استغباء الآخرين هو جزء مهم لديمومة الإعلام المؤتمري في عمله، فتوهُّم هؤلاء أن الآخرين مجرد سذّج يمنحهم الأمل في أن يجدوا قراء لما يضخونه من أكاذيب عبر كل منافذهم الإعلامية ولو كانوا يعتقدون للحظة أن المتابع لمادتهم الإعلامية لا يتمتع بهذا القدر الوافر من الغباء لتوقفوا عن نشر أي شيء. ما يكتبه كثير من هؤلاء أشبه ما يكون بتقارير المخبرين المليئة بالمغالطات والتلفيقات بما يمكنهم من الحصول على استحسان رؤسائهم في العمل. وحينما يتعلق الأمر بصحف ومواقع ومنظمات وكتاب أجانب يكون الأمر فاتحاً لشهية أولئك الإعلاميين لتمرير ما يريدون وهم مطمئنون إلى عدم وجود من يتابع ما جادت به قرائحهم منسوباً إلى جهات أجنبية لا يسع المتلقي البسيط التأكد مما نسب إليها.. وهكذا بقي هذا الإعلام لسنوات يمرر تقارير مغلوطة عن صحف ومجلات أجنبية وخاصة "فورن بولسي" كموقع، وعن الكاتبة "ساندرا إيفانس" التي لم يكن لها وجود أصلاً إلا في درج أحمد الصوفي.
قبل أيام نشر موقع "المؤتمر نت" تقريراً بعنوان "تقرير دولي يرصد جرائم الإصلاح بحق معارضيه في اليمن" استند الموضوع إلى التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية لكن المحرر المؤتمري كتب تقريره الخاص الذي يمكن وصفه بتقرير منظمة "العفش" الدولية والذي لا علاقة له بتقرير منظمة العفو الدولية، فقد لجأ إلى خلط تلك الأخبار المتعلقة بتراكمات حكم صالح مع تلك المتعلقة بالفترة الانتقالية مع استياء المنظمة من عدم تطبيق العدالة بحق أركان النظام السابق ونسبتها جميعاً للمرحلة الإنتقالية عموماً ولحزب الإصلاح خصوصاً.
ولتعرف حجم المغالطة يكفي أن تقرأ مطلع تقرير المنظمة الذي يدين صالح في عدة مواضع ولا يتعرض للإصلاح إلا في موضعين ليس في معرض الإدانة بل في معرض الشك بضلوعه فيها بناء على ما تم تداوله عقب وقوع الحدثين. تستهل المنظمة تقريرها هكذا "تحسن وضع حقوق الإنسان خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة عام 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ومع ذلك، استمر الافتقار إلى معلومات عن مصير من اعتُقلوا أو اختفوا خلال عام 2011، وترسخ الإفلات من العقاب عن الانتهاكات التي ارتُكبت في ظل حكم الرئيس علي عبد الله صالح من جراء قانون جديد للحصانة". في حين يستهل محرر "المؤتمر نت" تقريره هكذا: "كشف تقرير دولي صدر مؤخراً عن انتهاكات لحقوق الانسان في اليمن، وأشار التقرير الى حدوث نكسات وبروز تحديات على طريق حرية التعبير على أسس دينية أو أخلاقية في دول الربيع العربي ومن ضمنها اليمن. وتحدث التقرير عن مواجهة نشطاء حقوق الإنسان والنشطاء السياسيون للقمع حيث سُجن العديد من الرجال والنساء بسبب تعبيرهم عن آرائهم، وتعرضوا للضرب أو القتل في الاحتجاجات السلمية، أو للتعذيب في الحجز أو المنع من السفر أو المضايقة على أيدي عملاء الدولة" ثم يقفز تقرير منظمة العفش الدولية هذا إلى ما يريد تمريره عن جرائم الإصلاح ليبرر به عنوانه.. فيورد مسترسلاً عن التقرير الأصلي للمنظمة الأصلية: "استعرض التقرير العديد من الانتهاكات المسجلة منها ما تعرض له الناشط عبد الرؤوف السقاف و4 من زملائه لاعتداءات متكررة بالضرب بأعقاب البنادق والسجن الانفرادي في زنزانة ضيقة مليئة بالصراصير وتفتقر إلى الإضاءة والهواء النقي، كما تعرض عبد الرؤوف السقاف للضرب المبرِّح على أيدي مجهولين على صلة مع حزب الإصلاح" في حين أن التقرير الأصلي يذكر هذه الواقعة التي حدثت أواخر 2012 ويقول "تعرض عبد الرؤوف السقاف للضرب المبرِّح على أيدي مجهولين على صلة مع حزب الإصلاح، فيما يبدو"..
طبعاً صاحبنا أسقط عبارة "فيما يبدو" ليحول الإصلاح من طرف تحوم حوله الشبهة بسبب الإثارة الإعلامية إلى طرف مدان تماماً.. النص الآخر الذي اقتبسه المحرر إياه جاء هكذا "طبقاً للتقرير فقد قلَّ حضور النساء والفتيات في مخيمات الاحتجاج بعد أن تعرض بعضهن للترهيب أو الضرب في عام 2011 على أيدي عدد من النساء، اللاتي تربطهن صلات مع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح)، وهو أحد الأحزاب الرئيسية المعارضة(سابقاً) ويرفض مشاركة النساء والفتيات إلى جانب الرجال في المسيرات كما يرفض المظاهرات المناهضة لقائد الفرقة الأولى مدرع". في حين جاء في التقرير الأصلي "قلَّ حضور النساء والفتيات في مخيمات الاحتجاج بعد أن تعرض بعضهن للترهيب أو الضرب في عام 2011 على أيدي عدد من النساء، اللاتي تربطهن صلات على ما يبدو مع «حزب الإصلاح»، وهو أحد الأحزاب الرئيسية المعارضة ويرفض مشاركة النساء والفتيات إلى جانب الرجال في المسيرات كما يرفض المظاهرات المناهضة لقائد الفرقة الأولى مدرعات".
المحرر الأمني أسقط أيضا كلمة "على مايبدو" حتى يخرج القضية من دائرة الشك لليقين ثم تطوع غير مشكور بإضافة كلمة الإخوان المسلمين للإصلاح ثم إضافة كلمة سابقا لوصف الإصلاح بالمعارضة للإيحاء أن الإصلاح هو الحزب الحاكم المدان في أي تجاوزات طالت المعارضين.. في هذين النصين فقط ورد ذكر الإصلاح في حين أن التقرير طويل جدا ويتناول قضايا كثيرة منها ماهو مرتبط بحقبة صالح أو إبان الثورة عليه أو ما أعقب الثورة من انتهاكات طالت من شاركوا فيها لكن المؤتمر نت حول تقرير منظمة العفو الدولية إلى عنوان عريض "تقرير دولي يرصد جرائم الإصلاح بحق معارضيه في اليمن" وتبعته المواقع المرتبطة به وسيتم ترويجه لاحقا في كل وسائل الإعلام الموالية. لم ينسَ الموقع أن يضع مجموعة لصور لجرائم حدثت خلال السنتين الماضيتين لجرحى وقتلى ومعتقلين لزوم الإثارة و الربط بين الصور والعنوان بغض النظر عن مضمون التقرير.