في شهر رمضان من العام 86، وقبل الإفطار بدقائق، كاد حادث مروري أن يودي بحياة الرئيس الصومالي الجنرال محمد سياد بري. وفي يوليو من العام 2009م، أصيب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح برضوض بعد سقوطه من حصان أثناء ممارسته للرياضة داخل القصر الرئاسي. بين اليمن والصومال وصالح وسياد هناك أوجه للتشابه.. كان الرئيس الصومالي عائداً من أفجوي، وقبل وصوله مقديشو اصطدمت سيارته "الرانج روفر" بعربة نقل ركاب ولحقته صدمات سيارات المرافقين من الخلف لتتكسر ثلاثة من أضلاع قفصه الصدري وأصيب بجروح عميقة في رأسه وكسر في رجله، ليدخل الإنعاش في مستشفى الملك فيصل بالرياض لمدة ثلاثة أشهر.. لقد دخلت من حينها الصومال "بوابة الجحيم". ورويداً رويداً بدأت شمس طالعه بالأفول والتي بزغت بتوليه السلطة في اكتوبر1969م إثر انقلاب عسكري واغتيال ثالث رئيس ديمقراطي في الصومال "عبد الرشيد شرماركي"، والد رئيس الوزراء الحالي في حكومة "شريف" الذي كان شديد الشبه بالرئيس اليمني إبراهيم محمد الحمدي. تماثل سياد بري للشفاء ليعود لكرسي الحكم، لكنه بدأ يترنح بعدها ويتخذ القرارات الخطأ مثلما بدأت تتكالب عليه المصائب بعد أن أصبح يخوض حرباً شرسة في "هرجيسا" شمال البلاد، واتسعت رقعة منتقديه بعد تقريبه لعائلته حتى استشرى الفساد وأصبح اقتصاد الصومال الهش يتآكل بسبب الحرب في الشمال والاحتجاجات في الوسط والجنوب. خاض سياد بري الحرب في الشمال وفي باله هدف واحد: التخلص من قيادات عسكرية بدأت تنافسه كرسي الحكم وتقف أمام طموحاته بتوريث ولده حسين (السفير الحالي للصومال في سلطنة عمان) الحكم من بعده في البلاد . لقد أدخل "سياد بري" الصومال في علاقات شائكة تفتقد للمصداقية مع البلدان المجاورة والعالم .. غير هذا أدخل "سياد" البدو من الريف ليحتلوا المدن ويتطاولون فيها بالبنيان وأغلق فورة عنجهيته بالتخلي عن شريكه بالوحدة، وراح يرسل له الطائرات وعربات الجند والدبابات لارتكاب المجازر الوحشية التي لازالت تدمي القلوب في الإقليم البريطاني في "هرجيسا" المنفصل حتى الآن تحت عنوان : الوحدة الوطنية .. ومحاربه المتمردين أعداء الثورة. احتكر " بري" مناصب عديدة في يده، فقد كان رئيساً للدولة، وقائداً للقوات المسلحة، وزعيماً للحزب الوطني الاشتراكي الحاكم، ورئيساً للجنة الأمنية العليا، ورئيس للقضاء الأعلى. لقد ظل "بري" الجنرال يصارع الأمواج العاتية بصلف صومالي مقامر حتى أدخل البلاد في دوامة ما بعد الدولة. في الصومال نشأ جيل لا يعرف الدولة منذ الانهيار عمره ما بين 20 -25 عاماً محروماً من التعليم، هو الآن في البحر قرصاناً، أو مسلحاً بيد المليشيا، أو مسدساً للإيجار في الأقطار. وفي اليمن نشأ جيل لم نستطع خلق هوية له تجاه الوحدة، بعد 19 عاماً من قيامها هو الآن يتظاهر في الضالع ولحج وأبين يرفع العلم الشطري، هو الآن في العقد الثاني من عمره. إن أخطاء الجنرال التائهة في مقديشو تتكرر حلقاتها هنا في صنعاء. غير أن فارسنا يظهر بسالة المقامر ومستعد لجحيم المقابر. وما بين حادث سير وسقوط من ظهر حصان تتوه بلدان!