في الحياة العملية، في كافة القطاعات العامة والخاصة، يتم فرض إجازات سنوية للأفراد العاملين تبلغ في معظم دول العالم شهراً في كل سنة، يقضي فيها الأفراد ساعات فراغهم في الاستجمام والراحة والسياحة داخل وخارج الدولة، وينأون بأنفسهم قليلاً عن الروتين الممل المصاحب لأعمالهم ويجددون نشاطهم المستهلك ليعودو بروح مفعمة بالنشاط والحيوية إلى أعمالهم ونشاطاتهم بفاعلية تزيد من مستوى إنتاجيتهم وكفاءتهم. وكذلك، شريعة الإسلام الغراء بأحكامها ومقاصدها المتسقة والفطرة الإنسانية والمتفقة مع مصالح الإنسان وأولوياته الحياتية، جعلت صوم رمضان ركناً من أركان الإسلام ومدرسة إيمانية نموذجية يتعلم فيها العبد مختلف دروس الإيمان ويتدرب على فنون الصبر والتحمل، هذا بالإضافة إلى كونها محطة تزود من الحسنات والطاعات والقربات. ثم إن رمضان مُيز بعدة مَيِّزات، فهو علاوة على ما سبق، يمثل فرصة عظيمة للعبد يمحو فيه ما علق بروحه ونفسه من ذنوب وآثام من خلال الفضائل التي مُيز بها هذا الشهر الكريم، من فتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران وتصفيد للشياطين وتكثير الليالي المباركات التي فيها يستجاب الدعاء ويقبل الرجاء وتعتق الرقاب من نير العذاب، كليلة القدر والليالي العشر وأوقات الفضل الرباني كساعة الإفطار وساعات الأسحار وغيرها من الفضائل والمنن والمنح الإلهية.
ولأجل ذلك، جعل هذا الشهر للسياحة التعبدية والاستجمام الإيماني الذي يروم فيه العبد غاية فضل ربه ومغفرته ورضوانه. ووسم الله تعالى عباده الصائمين بصفة السياحة، الذين ذكرهم تسلسلاً في الآية الكريمة من سورة التوبة بقوله: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ".
وعليه، فإنه حري بنا أن نهتبل هذه الفرصة ونستغل الشهر الكريم الاستغلال الأمثل بالتزود النوعي من الحسنات من مختلف الطاعات والأعمال الصالحة اللازمة والمتعدية، وأن نكون سائحين مثاليين في فلك العبادة وبساتين الإيمان وأنهار الخير الجارية، كي لا تصيبنا دعوة نبينا الكريم حيث قال: "رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه من أدرك رمضان ولم يُغفر له" أو كما قال.