يُحكى أن رجل الأعمال الأمريكي الشهير فورد ضاق ذرعا بالإضرابات والاحتجاجات التي يقوم بها عمال مصانعه للسيارات «ذوي الأصول الأوروبية» بين الحين والآخر من أجل مطالب مختلفة وذلك في أواخر العشرينات من القرن الماضي.. فطلب من مستشاريه أن يبحثوا له عن «عمالة» لا تسبب «وجع راس».. ووقع الاختيار على اليمنيين وتم جلب 2000 يمني ليعملوا في مصانع فورد في مدينة ديترويت في ميتشجان.. باعتبار أن هؤلاء العمال اليمنيين من أكثر الشعوب «مناعة» للتنظيم النقابي! بغض النظر عن مصداقية هذه القصة المذكورة في موسوعة الويكيبيديا.. فإن واقع وحال وطبيعة الشعب اليمني منذ زمن بعيد وإلى يومنا الحاضر ربما يجعل من هذه القصة المدخل الصحيح لفهم أساس مشاكلنا كيمنيين والذي يمكن تلخيصه في جملة واحدة هي أن اليمني دائما «وحيد» وأن اليمنيين غير قابلين للاصطفاف الإيجابي في جماعات تربطها «المصلحة المشتركة»!!
ربما يجادل البعض بأن القبيلة في اليمن هي دليل على قدرة اليمنيين على التجمع والتوحد.. لكن الحقيقة ان هذا الشكل من الاصطفاف لا يعود بالنفع على الشعب اليمني إطلاقا وإنما ساهم بشكل مباشر في تأخره وتناحره... ووقف عائقا أمام اصطفاف اليمنيين بالشكل الإيجابي المطلوب.. كما أن هذا النوع من التجمع يثبت فعلا تخاذل اليمنيين أمام مصالحهم الحقيقية فتجد شيخ القبيلة وهو فرد واحد يتسلط على الجميع، ولا يمكن أن تقف «الرعية» في وجه ظلمه وبطشه..
هل تساءلنا في يوم من الأيام ما إذا كان هناك في اليمن ما يسمى بالرأي العام ؟! وكيف يمكن أن يتواجد رأي عام في ظل غياب أبسط مقوماته وهي الشعور بالمصلحة المشتركة والهموم المشتركة والمنفعة العامة... لذا نجد من يعتدي على أبراج الكهرباء وخطوط نقل الطاقة، وغيرها من الممتلكات العامة للشعب دون أدنى شعور بالمسؤولية.. وفي مقابل هذه الاعتداءت - والتي تساهم في جعل الخدمات الأساسية في اليمن سيئة جدا ومتدهورة - لا نجد احتجاجات فعالة من قبل المواطنين والتي ابسطها – مثلا - رفضهم لدفع فاتورة الكهرباء بشكل جماعي حتى تقوم الحكومة بواجبها على أكمل وجه! وكل من في السلطة يراهن على سلبية المواطن اليمني وبقائه وحيدا معزولا في مواجهة أصعب الظروف.. ففي حالة انقطاع الكهرباء هناك «المواطير»، وفي حالة انقطاع الماء هناك «الوايتات».. وفي حالة انعدام الوقود هناك الطوابير والسوق السوداء! خلاصة القول أنه في كل أزمة تجد المواطن اليمني ميالا للحلول الفردية والتي «يتخارج» بها في يومه... أما بالنسبة للمستقبل ف«غدوة يوم»!
وهذا السلوك – الفردي - يمكن ملاحظته بسهولة في كل طبقات وشرائح المجتمع اليمني البسيطة والمعقدة.. وهو السبب الرئيسي وراء كل معاناة يعاني منها اليمنيون.. فعلى سبيل المثال: كم عانينا كطلاب جامعة من «دكتور» المادة المتسلط والظالم دون أن نعترض أو ننطق بكلمة؟! الطالب الجامعي يفترض فيه أنه شخص على قدر كبير من الوعي بحقوقه، ما عدا الطالب اليمني... أذكر في إحدى المرات في الجامعة أنه كان لدينا امتحان لإحدى المواد في الثامنة صباحا وانتظرنا ثلاث ساعات كاملة بينما معيد المادة لم يأت ولم يكلف نفسه حتى أن يعتذر، فاتفق الطلاب أن يرجع الجميع لمنازلهم «كنوع من الاحتجاج» وبعد وصولي للمنزل أتصل بي أحد الزملاء الساعة 12 ظهرا يخبرني أن أعود فورا لأن معيد المادة وصل بسلامته!.. واكتشفت أنني كنت «الوحيد» الذي عاد إلى البيت بينما بقى الجميع هناك لأنه فيما يبدو كان كل طالب يخشى أن يغدر به البقية وأن يفوته الامتحان! ويومها أخبرني أحد الدكاترة الهنود أن مثل هذا الموقف لو حصل في الهند فإن الطلاب يعطون مدرس المادة نصف ساعة فقط تأخير وبعدها يتوجب عليه أن يقدم اعتذارا ولا يحق له أن يمتحنهم!
والطريف أننا نجد في اليمن نقابات في معظم التجمعات الرسمية أو غير الرسمية.. فهناك نقابات لموظفي القطاع العام والخاص والطلاب والرياضيين والحرفيين وغيرهم ، ولكن هذه النقابات مجرد أشكال خيالية لا «تهش» ولا «تنش» ولا تستطيع عمل شيء فعلي وملموس لمن ينتظمون في صفوفها.. وليس ذلك جراء خطأ أو عيب في الفكرة ذاتها لأن التنظيم النقابي – على مستوى العالم - هو أرقى وأقوى أداة لجلب الحقوق ورفع الظلم، ولكن في اليمن يظل كل واحد «وحدة» وإن كان ينتمي لألف تنظيم نقابي... ولا يمكن لأي تنظيم نقابي في اليمن أن يفرض على منتسب إليه ما تمليه المصلحة العامة إلا في حالات نادرة وربما بعد «مراشاة» و«بالله والنبي» و«حملة توقيعات» و«لازم اقتنع قبل ما أوافق» وخلافه...
لذا تجد اليمني في المدرسة... وحيدا.. في الجامعة وحيدا.. في العمل.. أيضا وحيد!!.. ولو تعرض اليمني كفرد لأي ظلم أو مساس بحقوقه، يقف الجميع متفرجين عليه من بعيد... مؤثرين السلامة التي لن يحصلوا عليها أبدا طالما وهم كالغنم القاصية في مواجهة «جماعات» الذئاب..
في الأخير.. أليس من الممكن أن يكون هذا السلوك السلبي من الأسباب الرئيسية وراء وقوف «الثورة» في اليمن في منتصفها؟! فلا هي حققت أهدافها ولا هي غيرت الحال للأفضل.. ألم يبدأ اليمنيون ثورتهم بشكل جماعي ثم انتهى بهم الأمر بأن وجدوا أنفسهم فرادى في مواجهة قوى لا قبل لهم بها؟؟