سيحتاج المخلوع علي صالح كل تراث دولته في اللف والدوران لينفي مشاركته في تمرد الحوثة، سواء من مرحلة حوث ثم عمران وصولا إلى محاولة اقتحام العاصمة بحجة رفض الجرعة السعرية، والمطالبة بإسقاط الحكومة التي تضم 17 وزيرا مؤتمرياً وكثير من المحافظين ،بمن فيهم محافظ صعدة، لا يكاد يمسهم سوء ولا نقد من الحوثة لا بفساد ولا بعداء المسيرة الحوثية. وصدقوني لو ظل كل وزراء المؤتمر في مناصبهم في الحكومة القادمة فلن يعترضوا عليهم! ليس غريبا أن يتحالف المخلوع مع الحوثة؛ فجنون الانتقام ممن أجبروه على ذلك الجلوس المهين لكبريائه الزائف، والتوقيع على وثيقة عزله من الرئاسة سيظل يأكل قلبه حتى يلج القبر، وهو الدافع الوحيد الذي يجعله يخوض كل هذه المؤامرات لإرباك البلاد، وما حكاية النفق الجميل إلا إحدى هذه الوسائل التي يستخدمها لإثارة الغبار والبلبلة في الوقت نفسه الذي كان الحوثة يتجهزون لاقتحام صنعاء يتقدمهم مجاميع كبيرة من أتباعه! وكذلك ليس غريبا أن يتحالف الحوثة مع المخلوع الذي حاربهم ستة حروب؛ فالعقيدة التي يؤمنون بها تبيح لهم التحالف حتى مع الكفار والفساق ضد المسلمين المعارضين لهم. وفي تاريخ الحوثيين منذ اليوم الأول الذي وصلوا فيه إلى اليمن تحالفوا مع كل المتناقضات الفكرية والمذهبية والسياسية: يمنيين وغير يمنيين عندما كانت مصلحتهم تقتضي ذلك، ولو كانت تلك التحالفات بين الغريب المخالف مذهبيا لهم ضد آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم. وفي ضوء هذا المبدأ المذهبي يمكن فهم تحالفهم مع المخلوع الذي يمكن ملاحظته حتى في نوعية الخيام المستخدمة في اعتصاماتهم الأخيرة فهي نفس الخيام الكبيرة الفاخرة التي كانت مقامة في ميدان التحرير.
وعلى الصعيد البشري فالحشود التابعة للمخلوع والحوثة يمكن بسهولة التمييز بينهم. فأتباع الحوثي غالبيتهم إن لم يكن كلهم من صغار السن المراهقين الذين تبدو مظاهر البداوة والإهمال في المظهر واضحة عليهم، أما أتباع صالح فهم أولئك الأكثر أناقة في الملبس (نسبيا طبعا) وتبدو على أشكالهم النعمة والأبهة! يكفي فضحاً لانتهازية هذا التحالف أن الحوثة يتظاهرون بدعم غزة وتأييد حماس والمقاومة، والمخلوع وإعلامه يشنون عليهم أسوأ الهجمات الإعلامية، ويتهمون حمساويين غزاويين بالمشاركة في المؤامرة المزعومة لحفر النفق لقتل المخلوع! وسوف نلاحظ كذلك أن القوى الأخرى التي تهلل لزحفهم استجرارا لأحقادها القديمة هي ايضا من الكارهين للمقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس!
[2] أظنها فرصة تاريخية لتعديل الموقف الرسمي المعتمد عن عدد الفيدراليات والأقاليم في النظام الاتحادي الجديد المفترض، وهي فرصة وفرتها دعوة الحوثة الأخيرة لضم محافظات أخرى إلى إقليم آزال يوفر لهم منفذا بحريا ومحافظة بترولية.. فهذا هو الهدف الحقيقي القريب لهم. أما الجرعة ومحاربة الفاسدين فعذران مقتبسان من بنك أهداف الاستعمار وألاعيبه التي يستخدمها لتبرير احتلاله لأي بلد! وكما تختلف أعذار الاستعماريين لتبرير أعمالهم من بلد إلى بلد، فكذلك تتنوع أعذار الحوثة في تمددهم المسلح. فمرة يحتلون دماج لأن فيها أجانب وتكفيريين. ومرة يحتلون حوث لأن فيها آل الأحمر. ومرة يحتلون عمران لأنهم يريدون إقصاء المحافظ الإصلاحي وقائد اللواء 310! وها هم يتدفقون إلى صنعاء بعذر جديد هو إسقاط الجرعة، لأنه من الصعب أن يقولوا أن فيها تكفيريين فهم يعرفون أن من بين مناصريهم ومؤيديهم: علمانيين، وليبراليين، وماركسيين شيوعيين، وقليلي دين. وحتى حديثهم عن الفاسدين يتناقض مع ممارساتهم في المناطق التي يحتلونها تحالفاتهم مع مخزون الفسدة التاريخي في جماعة عفاش المتحالفة معهم ؛و الموجودون بكثرة غالبة في اعتصاماتهم حول صنعاء؛ لتجعلهم يغضون الطرف عن هذا المطلب! والمقصود من فكرة التعديل الكلية أنه طالما أن هناك أيضا مطالب شعبية أخرى بتعديل فكرة الستة أقاليم (مثلا مطالب أهالي المهرة، وسقطرى، وذمار.. وغيرهم ممن قد لا يرضيهم أن يكونوا ضمن إقليم ما، أو أولئك الرافضين لمبدأ الأقاليم الستة ويريدونها إقليمين فقط: جنوبي وشمالي بحدود عام 1990.. وفاء للتاريخ وليس تهيئة للانفصال لا قدر الله! أو أولئك الذين يرفضون فكرة الفيدرالية من أساسها لصالح الحكم المحلي واسع الصلاحيات..) فالحل العادل للجميع هو توسيع عدد الأقاليم أو الفيدراليات لتصير بعدد المحافظات القائمة الآن، أي تصير كل محافظة بحدودها الراهنة إقليما فيدراليا قائما بنفسه، فمن غير العدل أن تخضع الدولة لشروط الحوثة وتتجاهل الآخرين إلاإذا كانت تريد منهم أن يتصرفوا كالحوثة ويثيرونها فوضى وتمردات مسلحة في كل مكان حتى تنفذ شروطهم! منح كل محافظة قائمة فيدرالية خاصة يسد باب المخاوف أيضا على وحدة اليمن أو وحدة الجنوب؛ فلن تكون هناك حاجة للتهديدات بأن حل الأقاليم الستة ستكون نتيجته خراب الجنوب واليمن؛ لأنه يكاد يستحيل على محافظة واحدة أن تعلن الانفصال، ولا التهديد بالحروب المستمرة كالتي يخوضها الحوثة للضغط على السلطة وابتزازها ووضع السكين على رقبتها، من خلال الحديث عن ضرورة ضم محافظتي حجة والجوف إلى إقليمهم لتوفير منفذ بحري ومحافظة بترولية.. ولن تكون هناك حاجة للغضب والخصام والاعتصامات من أبناء أي محافظة لا يريد أهلها أن يكونوا ضمن إقليم ما لأي سبب! من المهم التذكير برأي قاله كثيرون (آخرهم د. عبد الكريم الإرياني) إن عملية الانتقال إلى المرحلة الفيديرالية تحتاج إلى توفر معايير عديدة حتى تنجح ولا تتحول إلى خطأ تاريخي يتحول إلى (هولوكست) ومطالب بالاعتذار على الطريقة اليمنية! وعلى أن تسبقها مرحلة إعداد تنتقل فيها المحافظات إلى مرحلة الحكم المحلي واسع الصلاحيات حتى يترسخ وتتلافى أخطاء التطبيق والتجربة، وتتوفر المعايير الضرورية للانتقال إلى الفيدرالية. والمحافظة التي تنجح في اكتساب هذه المعايير تتحول تلقائيا إلى النظام الفيدرالي. والمحافظات التي لا تنجح في توفير المعايير/ الشروط تظل على حالها! أعلم أن تكاليف فيدرالية في كل محافظة باهظة وثقيلة، ولكنه أمر لا مفر منه لكي نسد الأبواب التي تأتي منها الرياح والمشاكل والمؤامرات!
[3] في بعض الطرقات توجد لافتات مكتوب عليها بعض مخرجات مؤتمر الحوار بوصفها إنجازات تم التوصل إليها، واقتضى الأمر التباهي بها علنا. ومن هذه اللوحات واحدة تتحدث عن إنشاء سوق للأوراق المالية في اليمن. وبصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية للفكرة فهذا مثال عن أن مؤتمر الحوار ناقش وأقر مسائل عديدة وجعلها من ثم مبادئ محصنة مع أنها من مسائل الخلاف بين المدارس السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ.. فمثلا ماذا سيكون المصير لو فاز بالأغلبية حزب لا يؤمن بهذا الشكل الاقتصادي؟ هل ستنقلب عليه الدنيا ويطبق عليه البند السابع؟ وعلى هذا المنوال سنجد مسائل كثيرة في مخرجات الحوار. ويقينا فإن ضرورة التفاهم للخروج من الأزمة هو الذي جعل الجميع يتنازل حتى فيما يرفضه. لكن نريد بهذا المثل فقط أن ندلل: لو أن كل طرف يرفض شيئا من مخرجات الحوار فعل مثل الحوثة ،والذين يؤيدونهم في الخفاء لإفشال فكرة الفيدراليات الستة، لدخلت البلاد في نفق مظلم ولا نفق الكذب الأخير!