يفتقد الحوثي هذه المرة إلى أهم ركائز القوة ، أعني القضية التي يحارب من أجلها. في 2004 كانت الصحافة تسأل حسين الحوثي ماهو الحل ؟ يجيبهم، نحن في بيوتنا وهم اعتدوا، الحل أن يرفعوا هذه الآليات العسكرية عنا ، وكان هذا الخطاب يجد لنفسه تبريرا أخلاقيا في المواجهة ، إنه الدفاع عن النفس ، وكان المجتمع يتفهم هذه المظلومية. بالأمس استمعت إلى خطاب الحوثي ، وبالأمس أيضا قرأت كتابا بعنوان " أنصار الله ، القيادة والمشروع " لمولفه يحي قاسم أبو عواضة . كان الخطاب طويلا ، وهذا الطول كان ناتجا عن محاولة البحث عن قضية ، خاصة بعد تداعي فكرة الدفاع عن النفس إلى الحد التي تحولت معه إلى مايشبه النكتة . الحل كما قال السيد في 2004 ، أن ترفعوا آلياتكم وتعودوا ، وهذه الحرب ستتوقف أبدا ، بعدها يمكن للدولة أن تنظر في شئون مواطنيها المظلومين . أما الكتاب فكان طويلا ومكرورا ، 119 صفحة كان يمكن اختصارها في عشرة أسطر ، لكنه أيضا كان يبحث عن القضية التائهة . فالمشروع أساسا جاء لمناهضة قوى الاستكبار العالمي - والتعبير للكاتب - ثم بدل أن يوحد جهود الأمة لمقاومة هذا الاستكبار راح يختصر كلمة الأمة في تعريف بين مزدوجين (أنصار الله ) . يحيلك الكتاب إلى الرجل الثائر الإمام المجاهد زيد في ثورته ضد الطغيان الأموي ، يحدثك الكتاب عن المسيرة القرآنية بوصفها عملا جهاديا ترجع أصوله إلى الإمام زيد ، غير أنه لا يذكر أن الإمام زيد وهو يحاول الوقوف في وجه الأمويين كان حريصا على لملمة كل من يعارضهم ، حتى إنه اخترع فكرة إمامة المفضول مع وجود الفاضل - مخالفا الشيعة - في محاولة للظفر بالغاضبين من أهل السنة على طغيان بني أمية ، وإذا كانت المقارنة صالحة هنا فإن أمريكا ستعني بني أمية وكان لزاما على الحوثي حشد الأمة اليمنية والعربية والإسلامية ضد بني أمية الجدد ، لكن الطغيان الذي يخرج عليه الحوثي ليس أمريكيا كما يبدو بل هو الطغيان في صنعاء . أما المسيرة القرآنية فيطيل الرجل عنها الحديث ، لكنه حديث دون مضمون ، فهو لم يقل لنا عن أنشطة الحوثي في تدريس القرآن وعلومه وتحفيظه والتأليف في فنونه ، ولا نسمع عن عدد المتخرجين من مدارسه القرآنية أو الدعاة الذين جندوا أنفسهم لنشر ثقافة القرآن وآدابه ، لم نسمع حتى الآن سوى فرقعات البنادق التي تدافع عن مسيرة قرآنية لا ترفع القرآن إلا حين تحارب . لايمكن الحديث عن مسيرة قرآنية تبدأ من قرى مران وتهدف لإسقاط البيت الأبيض دون أن تحدد للناس طرائق العبور الآمن إلى هذا الهدف سوى استخدام البنادق ، لأن هذا السلوك لا يعني سوى شيئين ، إما أن المسيرة القرآنية هي مجرد شعار لاعلاقة له ولا جذور مع القرآن سوى في اقتباس بعض الآيات التي يمكن استغلالها ضمن مسيرة غير قرآنية ، أو أنها مسيرة بلا خطة واضحة ولا مشروع فكري متماسك ، وبالتالي بلا مسئولية . كل الذين رسموا لأنفسهم أهدافا كبيرة من هذا النوع ضربوا لها خططا طويلة الأمد أو ماتوا بحماقاتهم ، ذلك مايمكن أن تفهمه وأن تقرأ هذا الكتاب فهو مشروع – إن جاز أن نسميه كذلك - يستخدم كل أساليب التحريض الاجتماعي واستجداء السخط وكل فنون انتزاع الغيرة والغضب ضد الواقع الذي لوثه اليهود والأمريكان ، ثم مباشرة يصرف للناس البنادق ، فيقتلوا إخوانهم الذين يلونهم . ومع كل مايمكن أن يقال عن الحوثي - وهي أمور لازال بإمكان العقل والحكمة الانتصار فيها - فقد كنت سعيدا هذا اليوم وأنا أسمع نبأ توقف الحرب ، إيقاف الحرب هو بالنهاية انتصار ، لأن إيقاف الحرب تعني إيقاف الموت حتى وإن كان مؤجلا إلى حين . المهمة الرئيسية للدولة هي حماية مواطنيها ، وإيقاف الحروب وإتاحة الفرصة لغيرها أمر يدخل ضمن هذه المهمة . الحوثيون بالنهاية مواطنون لدى الدولة ، وهم ضمن نسيج المجتمع اليمني ،وكل مايمكن قوله عنهم لا ينزع عنهم هذا الحق ، وهذه الحقائق المهمة يجب أخذها في الاعتبار ، ومتى ماكان ممكنا الحديث خارج الحرب فإن على الجميع أن يسلك للسلم كل سبيل . في الحروب السابقة قتل الحوثيون الآلاف من الجنود كما يقولون ، وبالمقابل قتل الآلاف من أبناء صعدة وتشردت مئات آلاف من الأسر ، كان يمكن أن تدار تلك الصراعات بالسياسة ، السياسة التي جعلت الحوثيين أصدقاء مع صالح في معركة اليوم – لم يعد صعبا ملاحظة هذا التحالف ، فصالح يريد أن يقول للجميع إن أوراقي لاتنتهي وأن عليكم أن لاتفكروا بالاستقرار بعيدا عني ، أما الحوثي فهو يحاول استباق الأحداث بفرض حقيقة على الأرض تقول إن هذا الاقليم يجب أن يكون خارج المفكر فيه من السلطة القائمة ، وحين اتحدت السياسة تناسى صالح آلاف الجنود الذين دفنوا بالأمس في مهمة الحفاظ على الدولة كما كان يقول يومها ونسي الحوثيون الثأر ، فصالح لايرى الجنود سوى في كشف الراتب وهم بهذا التعبير مجرد أسماء يمكن تغييرها بسهولة " سنجند بدالهم " كما قال ذات مرة ، أما الحوثي فلم يعد يتذكر سوى قبر أخيه الذي سيجعل منه مزارا . أما تلك الآلاف من النفوس فلم يعد يتذكرهم سوى أحبابهم فقط . وغدا يمكن أن تحيلنا السياسة لمواقف أخرى نجد فيها الأعداء أصدقاء والأصدقاء صاروا أعداء ، وسيكون متعذرا أن نرد المفقودين . تتحدث السياسة اليوم عن تقارب بين إيران والسعودية ، والخليج عموما ، وربما يقرر المجتمعون على هذه الطاولة كم من اليمنيين سيموتون أو كم سيحيون ، كما فعلوا سابقا في سورية وغيرها . أيا كان الحوثي، وأيا كانت الظروف، فإن إيقاف الحرب عمل إنساني نبيل ، نعلن فيه انتصارنا على ذواتنا الشريرة لمصلحة الإنسانية. هذه الحرب يجب أن تتوقف ، وشكرا لكل الذين يسعون لدفن أوراها ، ولو توقفت الحرب ساعة واحدة لاستحق ذلك أن أكون سعيدا حيث نمنح الحياة فرصة الانتصار على الموت ساعة أخرى . الحرب ليست لغير العاجزين ، الذين توقفت عقولهم عن إنتاج الحلول ، لكن اختراع السلام عمل أكثر بطولة من كل بطولات الحرب.