حين كانت جدتي تحنّ لجارتها اليهودية التي فارقتها في ليلة حزينة الى اسرائيل، حكت لنا كيف كانت جارتها تربي أطفالها. فما إن يبدأ الطفل باستيعاب الأشياء حتى تقوم بعمل "صُلعة" (وهي فطيرة معجونة بالبيض والحليب وقليل من الدقيق فكانت تعدّ ألذّ ما يمكن أن يحصل عليه الطفل في ذلك الوقت)؛ وكما تذكر جدتي أن جارتها كانت تجعل تلك الصُلعة ذات مواصفات عالية في الإتقان فتمدها له من أمام وجهه وتخطفها جدته الواقفة خلفه بخفة شديدة وتخفيها تماماً عنه، وحين يبدأ بالصراخ يقولان له: "هذا محمد شلّ صلعتك".. فيكبر الصغير لا يعرف عن محمد سوى أنه خطف أجمل صُلعة حصل عليها. كذلك نحن في مجتمعاتنا العربية قامت أنظمتنا بخبز ثقافة "الإسلامي شل صلعتك" فلم يسبق أن حكم الإسلاميون أي دولة عربية الا أن نسبة غير بسيطة من الشعوب تخشاهم وتخشى بطشهم وكأنما هي ترفل في نعيم الحرية! فما إن يذكر احتمال صعودهم الى السلطة حتى نتخيل القيود التي ستفرض عيلنا في ملبسنا وكلامنا وسلوكنا وهواياتنا.
من الملفت للانتباه أن الأكثر قراءة في زمن الزيف السابق هم الأكثر رعباً فتجد اليساري الذي وقع تحت قيود الأنظمة العربية الفاسدة حيث اُعتقل هو ورفاقه ونفوا واغتيلوا على يد الأنظمة القومية في مصر وسوريا والعراق وليبيا وتونس والجزائر ,.... لا يخشى على حياته وحريته سوى من الإسلاميين وفقط الإسلاميين! لا ينسى أبداً أن يوصل هذا القلق لصغاره منذ نعومة إدراكهم للحياة تماماً كجارة جدتي الا أن صُلعة اليهودية كانت معجونة بالبيض بينما صُلعتنا معجونة بالحرية.
الغريب أن اليمنيين حيث لا سينما ولا مراقص ولا شاليهات ولا مايوهات تراهم أيضاً يخشون على الصُلعة التي لم تعجن بعد! أدخلت الأنظمة العربية ما هو أشهى من الحرية الى الوصفة، ألا وهو الأمان، وكجارة جدتي أيضاً عملت الأنظمة على خبز صُلعة بالأمان لتخطفها بين الحين والآخر ملصقة التهمة بإسلاميين من صناعة مخابزها هي كما اتضح بعد ثورة 25 يناير المصرية في فضيحة قضية تورط الحكومة في تفجير الكنيسة واتهام الإسلاميين.
لم يحدث ما يخشاه المواطن المصري من حكم الإخوان من بطش بالحرية الا أن الفوبيا عكّرت صفو نسبة غير بسيطة من الشعب وهي من سلبته فرصة التجربة التي مُنحت للمواطن التركي ولم يخسر بعد محاولات كثيرة للتصدي لحكم الإسلاميين في تركيا.
ولكن هذا لا يسقط عن الإسلاميين مسؤولية طمأنة الشارع وبذل حهود مضنية وتوزيع كميات كبيرة من الصُلع المعجونة بالوعي متعدد النكهات فالشعوب مجبرة على هذا الخوف كمن أجبر على الإدمان دون قصد.