة المتابعة والتقييم وقائمة بالإجراءات التي يجب اتخاذها إزاء كل من يعرقل تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. تضمين المخرجات في الدستور الجديد أو بالأحرى إصدار قوانين وقرارات ملزمة لجميع المكونات السياسية. تشكيل حكومة كفاءات وتكنوقراط تعمل خلال الفترة المحددة على تنفيذ تلك المخرجات، لا تخضع للمُحاصصة الحزبية ويشرف عليها الرئيس مباشرة. اتخاذ ورسم سياسات وضوابط إعلامية فيما يخص مخرجات الحوار تهدف إلى إيجاد وعي وتأييد شعبي واسع لتنفيذ تلك المخرجات بشكل سليم وصحيح. وضع خطة أمنية شاملة بمشاركة قوات الأمن والجيش لضمان الاستقرار الأمني في عموم محافظات الجمهورية دون استثناء، ورفع حالة التأهب والاستعداد للقوات الأمنية والقوات المسلحة في مختلف المناطق والألوية لمواجهة معرقلي مخرجات الحوار أياَ كانوا إذا لزم الأمر. وضع آلية مع المجتمع الدولي توضّح دور الرقابة الدولية وآلياتها وضوابطها لضمان تنفيذ مخرجات الحوار، كما تم في تنفيذ المبادرة الخليجية.
وفي اعتقادي وإضافة لكل ما ذكر، أن الضامن الأساسي لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني هو الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه، الذي ملّ من هذا الوضع الذي لا يسر عدوا ولا صديقاً.
ولذا فإنه من الأهمية بمكان أن تستشعر كافة القوى والأطراف السياسية في الساحة اليمنية حقيقة أن مخرجات هذا الحوار تظل فرصة لا نقول أخيرة، بل قد لا تتكرر على المدى البعيد لإصلاح ما أفسدته الأنظمة السابقة، وأيضا استشعارها خطورة الوضع الراهن وما سيترتب عليه إن استمر بهذا الشكل، في مخاطر وأضرار لا تمس الحاضر فقط بل ومستقبل أجيال هذا الوطن.
فعلى هذه القوى أن تنحي جانباً أنانيتها السياسية ومعاركها وخلافاتها القديمة، ومصالحها الضيّقة؛ لأنه إذا غرقت السفينة - لا سمح الله- فلن يبقى هناك وطن أو مصالح لا ضيّقة ولا واسعة، ولن ينجو أحد - لا قدر الله- إذا انهارت الدولة اليمنية، فلن تجد هذه القوى بعد ذلك ساحة مناسبة لممارسة أي نشاط أو هواية سياسية. فالوطن والشعب في أمسِّ الحاجة إلى لحظة يتنازل فيه كل طرف للآخر حتى يظل الوطن مرفوع الرأس.
وفي الأخير، لا أغالي إذا ما قلت إن من أهم الضمانات هو وجود رئيس وقائد قوي وشجاع وحكيم لا يهاب الآخرين أياً كانوا في سبيل إنقاذ الوطن.
وقد لا أبالغ أيضاً إذا ما توسّمت هذه الصفات في شخص الرئيس عبد ربه منصور هادي، فرجل يوافق أن يتحمّل مسؤولية رئاسة اليمن في هذا الزمن العصيب والوضع السيِّئ من المؤكد أنه رجل استثنائي، ولا نملك إلا أن نقول: كان الله في عون الرئيس والشعب أيضاً..