ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عبد الرحمن السقاف: مشاكل اليمن قائمة لأن الأدوات السياسية القديمة مازالت مستمرة وفاعلة والمرحلة التأسيسية أرضية نسعى فيها إلى تحويل الفاعلين السياسيين في الشمال إلى تاريخ
نشر في الاشتراكي نت يوم 24 - 11 - 2013

قال الدكتور عبد الرحمن عمر، رئيس الدائرة التنظيمية في الحزب الاشتراكي اليمني، رئيس ممثلي الحزب في فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار، إن الحزب الاشتراكي يدرس الآن بشكل جدي فكرة الانسحاب من حكومة الوفاق الوطني.
وأكد عمر، في لقاء مطول أجرته معه صحيفة "الشارع"، الخميس الماضي، يعيد "الاشتراكي نت" نشره، تمسك الحزب برؤيته الخاصة بإقامة دولة اتحادية من إقليمين، مع طرح هذه الرؤية للنقاش.
في هذا اللقاء، يتحدث عبد الرحمن عمر، كالعادة، بشكل عميق يشرح الوضع الحالي، ويقرأ أزماته ومشاكله بذهنية المؤرخ والسياسي والأكاديمي، الذي يستطيع أن يتنقل مما هو فكري إلى ما هو واقعي، ومن الواقع أيضاً إلى الفكر.
عمل الرجل مدرساً لمادة التاريخ في جامعة عدن. وكان آخر منصب له في دولة الوحدة، قبل حرب صيف 94، نائباً لرئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية "سبأ". وكان، قبل قيام الوحدة، مديراً للإذاعة والتلفزيون في الجنوب.
حوار: نائف حسان وعلوي السقاف
نبدأ من موقف الاشتراكي الأخير، الموقف الذي سبب ردود أفعال غاضبة ضد الحزب. ما سبب تمسككم بهذه الرؤية: فيدرالية على أساس إقليمين؟
مشروع الحزب الاشتراكي لدولة فيدرالية من إقليمين ينطلق من حل المشكلات والوقائع التي على الأرض، وليس من مناهج ذهنية أو أيديولوجية عن الوحدة.
لو بدأنا من حيث توقفت الحركة الوطنية اليمنية، للنظر إلى الأمور بشكل يمني واحد، أعني لو توقفنا عند وثيقة العهد والاتفاق، فهذه الوثيقة كانت تحمل ثلاث قضايا رئيسية:
أولاً: رأت وثيقة العهد والاتفاق أن حل المشكلة التي طرأت حينها، عام 93، هو إعادة هيكلة الدولة اليمنية. وهذه الوثيقة كانت قدمت أيضاً مقترحا فيدراليا سمي ب "مخاليف". هذه هي النقطة الأولى التي أقرتها الوثيقة: إعادة هيكلة الدولة كحل للمشكلات التي كانت حينها.
ثانيا: انطلقت وثيقة العهد والاتفاق على أساس رفض كل مشاريع الضم والإلحاق، التي كانت قائمة، وكانت القوى التقليدية تسعى إليها.
ثالثا: منع الانفصال.
كان هناك في الوثيقة بعد آخر، وهو أن يتم حل تلك القضايا عن طريق لقاء وطني شامل. ولعلكم لاحظتم حينها أن النقاش كان يشمل كل الأحزاب، أي أن وثيقة العهد والاتفاق نقلت الموضوع من مناقشة بين طرفين لحل مشكلات السلطتين السابقتين في الشمال والجنوب، إلى حل وطني شامل اشتركت فيه كل الأحزاب السياسية الوطنية. وكان الهدف من الوثيقة هو بناء دولة ديمقراطية يمنية حديثة؛ لكن تغيرت المسألة وتم إسقاط وثيقة العهد والاتفاق بالحرب. حينها أذكر أن الرئيس السابق ألقى كلمة في "الجَنَد" ووصف الوثيقة ب "وثيقة الغدر والخيانة".
كل ما تضمنته تلك الوثيقة، من قضايا بناء دولة ديمقراطية وطنية حديثة ومنع الانفصال وإسقاط سياسات الضم والإلحاق، كلها سقطت، وبقي الهدف الوحيد المنتصر في تلك الحرب هو سياسة الضم والإلحاق، وعملوا على مشاريع ضم وإلحاق، وحاولوا أن يبلوروا سياساتهم تلك وفق فكرة أيديولوجية تقوم على أساس أن الجنوب فرع والشمال أصل، وأن الشمال أم والجنوب بنت، وهذه نظرة خاطئة للجنوب. ثم مورست سياسات اهتمت بالجغرافيا وألغت الشعب وتراثه كله. من ثم تحولت القضية إلى قضية جغرافية سياسية، بدل أن كانت قضية وطنية شاملة. ونشأت حركة ترفض هذا الوضع القائم على الإلغاء، هي الحراك الجنوبي السلمي بكل فصائله، أعني أن على هذه الجغرافيا، التي هي الجنوب، ثار التاريخ وعبر عن نفسه بشكل سياسي تبلور في الشعارات التي عملت على أساسها فصائل الحراك.
لكن شعارات الحراك تطالب بالانفصال...؟
ليس بالضبط. أرجو أن تلاحظوا أن شعارات مختلف فصائل الحراك هي: الانفصال، التحرير والاستقلال، فك الارتباط، استعادة الدولة، وتقرير المصير، وهذه كلها حلول خارج الوحدة وليست داخل الوحدة. الحزب الاشتراكي تساءل حول تلك الشعارات، عما الذي تعنيه للجنوبيين وتحققه لهم في إطار دولة واحدة مرة أخرى. وكانت الإجابة هي أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وأن يسيطروا على مواردهم الطبيعية الجغرافية، وأن يحافظوا على هويتهم كما صنعها التاريخ خلال الفترة الطويلة، وهوية سياسية جديدة. سؤالنا هو: هل يمكن تحقيق هذه القضايا في إطار الوحدة، في إطار دولة يمنية واحدة، أم لا؟
نحن في الحزب نقول إن بالإمكان تحقيق ذلك في إطار دولة يمنية واحدة؛ ولكن في شكل فيدرالي لا يمكن أن يتأسس بداية إلا على أساس إقليمين. هذا الحل يتطلب إعادة هيكلة الدولة؛ لكن يشتمل على الاستجابة لهذه الحلول، وأيضا لكي ينقل هذه الحلول إلى داخل الوحدة وليس خارجها.
نحن توصلنا، في الأوراق التي قدمت في مناقشات القضية الجنوبية إلى مؤتمر الحوار، قدمت حوالي 14 ورقة في المحتوى و14 ورقة في الجذور وقدم البقية أشكال وحلول، نحن كنا ننطلق من وضع الحلول من الاستخلاصات التي جاءت من المناقشات الشاملة، والجامعة هذه المناقشات في التحليل الأخير تبقى على 3 أشياء:
أن الوحدة تمت بين دولتين، هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية، ولم تتم بين الأصل والفرع أو بين الأم والبنت، ولم يثبت التاريخ أن الشمال بهذا التكوين كان في يوم من الأيام تابعا للجنوب. كما لم يكن الجنوب بالتكوين ذاته تابعا للشمال؛ لكن سادت دول في تاريخ اليمن كانت مساحاتها تمتد على أرض اليمن ككل، تمتد وتتراجع في الشمال وفي الجنوب، وكانت أيضاً متعددة.
إن الجنوب، بالفعل وبالإثباتات، والحراك هنا قدم حوالي 10 مجلدات كبيرة تتحدث بالتفاصيل عما تعرض له الجنوب منذ 1994، حتى وقت انعقاد مؤتمر الحوار، كشفت هذه المجلدات عما تعرض له الجنوب من انتهاكات سياسية واجتماعية واقتصادية وحقوقية وثقافية، وحتى الآن الأشياء التي تطرح في الجانب الحقوقي هي تعبير عن انتهاكات واسعة.
وجدنا أن التداخل في تاريخ الشعب اليمني، حتى عندما كان يتمثل في جغرافيتين سياسيتين مختلفتين، التداخل في التاريخ الحديث، كما كان في التاريخ الأسبق، هو تداخل تاريخ سياسي عميق، بحيث لا يمكن عند البحث عن حل للقضية الجنوبية القفز على هذه الحقائق والوقائع. عدم القفز عليها هو ما يستدعي أن يكون الحل ضمن الوحدة وليس خارجها، والحل بإقليمين يستجيب لطبيعة التعبيرات السياسية وواقع المشكلات القائمة في البلاد؛ لكن هذه الحلول نحن نضعها بحيث لا تكون مغلقة، وأن تحتمل أفقا مستقبليا بالنسبة لليمنيين...
(مقاطعا) لكن ألا تلاحظ أن مجمل ما ذكرته يتحدث عن الجنوب فقط؟
ليس صحيحا. دعني أكمل، نحن نردد في وثائق الحزب بشكل كبير، وفي أعمال اللجنة المركزية، أنه عند حل القضية الجنوبية يجب أن يشكل الحل مدخلاً لحل القضية الوطنية عامة. بهذه الصيغة نحن تمكنا من حل هذه المشكلة، أعني أننا طرحنا مشروعا واسعا، وهو أن تكون دولة اتحادية بحكومة اتحادية، ثم أقاليم، ثم ولايات. هذا كما سيطبق في إقليم الجنوب، سيطبق في إقليم الشمال، وبالتالي هذا يحمل حلولا للمشكلة التهامية ومشاكل المنطقة الوسطى ومشكلة صعدة، وغيرها من المشكلات. أعني أن التاريخ المشترك تجده في هذا الحل المشترك. أي أن هذا الحل ليس غريبا، وهو حل يستجيب للقضية الوطنية ومشكلاتها المزمنة.
ألا تواجهكم مشاكل في هذا الحل؟
بلى، تواجهنا مشكلتان، المشكلة الأولى هي: هل يمكن أن نعتبر هذا الحل إعادة لمركزين في السلطة تحت تسمية الأقاليم، مركز في الشمال وآخر في الجنوب؟
كيف يمكن إضعاف هذا؟
نحن عملنا إذا كان هناك ولايات لها مقاعد في البرلمان الإقليمي وتنتخب إلى هناك، سواء الولايات في الجنوب تنتخب إلى البرلمان الإقليمي والولايات في الشمال تنتخب إلى البرلمان الإقليمي في الشمال؛ لكن الانتخاب إلى البرلمان الاتحادي لا يأتي من الإقليمين، بل يأتي مباشرة من الولايات إلى البرلمان الاتحادي، وبالتالي تكون الولايات موجودة في الإقليم ومتحكمة في المركز، وهذا يحل هذا الإشكال الخطر؛ لأنه إذا صار الأمر مغلقا على الإقليم فقط فمعنى هذا حدوث مشاكل جيوسياسية مغلقة لكل من الإقليمين، وبالتالي يكون انتخاب البرلمان الاتحادي للولايات بشكل مباشر.
النقطة الثانية أن الإقليمين ليسا سياديين، أي أنهما لا يمارسان أي وظائف سيادية للدولة، بل هذه الوظائف هي للحكومة الاتحادية.
هذه حلول يمكن مناقشتها ويمكن إثراؤها؛ لكن مثلما لا تستطيع أن تقفز على التاريخ المشترك، لا يمكنك أيضاً أن تقفز على الإشكالات الموجودة في الجنوب، على التعبيرات السياسية هناك.
من الذي جعل من المشكلة مشكلة، بعيداً عن القضية الوطنية، وحولها إلى مشكلة جغرافية سياسية؟ أليس إسقاط وثيقة العهد والاتفاق والتنكر لها، وتنفيذ سياسة الضم والإلحاق على نطاق واسع وعلى قاعدة الرؤيتين الأيديولوجيتين: الفرع والأصل، والأم والبنت؟
السؤال، وفق كل ما ذكرت: ما الذي يجعل الفيدرالية الآن هي الحل؟ هناك من يرى أن الحل أولاً هو في إيجاد دولة؛ لأن اليمن الآن تقريباً بلا دولة، وأنتم تهربون من هذا إلى الفيدرالية...؟
إذا ظلت هذه المشكلات قائمة ولم تستوعب في حل، فلا يمكنك أن تبني دولة؛ لأنك ستفقد الاستقرار. هذا الاستقرار يجب أن يتحقق أولاً، وهو لن يتحقق بهذا الشكل، بشكل هذه الدولة البسيطة والمركزية. من ناحية ثانية، الصيغة الفيدرالية هي شكل من أشكال بناء الدولة أيضاً، وليست هدما للدولة أو إلغاء لها.
ما قصدته هو سيطرة الدولة، بمعنى أن سيطرة الدولة تقريباً منعدمة في الكثير من مناطق اليمن، والذين هم ضد الخيار الفيدرالي يرون أن الفيدرالية ستزيد من إضعاف سلطة الدولة في تلك المناطق وغيرها، وأنها ستؤدي إلى تمزيق البلد...؟
هل نستطيع أن ننكر مشكلة تهامة مثلاً، أو مشكلة صعدة، أو غيرهما من المشكلات؟ الحلول بنفس الطريقة السابقة لهذه المشكلات غير ممكنة. سأضرب لك مثلين: كانت في الجنوب قبل الوحدة دولة ضابطة وقوية، وفي الشمال كانت الدولة رخوة، جربنا هاتين الصيغتين فماذا أنتجنا؟... (يصمت).
أنتجنا وحدة عام 1990...
نعم، وحدة أنتجت هذه المشكلات؛ لكن لا تستطيع أن تقول إن الجنوب، الدولة متماسكة، لم تكن فيه مثل هذه المشكلات.
لكن تبدو الفيدرالية كما لو أنها هروب من المركز؛ بمعنى أنكم لم تستطيعوا أن تؤثروا في السلطة في صنعاء، في مراكز القوى المتحكمة في صنعاء، فهربتم إلى توزيع السلطة إلى أقاليم أخرى، وكأنكم بهذا تظنون أنكم ستتمكنون من بناء دولة...؟
لماذا في تصوراتكم أن الحكومة الاتحادية ستكون نفس السلطة القديمة؟
وأنتم ما الذي يضمن ألا تكون السلطة في الأقاليم امتدادا للسلطة القائمة في المركز؟
طبيعة النظام الجديد الذي ستؤسسه يقوم على أسس مختلفة تماماً، على تركيبة مختلفة. يعني قبل الثورة الشبابية الشعبية كانت هناك سلطة فعلية ممسكة بالبلاد؛ لكن الآن هل هناك سلطة فعلية ممسكة بالبلاد؟ هذه القوى التي تتحدث عنها في سؤالك خسرت السلطة، وبالرغم من خسائرها مازالت تتصور أنها قوية.
لكن يا دكتور بالرغم من أننا كنا في ثورة، وكانت المشاعر الوطنية عالية، إلا أن مراكز النفوذ والسلطة في صنعاء استطاعت أن تخلق تمثيلات لها في تعز مثلاً، وتسعى لذلك في الجنوب وفي مناطق أخرى، يظهر ذلك في وجود قبائل مسلحة في مناطق لا تعرف مثل هذه الظواهر، وأيضاً خلق شيوخ في مناطق لا تعرف هذه الظواهر...؟
نحن الآن نعيش مرحلة انتقالية، وطبيعة أي مرحلة انتقالية أن تكون فيها كل الأمور في حالة سيولة، سواء كانت هذه المرحلة في اليمن أو في أي مكان آخر، خاصة إذا جاءت هذه المرحلة بعد ثورة. هذه المرحلة التي نعيشها الآن في اليمن جاءت نتيجة لتحولات غير مفكر فيها، يعني الثورة أتت ولم نفكر فيها، وسيولة المرحلة الانتقالية تكتسب سماتها من مصدرين.
أولاً لأنها تجمع شيئين: انهيار القديم، وعدم تبلور الجديد؛ وهذا يخلق حالة من الغموض أمام الناس، وبالتالي أسلوب التحليل السياسي الصحفي في حالات كهذه غير عميق. قرأت مقالا في صحيفة "القاهرة" لكاتبة أظن اسمها سناء فؤاد، قالت فيه إننا لكي نعرف الآن ما يجري في مصر نحن بحاجة إلى أسلوب فلسفي أعمق يركز على القوانين العامة، بمعنى أن القراءات السطحية السريعة لن تصل إلى نتيجة. الآن القديم ينهار، والجديد لم يتبلور بعد، وهناك حالة من عدم الوضوح حتى لمعرفة الهوية، هوية الشيء. هذا القديم الذي ينهار، ينهار رأسياً، من أعلى إلى أسفل، ويتخذ وضعا أفقيا. والجديد بالتالي مازال نبتة تصعد من أسفل إلى أعلى؛ لكن في هذه اللحظة هو في حالة أفقية أيضاً، هناك نوع من التجاور بين القديم والجديد، بين الذي انهار رأسياً من أعلى إلى أسفل واتخذ وضعاً أفقياً وركاما ولن يتجلى إلا في حالة فوضى، فيما الجديد مازال نبتة ضعيفة حتى اللحظة. هذان نجدهما اليوم متجاورين، وكلاهما ملتصق بالقاع. هذا القديم هو بشكل بقايا؛ لأنه منهار؛ لكن المشكلة هي في أن كثيرا من القراءات ترى أنه مازال محافظاً على وجوده الرأسي، وأنه مازال كتلة متماسكة، واحدة، ويتم التحليل على هذا الأساس الخاطئ، بينما في الحقيقة هو ليس كذلك، هو موجود في شكل قاعي ومنظومته كلها قد تفككت، وليس في يديه نفس المنظومة السابقة لكي يحكم بها أو يعيد حكمه. قلنا: في هذا الوضع الأفقي يوجد تجاور؛ لكن يوجد أيضاً نوع من التداخل. التجاور هو حالة موضوعية؛ لكن التداخل يتم بفعل ذاتي، وهذا ما نلاحظه من خلط للأوراق، من إعاقات، من محاولة دفن النبتة بالركام والحطام، وليس بشيء جديد.
اليوم هناك من يريد لهذه الحالة من غياب الملامح أن تمتد. كثيرون، في تكتيكاتهم السياسية، يطيلون من هذه الحالة، مراهنين على الزمن، على أن أمراً ما سيتغير، وأنه يمكن للمعادلات الدولية أن تتغير ويجدوا حينها مساحة. أعني أن البعض يريد أن يبقي على هذه الحالة قدر المستطاع.
ما هي الجهات السياسية التي تلعب هذه اللعبة؟
كثيرون. هناك أولا لفيف من السياسيين الانتهازيين، وهم موجودون. وهناك ثانيا قوى فساد مالي وإداري وسياسي. وهناك ثالثا قوى مازالت موجودة، وهم الذين سماهم الأستاذ أحمد قاسم دماج المتساقطون من كل المراحل، وهم لفيف أضيف إليهم لفيف ثان. هؤلاء يلعبون لعبتهم.
لكن أيضاً هناك أشياء تشكل مخاطر على أي مرحلة انتقالية: أن يكون لديك مرحلة انتقالية، وألا يكون لديك رؤية وتصورات متكاملة. اليوم الموجود رؤى مجزأة ورؤى أيضاً تركز على مصالح فئوية، وهذا غيَّب وجود رؤى وتصورات متكاملة للسير في هذه المرحلة الانتقالية.
في قضية التقسيم الفيدرالي ذكرت أن تقسيم الإقليمين إلى ولايات سيحل المشكلة التهامية ومشكلة صعدة وغيرهما من المشاكل... هل يعني هذا أن التقسيم سيكون على أساس مناطقي وجهوي ومذهبي...؟
التقسيم بالنسبة لنا نتجاوز فيه 3 قضايا:
القضية الأولى: ما يؤدي إلى مخاطر جيوسياسية بالنسبة لليمن؛ أي أنه تقسم يؤدي إلى إيجاد تكوينات سياسية جاهزة لأن تنفصل.
القضية الثانية: أية مخاطر مذهبية.
القضية الثالثة: فصل مناطق الثروة عن مناطق الكثافة السكانية.
هذه مخاطر يجب وضعها في الحسبان عند التقسيم إلى ولايات.
سمعنا كثيراً تركيزكم على عدم فصل التجمعات السكانية عن الثروة، بشكل يوحي وكأن هناك طرحا يسعى أصحابه إلى فصل هذه التجمعات عن الثروة...؟
نعم، هناك أطروحات ورؤى فيها هذا الفصل. مثلاً هناك تصوران مطروحان، أحدهما تقسيم البلد إلى خمسة أقاليم، والآخر التقسيم إلى إقليمين. من الأشياء التي تحكم التقسيم إلى إقليمين هو المخاطر التي شرحتها, يعني مثلاً التقسيم إلى خمسة أقاليم يقسم الشمال إلى 3 أقاليم والجنوب إلى إقليمين. هذا التصور يقسم الشمال إلى 3 أقاليم بحيث لا يتيح التحكم في أن يكون هذا التقسيم غير مذهبي، بالنسبة للجنوب في هذا التصور يقسم إلى إقليمين، تكون فيه شبوة وحضرموت والجزر إقليما، وعدن وأبين إقليما. الإقليم الأول كبير جداً وفيه ثروات وقلة سكانية، وفي الإقليم الآخر كثافة سكانية. هذا جانب إشكالي.
وشركات البترول دائماً، خاصة في مناطقنا العربية، تنقب حيث توجد ثروة وكثافة سكانية قليلة، من أجل أن يكون هناك فائض في الثروة إلى الخارج. هذا خطر، إضافة إلى أن إقليما كبيرا بهذا الشكل فيه خطر جيوسياسي. والشمال إذا قسمته إلى 3 أقاليم لا يمكنك أن تتجاوز كتلة في هذا التقسيم ذات بعد طائفي ومذهبي.
دعني أبدي هنا استغرابي من أن الناس مصرون على مناقشة رؤية الإقليمين فقط، والبحث عما في هذا التقسيم من مشكلات، دون نقد رؤية الأقاليم الخمسة، وهي رؤية مطروحة ومقدمة في المناقشات داخل مؤتمر الحوار.
في رأيك ما السبب؟
والله لا أعلم.
مَن مِن حلفائكم داخل المشترك موافق على طرح الإقليمين الذي قدمتموه؟
بقية أحزاب المشترك ليسوا مع طرحنا هذا.
ألا تخشون من أن يؤدي طرحكم هذا إلى إعادة نفس التحالفات، ويعيد تحالف 7/7 الذي قاد الحرب ضدكم، خاصة وأن هناك من يقول إن رؤيتكم ستخلق تقاربا بين الإصلاح والمؤتمر؟
نحن في هذا الجانب نظل نطرح مقترحنا ونصر على مناقشته بشكل جدي، ونؤكد على ما فيه من إيجابيات، ونستوعب كل ما يمثل قلقا للآخرين، ونبحث له عن حلول، أي أنك بالمعطيات القائمة اليوم لا تستطيع أن تتجاهل القضية الجنوبية، ولا تستطيع أن تقفز على الحركة السياسية التي أنتجتها هذه القضية. الآخرون لا يعيرون اهتماما لهذا الموضوع نهائياً، كأنما هناك نوع من التعالي أو الفوقية في النظر إلى هذه القضية، يريد أن يقسم وفقاً لمصالح.
ما ألاحظه أنا الآن من المناقشات هو تصفية مشروع الاشتراكي مقابل استبداله بالمشروع الثاني، مشروع الخمسة أٌقاليم.
ما الذي يجعلك تنظر إلى الأمر بهذا الشكل؟ أعني ما الذي يجعلك تعتقد بأن هناك من يريد تصفية مشروع الاشتراكي؟
- قل لي ماذا يفهم عندما يناقش وينتقد مشروعا في حين لا ينتقد المشروع الآخر؟ من الناحية السياسية هذا يعني أنك تريد إزاحة مشروع وتعطي مساحة للمشروع الآخر. إذا كانت الفيدرالية خطرة، لماذا فقط يتم نقد مشروع الاشتراكي ويغض الطرف عن بقية الطروحات الفيدرالية؟
ربما لأنهم ينظرون إلى مشروعكم باعتباره فيدرالية قائمة على أساس شطري...؟
- رؤيتنا ليست قائمة على أساس شطري إطلاقاً؛ لأنه لو كانت على أساس شطري لما كان فيها حكومة اتحادية، إذا كانت على أساس شطري لما كان فيها أن تأتي الولايات مباشرة إلى البرلمان الاتحادي بعيداً عن الإقليم، أين الشطرية في هذا الطرح؟
بماذا تفسر أنت مخاوف الناس من مشروعكم؟ كثيرون خائفون، بينهم كتاب كانوا إلى وقت قريب قريبين منكم؟
- عندما نقرأ ما يكتبون لا نقرأ مخاوفهم، فقط نقرأ نقدهم للمشروع ورفضه؛ لكنهم لم يقولوا ما هي مخاوفهم من كل هذا، حتى تكون هناك أرضية للنقاش.
والأحزاب السياسية ألم يعبروا أيضاً عن مخاوفهم من مشروعكم، سواء كانت أحزابا من حلفائكم أو من خصومكم؟
الأحزاب السياسية لا تقول إلا أن هذا الطرح سيؤدي إلى الانفصال. حسناً، نقول: هذا مقترحنا طرحناه أمامكم ونرد على أسئلتكم بهذا الاتجاه. أنتم ما هي بدائلكم؟ ماذا تطرحون كبديل، سواء في شكل فيدرالي أو شكل آخر؟ وما هي تبريرات هذا الطرح؟ لكن الملاحظ أن هذا كله غائب.
ألا تعتقد أن الفيدرالية أًصبحت تعبيرا عن حالة مصالح ورغبات أكثر مما هي مسألة علمية؟
- لا؛ الفيدرالية هي من الحلول المنطقية والواقعية. أحياناً قد لا يكون هناك صلة بين المنطقي والواقعي؛ لأن المنطقي الذي يتفق مع العقل ربما الواقع لا يقبله؛ لكن اليوم المنطقي والواقعي بينهما صلة كبيرة؛ لذا أقول بأن وضع الحلول بدون الأخذ في الاعتبار المشكلات القائمة في الجنوب والحركة السياسية هناك، التي هي ليست حركة سياسية عادية، هي حركة سياسية شعبية جماهيرية، فاليوم يخرجون هناك بمئات وعشرات الآلاف يطالبون بالانفصال، فلماذا الآخرون مستهزئون بهذه الحركة بهذا الشكل ولا يعطونها أي اعتبار عند وضعهم للحلول؟
ما هي بدائلكم، خاصة وأنه يبدو من المناخ العام أن هناك رفضا لمشروع الاشتراكي، وهناك تصريحات لكم بأن الاشتراكي متمسك بمشروعه؟ ما البدائل إذا لم تصلوا إلى اتفاق مع الآخرين؟
- هناك دعاية مضادة، وليس رفضا منطقيا. هناك هجوم يأخذ طابعا دعائيا، وهو ليس رفضا منطقيا؛ لأنك لا تقرأ فيه لماذا هو رافض، كل ما يقولونه أن هذا سيؤدي إلى الانفصال. نقول لهم إن هناك ضمانات كثيرة لعدم الانفصال، أولها أن هذه الدولة الاتحادية ستقوم على دستور وليس على عقد بين شطرين.
الآن يبدو كما لو أن الحزب الاشتراكي يعيد التحالفات في البلاد، فحوله يتم الفرز: إما مع الحزب أو ضده؛ كأنه محور. ما تفسيرك لهذا الأمر، خاصة وأن الوضع، فكرياً وثقافياً، يبدو حيويا بالنسبة للحزب...؟
- حيوي كثير.
ما تفسيرك لهذا الأمر؟
- تفسيري أن البلد يشهد تحولات حقيقية وتغيرات...
(مقاطعاً) لماذا لا يكون حزب الإصلاح أو المؤتمر هو أساس الفرز؟ لماذا فقط الاشتراكي؟
برنامج الاشتراكي الذي كان في الماضي أو أهدافه السياسية الوطنية والتحررية الحديثة صارت اليوم أهداف الشباب والجيل الجديد إلى المستقبل.
هذا واحد من المعطيات. الثاني: توجد ثقة لدى الناس بالحزب الاشتراكي، ليس في أدائه، لأن أداءه مازال يعاني من صعوبات؛ لكن ثقة بمصداقيته في تمسكه بهذه الأهداف؛ لأنه ظل يناضل من أجلها منذ فترة طويلة، ومازال مستمرا؛ ولأنه أيضاً الحزب الذي يتحدث عن مستقبل هذه البلاد، وليس عن ماضيها.
دبلوماسي غربي كبير في صنعاء، عندما حدثته عن الفيدرالية، وعن عدة ولايات وكنت حينها متحمساً، قال لي بهدوء: "أنتم دولة فقيرة". هل فكرتم في حجم المال الذي سينفق على جهاز بيروقراطي بهذه الضخامة؟
- نعم فكرنا، طبعا، عندما تفكر وتقارن بين الفيدرالية من إقليمين، والفيدرالية من خمسة أقاليم، ستلاحظ أن خيار الإقليمين أقل كلفة. ثم إن ذلك سيسبقه مرحلة انتقالية. المؤسف أن السلطة عندنا، اليوم، تعتمد على الخبراء، والخبير يعرف في شيء واحد كل شيء، لكنه لا يعرف في كل المواضيع. الخبير في العادة تقني، وليس صاحب رؤية، ليس عنده تصور لمجمل المشكلات المترابطة في المجتمع. يقول لك أنت لن تستطيع أن تدير لأنه ما عندك فلوس. بنفس الطريقة أيضاً ممكن يقول لك: أنت لن تستطيع حل مشكلات الجنوب لأنه ليس لديك مال لدفع التعويضات"، لكن المال سيأتي .
نقطة ثانية أنت، كيمني، لا تستطيع أن تعمل حلولاً، خاصة في شكل الدولة، دون أن تأخذ المصالح الجيو سياسية للجوار العربي.
أن تبني بلدا على أسلوب الهندسة السياسية اعتماداً على خبراء، فهذا سيؤدي إلى مشكلة كبيرة؛ لأن الخبراء قد يعرف كلٌّ في مجال اختصاصه؛ لكن بشكل شامل وصورة واسعة تتضمن رؤية هؤلاء اختلالات معرفية كبيرة لمشكلات اليمن، وبالتالي لا يُمكن أن يضعوا تصورات وحلولا واقعية. الآن أنت عندك، مثلاً، تسع فرق عمل في مؤتمر الحوار الوطني تريد أن تحلها. يمكنك أن تستخلص من معطيات كل هذه الفرق رؤية أوضح وأشمل؛ لكن الإبقاء عليها بهذا الشكل هو مسألة تجزيئية للأمور، والنظر إلى المشكلات بانفصالها عن بعضها البعض..
وأخيراً لا يمكن الإجابة عن سؤال الفيدرالية، أو الدولة الاتحادية الوطنية بإجابات قطعية أو بإبداء الرأي بشأنها ب (ضد) أو (مع) في هذه المسألة. نحن بحاجة إلى مناقشات مسؤولة وموضوعية وعلمية، ومن دون التذاكي من أجل تمرير فكرة معينة تنطوي على الرغبة في إدانة طرف أو شيطنته وتشويه فكرته، وذلك ينتهي إلى أسلوب التسييس المفتعل للمشكلة وخلط الأوراق بشأنها. وفي هذا السياق، من المهم الابتعاد عن الخفية في الطرح، لما يجب أن يكون من دون تحليل واقعي وحقيقي بكيفية (تطبيق ما يجب أن يكون). وإلى ذلك اقترح، خلال هذا اللقاء الصحفي مع صحيفة "الشارع"، وأدعوها لتبني هذا المقترح: الدعوة إلى ندوة فكرية سياسية على صفحاتها حول موضوع الدولة الوطنية الاتحادية، والحل الفيدرالي. أٌقترح ثلاثة منطلقات لهذه المناقشة :
1- كل دولة بنظامها السياسي وشكلها تنبثق عن ديناميات داخلية، ولها مرجعها السياسي والاجتماعي والتاريخي .
2- إن الصراعات السياسية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر لم تكن عرقية أو طائفية أو مناطقية أو جهوية؛ تلك الصراعات السياسية كانت حول الشراكة السياسية الوطنية في السلطة والثروة .
3-إن الحل للقضية الجنوبية في إطار الوحدة يرتبط ويتكامل بشكل وثيق مع قضية بناء الدولة القادرة على استيعاب محددات للقضية الجنوبية.
(مقاطعاً) الآن طرحكم للفترة التأسيسية التي تقولون إنها ضرورية لما بعد انتهاء الفترة الانتقالية الحالية، ألا يُعتبر هذا الطرح مجرد هروب...؟
(مقاطعاً) هروب من أيش؟!
مر حتى الآن عامان على الفترة الانتقالية ولم نصل إلى حل، وقد يتكرر الأمر نفسه في الفترة التأسيسية. إذا بقينا نعمل بنفس الأدوات وبنفس الآليات، التي كانت هي سبب أزمة البلاد، فلن نصل إلى حل. والخوف أيضاً أن يتم الانتقال إلى الفيدرالية دون تحقيق أي حل لإخراج اليمن من أزماتها. طالما بقي العمل يتم بنفس الآليات والأدوات، فهذا يعني ترحيل المشكلات من فترة إلى أخرى. إذا بقيت السلطة ذاتها متحكمة بالعملية السياسية ومصدر القرار، فلا يُمكن أن تكون هناك فائدة.
ما المقصود بالمرحلة التأسيسية؟! المقصود بها تعديل موازين القوة، وتمكين الأطراف السياسية التي ظلت مقصية طوال الفترة الماضية سياسياً ومادياً. الذي حصل في اليمن، مثلاً، هل تستطيع أن تقول إن الثورة الشبابية الشعبية، والحراك الجنوبي، لم يُنتج شيئاً جديداً في هذا الواقع، لم يُعدل في موازين القوى السياسية، لم يدفع بقوى جديدة تشترك اليوم في العملية السياسية الجارية؟! في هذا الاتجاه، دعنا نقرأ الحوار الوطني الشامل. الملاحظ أن الحوار الوطني اليوم هو مؤسسة قائما على أسس، وعلى أنظمة، وعلى نظام لتوازن القوى القائمة في البلاد، والحوار بينها؛ وإلا فالحوار يتم بين من ومن؟! يمكن أن نُعرف الحوار الوطني بأنه لحظة بنائية تقوم على إجراءات توافقية، وهذا لم يكن موجوداً، في أي يوم من الأيام، داخل اليمن. كانت الحوارات تتم بين القوى السياسية على أساس صفقة، تهتم بالحاضر، وتستوعب...
(مقاطعاً) لكن مازال التأثير والفعل خارج مؤتمر الحوار، والفشل البادي اليوم عائد إلى أن مؤتمر الحوار لم يُسند بإجراءات حقيقية وجادة تدعم العملية السياسية القائمة في الحوار، هناك فشل اقتصادي وأمني، وهيكلة الجيش والأمن لم تمضي بشكل جيد وفعال...؟
نحن نريد أن نضع مؤتمر الحوار في السياق. تعرف، اليمن بلد جيو-استراتيجي، تدخلت قوى دولية وإقليمية لاحتواء تطورات كبيرة كانت ستفضي إليها الثورة الشبابية والشعبية، وأفضت هذه التدخلات إلى نقطة مهمة، أنه لا يوجد أيٌّ من الطرفين، الثائر الجديد أو القوى القديمة، قادر على التخلص من الآخر أو الانتصار عليه بالضربة القاضية، وبالتالي فالصراع يستمر، لا ينتهي. كان يمكن ألا يستمر الصراع إذا لم يتم عقد مؤتمر الحوار الوطني؛ لأن القوى الجديدة غادرت مساحتها؛ لكنها أوجدت لها مساحة في مؤتمر الحوار الوطني. لهذا أنا أقول إن القوى الجديدة، الثورة الشبابية، الحراك، وجدوا لهم مؤسسة وأرضية يناضلون عليها. عندما تدخل في صراع لا يُحسم بالضربة القاضية، بل بالنقاط، يجب أن تستوعب أن خصمك سيعطيك ضربة، ضربتين، ثلاث... وأربع... تبدو عند البعض وكأنها هزيمة! يجب أن تستوعب أنك موجود في ميدان واحد وداخل في صراع يأخذ بُعدا سلميا، لأنه لا إمكانية لحسمه بالضربة القاضية؛ إذن فالفوز يتم بتسجيل النقاط. هذه، أولاً، صورة جديدة للصراع بين القوى المتصارعة داخل اليمن؛ وبالتالي، إذا تقدمت أحياناً هذه القوى التقليدية داخل مؤتمر الحوار فأنا لا أنزعج؛ لأن العملية ماشية هكذا، ولأنه متاح له أيضاً أن يتقدم، ولست أنت وحدك من يتقدم فقط. لهذا، فالحوار الوطني يسير ويعكس ديناميكية معينة تجعل من الحوار الوطني ديناميكية متوجة، وليست ساكنة، وهذا جميل. متوجة بمعنى: فيها صعود وفيها هبوط، فيها توثب وفيها انكفاء... وهذه أمور تتبادلها القوتان اللتان تتصارعان في هذا المجال. لاحظ أنت، كم عملت الأطراف الأخرى لإفشال مؤتمر الحوار الوطني وإغلاقه في وقت مبكر؟! كل ما يفعلونه يبقى بعيدا عن أن يُعطل الحوار الوطني. استُخدمت أشياء كثيرة، مثلاً في الجانب الأمني: تفجير الحرب الأخيرة [يقصد الحرب بين الحوثيين والسلفيين]، صارت هذه الحرب معزولة عن هدفها الذي قامت من أجله؛ لكن الناس لا يرون إلا أن الحوار هو معزول عن الواقع.. يقولون هذا. لماذا هذه النظرة أحادية الجانب غير صحيحة؟ هذه الأشياء فُعلت لضرب التوجهات القائمة. إذا لم يكن هناك إسناد من المجتمع الدولي ما كانت القوى الحديثة قادرة على أن تستمر لوحدها. اليوم، الخارج أصبح لاعبا داخليا، بدليل أنه كل شهر يجتمع، يسمع تقريرا عنك، يتخذك بشأنك إجراءات، وهذه تعكس توجهاً لدى المجتمع الدولي. اليوم، نحن في الحزب الاشتراكي نُركز على ضرورة التعامل مع وحدة المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن في السياسات تجاه اليمن؛ لأنه ما الذي يعنيه مجلس الأمن؟ مجلس الأمن يعني وحدة السياسات الخارجية للدول الكبرى تجاه بلد معين، سياسات متفق عليها. اليوم، الآخرون يبحثون عن تفكيك هذه الوحدة، مثل التوجه إلى دولة إقليمية لوحدها، أو التوجه إلى أمريكا لوحدها، أو التوجه إلى فرنسا لوحدها... يريدون إعادة الأمور إلى وضع سابق لهذا الوضع القائم.
ما الذي يضمن أن تكون الفترة التأسيسية، التي تُطالبون بها، فترة فاعلة، وتُحقق المطلوب منها؟ ما الذي يحول دون أن تكون فترة ضائعة من حياة الشعب اليمني؟
توازن القوى الحالي داخل مؤتمر الحوار الوطني. مؤتمر الحوار الوطني هو المؤسسة السياسية الوحيدة التي تنتمي اليوم إلى المستقبل. عندما يتوقف مؤتمر الحوار الوطني، أو ينتهي من أعماله، فالمكان الوحيد الذي ينبض بالسياسة سيغيب من البلاد. إذا لم تستطع أخذ مؤتمر الحوار الوطني، بشكل مختلف، إلى مرحلة تأسيسية تعطي لهذه القوى وجودا ماديا حقيقيا ملموسا، فإنك قد خسرت ما كان معك، كقوى حديثة. لكن مسألة النجاح والضمان، فالنجاح أنت، والضمان أداؤك؛ لكن مع صعوبات الواقع، لا تُغري نفسك بأنك ستنجح مائة في المائة.
هل يعني كلامك هذا أنك مع تحويل مؤتمر الحوار إلى أداة تشريعية بديلة للبرلمان، ويستمر في الفترة التأسيسية؟
يكون أداة مؤسسية تكون لها وظائف محددة في القانون، تكون بديلة، أو تتعايش مع غيرها، هذا أمر يُترك للنقاش؛ لكن الآن، مثلاً، الشرعية الثورية، ممثلة في هذه المؤسسة (مؤتمر الحوار)، عندما تغيب هذه المؤسسة ستغيب الشرعية الثورية نفسها. إذن أليس من المفيد، والمهم، أن تتحول هذه الشرعية الثورية، عبر مؤسسة من هذا النوع، إلى قوى مادية، خاصة وأن الشباب لم يتمكنوا من تحويل أنفسهم إلى أحزاب سياسية، أو تجمعات سياسية معارضة، أو شيء من هذا القبيل؟ إذا لم تُدرك ماذا أنجزت فستفقده بكل سهولة.
عندما تقول بضرورة تحويل مؤتمر الحوار الوطني إلى قوة مادية، سينظر الآخرون إلى مؤتمر الحوار وكأنه نوع من المحاصصة الجديدة. هناك كثيرون متضايقون من المرحلة الانتقالية الحالية، كونها بدت كما لو أنها محاصصة، والمرحلة التأسيسية، التي ستنقل مؤتمر الحوار إلى مهام جديدة، ستكون امتداداً للمحاصصة القائمة، وستُشرع لها، وستمد من عمرها...؟
هذه ليست محاصصة. نحن ننظر إلى مؤتمر الحوار كمؤسسة جامعة تنتمي إلى المستقبل، وكل مخرجاتها التي وصلت وسيُتوصل إليها تُفكر في الآتي. هناك صعوبات أمام تنفيذ هذه المخرجات؛ لكن لدينا دعم المجتمع الدولي. مؤتمر الحوار يجمع قوى مختلفة، قوى حديثة، قوى تقليدية، وقوى حزبية يسارية. أنا أنظر إلى مؤتمر الحوار كمعطى نتج عن التحولات السياسية التي جرت في هذه البلاد نتيجة للثورة الشبابية الشعبية، والحراك السلمي في الجنوب. هذه القوى يجب أن تجد موقعها ومكانتها، وما المعيب أن يكون لها وظيفة سياسية مشرعة؟!
يبدو الأمر نوعا من المحاصصة، المفروض أن تأخذ هذه القوى مكانها عبر آلية طبيعية، عبر انتخابات، عبر تغيير حقيقي في مستوى تفكير الناس بحيث تصبح هذه القوى خيارا بالنسبة للناس، لا أنت كسياسي تقرها وتمنحها حصة...؟
اليوم، الديمقراطية ليست موجودة في اليمن كنظام حياة شامل. اليوم الديمقراطية تُستخدم وسيلة، أو أداة من أدوات الصراع، وبالتالي فلا تنظر للأمر خارج هذه المسألة...
(مقاطعاً) لماذا تهربون من الانتخابات، وتبدون كما لو أنكم لا تريدون انتخابات، تريدون تمديد الفترة الانتقالية عبر استحداث تسمية جديدة لها؟ هل أنتم خائفون من الفشل؟
لا، أبداً. لا يُمكن أبداً أن نهرب من الانتخابات، إذا تأخرت هذا العام، أو العام القادم، فهي ضرورية جداً لاحقاً. مهما كان، لا يُمكنك أن تهرب من الانتخابات. عندما جاءت المبادرة الخليجية، نظرتْ إلى الأمر كأزمة سياسية في اليمن، ولم تنظر إليه كثورة، وعندما تدخل المجتمع الدولي، بعد ذلك، بسبب إصرار الشباب على حركتهم، رفضوا، إلى حد بعيد، توصيف ما يجري في البلاد باعتباره أزمة سياسية بين طرفين كانا في السلطة... وكانت هذه نظرة البعد الإقليمي؛ لكن عندما اتخذ مجلس الأمن القرار 2014، واعتبر هذا القرار الآلية التنفيذية المكملة للمبادرة الخليجية، وهذه الآلية التنفيذية المكملة (قرار مجلس الأمن) هي في حد ذاتها مبادرة كاملة استوعبت إلى حد كبير كثيرا من مطالب الثوار. الآن أنت عندما تقول انتخابات، وتُركز فقط على المبادرة الانتخابية، وتنسى هذا الشق، هناك ستُركز على انتخابات ستؤسس لوضع جديد...
(مقاطعاً) ما يثير مخاوف الناس من فترة تأسيسية جديدة هو أنها ستحكم بنفس أدوات وسلطة الماضي. العامان الماضيان أثارا حالة من اليأس لدى الناس؛ عن أننا لن نُحقق نتائج في تمديد الفترة الانتقالية طالما ونحن لم نُحقق شيئاً في الفترة الماضية...؟
أنت في المرحلة التأسيسية ستُضيف قوى أخرى جديدة إلى جانب هؤلاء الموجودين اليوم؛ لكن عندما لا توجد مرحلة تأسيسية سينتهي الأمر، وستخرج هذه المؤسسة [يقصد مؤتمر الحوار] بشكل نهائي وليس لها أي امتداد سوى تلك الأفكار التي صنعتها، وستظل مجرد أفكار.
الانتخابات والقوى التي تمتلك السلاح
الدكتور ياسين سعيد نعمان قال، في محاضرته الأخيرة، إن أصحاب السلاح هم من يسعون اليوم إلى الانتخابات...؟
(مقاطعاً) هذا صحيح.
هناك قوى لديها سلاح لكنها لا تريد انتخابات، كالحوثيين. حزب الإصلاح لديه سلاح ومليشيات لكنه لا يريد انتخابات... الوحيد الذي يريد انتخابات هو حزب المؤتمر؛ لأنه يشعر أنه مازال محتفظاً بمراكز القوى التابعة له: المشايخ، مدراء المديريات... وغيرهم، في المجتمع وفي الأجهزة الحكومية. أنتم لم تتمكنوا من تفكيك مراكز القوى هذه...؟
أريد أن أقول لك شيئاً: ألا تريد انتخابات فهذا لا يعني أنك شريك من لا يريد الانتخابات. أنت لا تريد الآن انتخابات، أنت تقول: نؤجل الانتخابات، والفترة الفاصلة نقوم فيها بمهام بنائية تُساعد على تثبيت حصاد الثورة، وهذا سوف يُضعف هذه القوى ولن يقويها؛ لأن الواقع اليوم مختلف. كل الأشياء التي فعلوها لإلغاء الحوار، أو لإفشاله، أو لإسقاطه، لم يستطيعوا أن يُقيموا عملية سياسية تُقابل العملية السياسية الجارية اليوم في البلاد. هذا الفشل يكشف أن هناك متغيرات لم تُمكن هذه القوى من إدارة الأمور اليوم بنفس طريقتها السابقة. مثلاً: لو أتيت أنت إلى القوى الإسلامية ستجد أن هناك متغيرات حدثت فيها؛ مسايرة للعصر، ومجبرة عليه.
صحيح، هناك متغيرات سياسية كبيرة؛ لكن هناك من يرى أن تغيرات حدثت أيضاً في القوى الحديثة واليسارية... ويُمكن الإشارة هنا إلى الخلاف الذي كان قائماً في مؤتمر الحوار حول الشريعة الإسلامية ومصدر التشريع، في هذه النقطة أنتم من قدم التنازلات...؟
لا أدري لماذا يرى اليسار، إذا تصرف بموضوعية معينة، أنه هو الذي تنازل، دون أن يرى الحركة الإسلامية التي قدمت أيضاً تنازلات. لاحظ: تركوا الحاكمية وقبلوا بمرجعية الشعب عن طريق صندوق الانتخاب، تركوا تحريم الحزبية وصاروا أحزابا، كانوا يرفضون الديمقراطية وصاروا ينخرطون فيها في الانتخابات، ونسمع أيضاً عن مراجعات فكرية و... و...
هناك قضايا يتم الخلط فيها، في أمور، كقضية الشريعة، تُحسم في المجال السياسي؛ لكن ليس فيها محل حسم في المجال الثقافي ولا المجتمعي؛ لأن هذه ضرورة من ضروراتهم. عند الكثيرين خلط عند الموقف من هذه القضية، وهو موقف أيديولوجي، وليس سياسيا، ونحن ليس لدينا أي موقف أيديولوجي. ما نحرص عليه نحن، وهذا ما ناقشناه في قيادة الحزب، أن هذا النص لا يجب أن يتحول إلى مرجعية أيديولوجية يتحكم بكل آلية الدستور؛ لكن وجوده ليس غريباً عن المجتمع ولا ثقافته.
أسألك: في مناطق الأطراف، المناطق التي لا تصل فيها الدولة، بماذا تُدار الأمور؟ وما يضبط حركة الناس وقيمهم؟ الدين الإسلامي هو دين مؤسسي، بمعنى أنه منظم للحياة، للحياة الاجتماعية، والحياة الأسرية و... و... هذه [يقصد قضية مصدر التشريع] قضية كيف تحسم فيها أنت؟ هذه ليست مجالا للحسم والمناقشة، هذه مجالها التطور الإنساني والاجتماعي.
اليوم، في البلدان المتحضرة لا يوجد موقف صارخ وحدِّي من الدين. هناك ثلاث تجارب في التنوير: الموقف الفرنسي، وهو معروف أنه حاد من الدين؛ لكن الموقف البريطاني، المجتمع البريطاني، الموقف الأمريكي، المجتمع الأمريكي، مختلف تماماً، وهذه مجتمعات متطورة. بالتالي، نحن لا نريد أن ننظر لهذه المسألة من موقف أيديولوجي نقيض، نحن نُميز بين مسائل تُحسم في السياسة، وهي التي نبحث عنها وقائمة على رفض تسخير الدين لخدمة السياسة، لأن السياسة فئوية ومصالح والدين للجميع. من الأمثلة التي أذكرها، مثلاً، كيف أجازت لجنة الشريعة، قال هذا الدكتور ياسين سعيد نعمان، كيف أجازت وصادقت ووافقت على بيع الغاز بثلاثة ريالات...؟ كيف أجازت ذلك، أن يُنهب شعب بكامله بهذا الشكل؟

سأعود إلى مؤتمر الحوار، واضح أن المدة المحددة للمؤتمر، التي هي ستة أشهر، انتهت دون أن تُحسم أهم القضايا فيه، والتي هي شكل الدولة والقضية الجنوبية. كثير من القضايا لدينا تُحل عبر الصفقات، ويبدو أن هاتين القضيتين (شكل الدولة والقضية الجنوبية) لا يتم حسمهما داخل مؤتمر الحوار، ووفقاً لآلياته، بدليل أنه تم حصر القضية على ما عُرفت بلجنة ال16. ألا ترى أن هذه الطريقة هي نوع من صفقات تُمرر من تحت الطاولة، وبعيداً عن الآليات التي يُفترض أن تمر بها؟
يمكنك أن تنظر إلى هذا الموضوع من زاويتين: عندما يكون عدد المناقشين كبيرا، ويطرحون آراءهم، يضطرون إلى تشكيل لجان مصغرة لتلخيص هذه الآراء، وهذا لا يعني إعادة الأمور إلى الكواليس؛ لكن هناك أيضاً من يريد إعادة الأمور إلى الكواليس. مع ذلك، وفقاً للنظام الداخلي لمؤتمر الحوار، فهذه المسائل لا تنتهي هنا، بل تُعاد إلى الفريق الأصل للاتفاق عليها أو إقرارها. هذه تصبح أداة أو وسيلة من وسائل العمل، لا أقل ولا أكثر.
القضية الجنوبية قضية كبيرة، قضية صراعية، قضية فيها مصالح على الأرض، قضية نالت حربا طويلة عريضة دفع الشعب ثمنها، لهذا لا يُمكن أن تُحل بهذه السهولة. مثلاً: لو أجل مؤتمر الحوار كثيرا من قضايا من فرقه التسع، هل يُعتبر هذا فشلا؟! لا بد أن يُعترف له بجزء من النجاح، ولا يقال إنه فشل بشكل كامل. مشكلتنا النتائج الصفرية، أو المباريات الصفرية، بمعنى لا بد من ستة أشهر ويكمل في ستة أشهر! في الحياة مشكلات وصعوبات تجعلك تمد الأمور، وتعمل شيئا، والبعض يؤجل، والبعض ينقل إلى مسار مختلف. المباريات الصفرية لا ترى الأمور مركبة، الحياة مركبة.
لجنة ال16 والخلاف حول العدالة الانتقالية
ما الذي أنجزته لجنة ال16؟ ولماذا توقف عملها منذ ما قبل عيد الأضحى الفائت، وحتى الأسبوع الماضي؟
لجنة ال16، عملها جرى في ثلاثة اتجاهات:
الأول: ترجمة المقصود بأن القضية الجنوبية تُحل عن طريق إعادة هيكلة الدولة. وهذا تم الحديث فيه، أن إعادة هيكلة الدولة لا يُمكن أن يتم إلا من خلال دولة تأخذ طبيعة اتحادية.
الثاني: أنجزت اللجنة أن الدولة يجب أن تكون اتحادية، ومازالوا يناقشون ما إذا كانت هذه الدولة مكونة من إقليمين أو من أكثر. المشروعان اللذان طُرحا حتى الآن هما: إقامة دولة اتحادية من إقليمين، وهذا طرحه الحزب الاشتراكي، ودولة اتحادية من خمسة أقاليم، وهذا طرحه الإخوة في الإصلاح وحزب المؤتمر والناصريون.
الثالث: المضمون السياسي لهذه الدولة الاتحادية، كيفية توزيع السلطة على المستويات الثلاثة: الحكومة الاتحادية، الأقاليم، والولايات أو المناطق التي ستكون داخل الأقاليم. أيضاً بدأنا، في لجنة ال16، نناقش ما هي ضمانات تنفيذ هذه المخرجات، متى ما انتهينا منها؛ لكن هناك من قال إن قضية هذه الضمانات، والمرحلة التأسيسية، شُكلت لها لجنة لتناقش في مكان آخر، في رئاسة مؤتمر الحوار...
(مقاطعاً) ما سبب نقل نقاش الضمانات والمرحلة التأسيسية إلى رئاسة مؤتمر الحوار؟
لأن فيها ضمانات، ولا بد أن يكون لديك مصداقية، لا أن تقول خمسة أقاليم وتقول خلي هذي الدولة، وخلي هذا الأمر للزمن، وبعدين سنناقش هذا الأمر... هذا نوع من التهرب.
هذه ثلاث قضايا، لكن، مثلاً، هناك اتفاق على التالي: أولاً: أن المهام السيادية هي للحكومة الاتحادية. ثانياً: المواطنة اليمنية واحدة. ثالثاً: ليس لأي إقليم حق سيادي، لأنه فوض هذا الموضوع. رابعاً: هذه الدولة ستقوم على الدستور، وليس على اتفاق بين اثنين. وفي الدستور يُمكن أن تُوضع ضمانات كثيرة.
ننتقل إلى التعيينات. في محاضرته الأخيرة، قال الدكتور ياسين إن الحزب الاشتراكي كان الطرف الأقل في الحصول على تعيينات، وأنه صامت لأن الأهم لديه هو بناء الدولة. نحن نتفهم موقفكم هذا؛ لكن، إذا كنتم تريدون دولة لماذا تصمتون على التقاسم الجاري للوظيفة العامة بين الرئيس هادي وعلي محسن وحزب الإصلاح؟ لماذا لا تُحددون موقفاً مما يجري؟
هناك قناعة عند الكثيرين، وبالذات عند تحالف حرب صيف 94، أن الحزب الاشتراكي هذا يجب ألا يستمر؛ لأنه هو الوحيد الذي يقف على النقيض من هؤلاء، وانحيازاته دائماً إلى الشعب، وإلى المستقبل، ويضرب مصالح هؤلاء. هذا أمر محسوم، وأنتم تعرفونه. بالتالي، ففي مثل هذه القضايا، من الصعب أن يعمل الاشتراكي بأسلوب المساومة. هناك أشياء لا تقبل المساومة، مقابل أشياء كبيرة. طبعاً هذه مثالية؛ ولكن ليست دقيقة. نحن مجبرون على هذا؛ لأن هناك نوعا من تعامل قسري معنا. كثير من الأسماء التي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي، ويتم ترشيحها من جهات محددة، تبقى مجمدة في المراحل النهائية، وهذا يكشف عن موقف مبطن تجاه الحزب الاشتراكي. ربما البعض يطلب من الاشتراكي بعض مواقف تأخذ طابع المساومة، ونحن نقول إن الحزب الاشتراكي وإن انتقل من محورية الأيديولوجيا إلى محورية السياسة؛ لكنه لا يُمكن أن يتصرف بأصغر من تاريخه.
نحن معك في هذه المسألة؛ لكن نحن لم نرَ لكم موقفاً يُعبر عن رفض التقاسم الحاصل للوظيفة العامة.
لا، بل لنا موقف. لعلكم لم تُتابعوا، ولم تقرؤوا...
نتذكر أنكم أصدرتم بيانا أو بيانين، وهناك من يرى أن هذه البيانات، وهذا الرفض لا يكفي...؟
آه! معقول، ربما هذا صحيح! هذا صحيح. يُفترض ممارسة الموقف، في هذا السياق، بطريقة تختلف.
إزاء هذا التقاسم للوظيفة العامة، والأداء الهزيل، وفشل حكومة الوفاق، لماذا لا يتخذ الحزب الاشتراكي موقفاً وينسحب من الحكومة؟ وجودكم داخل هذه الحكومة يُبرر فشلها...؟
نحن نُناقش الانسحاب من الحكومة بشكل جدي؛ لأن أشياء كثيرة صارت محددة لهذه المناقشة بدلاً من القفز عليها.
أين وصلتم في هذا النقاش؟
النقاش مستمر. المشكلة، أيضاً، في هذه الحكومة، أن هناك من يُريد ترتيب جهاز الدولة بناءً على مقاييس سابقة، وهناك من يُحارب المستبد ويقبل بالاستبداد، يفصل بين المستبد والاستبداد. البعض الآخر يرى أنه لا يستطيع أن يستمد شرعيته من الشرعية الثورية؛ لأن هناك تنافرا بينه وبينها، وليس أمامه إلا أن يُؤكد شرعيته من باب أنه أزاح مستبدا، ويصر دائماً على مطاردة هذا المستبد في كل مكان. والسبب أنه يعيش أزمة شرعية، ولا يريد أن يلتزم للشرعية الثورية؛ لأنه إذا التزم لها ستُلزمه بأشياء كثيرة. نحن ما هو موقفنا؟ نحن نريد أن ننتمي للشرعية الثورية، أو نخدمها، ومن هنا تأتي مقترحاتنا بشكل كبير وتتناقض مع البعض.
أنت قلت إن هناك قضايا كثيرة لا يُمكن أن تُساوموا فيها. هناك معلومات تقول إن ممثليكم في فريق العدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار، والعدالة الانتقالية هي قضية حقوقية وإنسانية لا تقبل أي مساومة سياسية أو ابتزاز، مع ذلك يُقال إن الحزب الاشتراكي يُمارس نوعا من المساومة في قضية العدالة الانتقالية، بمعنى أنه قد يضغط نحو تطبيق العدالة الانتقالية بشكلها المعياري المعروف دولياً في إطار الشمال باعتباره (الاشتراكي) كان ضحية في الشمال، ويُساوم أو يرفض تطبيق هذا الأمر تجاه الجنوب باعتباره كان هناك جلاداً وليس ضحية.
هذا غير صحيح، إطلاقاً. الصحيح هو الاختلاف على تحديد متى تبدأ آلية العمل للعدالة الانتقالية. هناك إصرار أن تبدأ عام 1962 بالنسبة للشمال، وعام 1967 بالنسبة للجنوب، وهذا معناه يستبطن إدانة ثورة سبتمبر وثورة 14 أكتوبر فقط، ويعني أن هاتين الثورتين لم تفعلا شيئاً لهذا الشعب سوى أن صيرورتها رمتها أمام العدالة الانتقالية، وهذا غير صحيح. أقول لك، مثلاً، لو أن شخصا لديه إشكال عام 1960، أو عام 1961، لديه شكوى ومظلمة حقيقية، وإن لم يكن على قيد الحياة فعائلته موجودة، ألا يحق له أن يُتابع هذا الأمر إذا أغلقت المرحلة بهذا الشكل؟ ثم إنه كان يجب التركيز على العدالة الانتقالية التي هي بالأصل إبعاد التسييس عن إنصاف الناس؛ لكن أن تُسيس العدالة الانتقالية فأنت تخربها. نحن نطرح أنه يجب ممارسة العدالة الانتقالية بعيداً عن تسييس القضايا؛ لأنه عندما أنت تبدأ تسييس القضايا فأنت تُسيء إلى العدالة الانتقالية أكثر من أن تُتيح لها فرصة أن تقوم بأداء وظيفتها الإنسانية.
في فريق العدالة الانتقالية حدث خلاف حول قضية كشف الحقيقة. من هي القوى التي تقف ضد كشف الحقيقة؟
كشف الحقيقة أمر مهم، والذي لا يُريد كشف الحقيقة هو الذي يجد نفسه مداناً بها، في حال أنها كُشفت...
(مقاطعاً) موقفكم أنتم في الاشتراكي...؟
نحن موقفنا مع أنه يجب كشف الحقيقة بشكل واضح ونهائي...
(مقاطعاً) وبالنسبة للضحايا في الجنوب...؟
تُكشف الحقيقة، يجب أن تُكشف. الاشتراكي قد يجد كثيرا من القضايا بالنسبة لسياساته السابقة قد دخلت في التاريخ، وبالتالي هناك اطمئنان بأن تُكشف. هناك علاقة متينة بين السياسة والتاريخ. السياسة قد تكون التاريخ غداً، والتاريخ كان سياسة في الماضي؛ لكن كم هي الفترة الفاصلة بين انتقال السياسة إلى التاريخ؟ هذه الفترة الفاصلة قد تكون أشهرا، وقد تكون سنوات. بالنسبة للجنوب، قد تخلصنا. ما الذي يُعيق انتقال السياسة إلى التاريخ؟ أن يكون الفاعلون السياسيون سابقاً مازالوا يعيشون ومستمرين فاعلين. بالنسبة للاشتراكي، هذا الأمر قد انتهى. وبالنسبة للشمال مازال قائما؛ لأن الفصل بين السياسة والتاريخ لم يأت بعد.
هل هذا يعني أن جزءا من أسباب استمرار مشاكل اليمن أن الأدوات السياسية القديمة مازالت مستمرة وفاعلة؟
طبعاً، مازالت موجودة.
كيف يُمكن تحويل هذه الأدوات السياسية إلى تاريخ؟
شوف، أنت عندما تأتي بها إلى انتخابات مباشرة ستصبح سياسة من جديد (نضحك)؛ لكن عندما تأخذ مرحلة تأسيسية فهذه الأرضية التي ستتحول فيها من السياسة إلى التاريخ.
عملية هيكلة الجيش
كيف ترى هيكلة قوات الجيش والأمن؟ وما أسباب فشلها؟
هيكلة الجيش وجدت نفسها أمام حقائق صلبة وقوية أعاقت ما تم تجهيزه نظرياً للهيكلة، التي كانت خطة تتضمن ثلاثة أشياء:
الأول: مسألة نظرية تتعلق برؤية تطويرية للجيش وفقاً لمعايير الجيوش الحديثة.
الثاني: التحديد الكمي ونوعية الأسلحة من حيث القوات البرية والجوية وغيرها، وفقاً لمنظومات جيوسياسية تتعلق بالإقليم وتتعلق بالسياسات الدولية.
الثالث: هو بعد فني وتقني للعمل.
لكن ما الذي أعاق تنفيذ هذه الخطة كما وضعت؟ هل هذا عائد إلى أن البعد النظري كان مفارقا للواقع مفارقة تامة وكبيرة؟ أم أن أحدا، في العالم، لم يكن يتصور أن هناك جيشا مثل هذا؟ النقطة الأولى؛ الأمر كان يأخذ هم إعادة ترتيب مواقع ومكانة مراكز القوى في البلاد على قاعدة سد الثغرات أو المصادر التي تمنع إعادة استخدام القوات المسلحة في أغراض سياسية عسكرية انقلابية تكون معادية للعملية السياسية الجارية في البلاد، لذلك لم يتم التقدم في الجانب العسكري وفقاً للانضباط العسكري والمهني والتشبيب، إدخال مزيد من الشباب في القوات المسلحة. التعيينات الأولى التي رأيناها، كانت تبدو، للوهلة الأولى، ضمن الهيكلة؛ لكنها تمت على أسلوب تشتيت وتفتيت التركز في الألوية لأيٍّ من مراكز القوى، فتم تشتيت هذه القوى ذات التركز لمنع خطورة أن يُساهم الجيش في عملية انقلابية، وهذا الأمر تم من أجل تحقيق عجز مستمر لمراكز القوى وضرب المنظومة العسكرية التي كانت تحكم على أساسها.
المرحلة الثانية من عملية هيكلة الجيش، وهي مرحلة مهمة يجب التركيز عليها، كانت تستدعي تنقية القوات المسلحة من موروثات الحكم السابق. كيف؟ كانت تركيبة الجيش تقوم على الولاءات الشخصية والقبلية، وكانت الرتب العسكرية تُعطى بصرف النظر عن كون هذا الرجل عسكريا أو متدربا أو له علاقة القوات المسلحة. كانت تركيبة الجيش تُبنى على الانتفاع والاستنفاع؛ إذ كان هناك آلاف الجنود مسجلين في قوام الجيش ولكنهم ليسوا ضمن قوامه الفعلي، يستلم هؤلاء أجزاء من مرتباتهم، فيما تذهب أجزاء كبيرة منها للقادة العسكريين.
وكان هناك مشكلة هي التملك الإقطاعي ذو البعد الشخصي للوحدات العسكرية في القوات المختلفة، حتى أن بعض القوات كانت تُسمى بأسماء قادتها، يقال لك: هذه قوات فلان، وهذه قوات علان... أدى هذا الموروث إلى تدخل المؤسسة العسكرية في شؤون مؤسسات الدولة المدنية المختلفة، وممارسة أنشطة متنوعة خارج القانون، مثل التهريب والسيطرة على الموانئ... وغير ذلك. لاحظ أنت معارك تهريب الأسلحة، تهريب المخدرات، والسيطرة على الموانئ والصراع عليها... ويبدو أن الدولة مركزة على هذه الاتجاهات، وهنا هو الصراع الفعلي على القوات المسلحة، حيثما يتم نزع المصالح والصراع عليها. معركة محاولة احتلال المنطقة العسكرية الثانية في حضرموت جرت لهذه الأسباب؛ هناك بواخر تمرّ، والقائد الذي هناك يريد أن يضبط الأمور ويحارب تهريب الأسلحة وتهريب الأسماك... هناك تدخلات، وهو رفض ولم يقبل كلام... فقال بايؤدبه! الله يعلم من (يضحك)، فحصل الهجوم على مقر المنطقة العسكرية.
للأسباب أعلاه، يمكن القول بأن تنفيذ هيكلة الجيش لم تتم، ولم تبدأ على أسس علمية، وهذه المعيقات إذا لم يتم الخروج منها فلا أمل في الهيكلة، لكن اتخذ خطوات.
كان يُفترض أن تتم عملية هيكلة الجيش والأمن بالموازاة مع مؤتمر الحوار، بحيث لا ينتهي مؤتمر الحوار إلا وقد تمت عملية هيكلة الجيش والأمن. لا يوجد ضمانة لتطبيق مخرجات الحوار طالما ليس هناك جيش على أسس حديث، جيش دولة يأتمر بأمر الدولة. كيف تضمنون تنفيذ مخرجات الحوار وهيكلة الجيش لم تتم؟
هذا صحيح، لم يتم هذا الأمر، ولم يتحقق كما كان التصور، وهذا نتيجة للصعوبات الحقيقية الموجودة في البلاد؛ لكن هذه القوى التي كانت تريد أن تُعيق هذا الحوار وتنهيه ولا تعمل له أي أفق مستقبلي، هي التي تم تمزيق منظومتها داخل القوات المسلحة، فأضعفت. هذا فقط الجديد في الموضوع.
هناك قوى تعيق مؤتمر الحوار ومع ذلك زادت قوتها داخل الجيش. مثلاً حميد الأحمر هو ضد مؤتمر الحوار من البداية، وأعلن موقفه من البداية، ورفض المشاركة في مؤتمر الحوار، بسبب خلاف على أسماء وغيره، وهناك أيضاً الزنداني ضد مؤتمر الحوار، ضد عدم إشراكه وإشراك رجال الدين. هذان الاثنان لهما حليف قوي في الجيش والسلطة لم تُفتت منظومته في الجيش، بل زادت قوة...؟
ما يتم الآن بقبول توصياتهم وغيره... أهم شيء أنا ذكرتُه، ألا يتم تمكينهم من التركز في مكان محدد. الإشكال الثاني في الجيش هو أن عقيدة القوات المسلحة لم تحدد حتى اليوم، وقرأنا عندكم في الصحيفة أن خلافاً نشأ في إحدى القوات بين مؤيدين ل "أنصار الله" وآخرين مؤيدين للسلفيين، وبدؤوا يشتبكون... هذا بسبب غياب عقيدة موحدة للقوات المسلحة، وهذه مسألة مهمة كثيرا.
هناك أيضاً مشكلة التعيينات في الجيش؛ طوال الفترة الماضية، كانت التعيينات تصدر بناءً على تقاسم، لا بناءً على البحث عن كفاءات، وضباط ولاؤهم للوطن. الرئيس هادي تقاسم التعيينات في الجيش مع علي محسن.. أي هيكلة هذه؟
أنا قلت إنه لا توجد هيكلة.
الحرب بين الحوثيين والسلفيين
كيف تنظر إلى الحرب الجارية اليوم في منطقة دماج، وغيرها، بين الحوثيين والسلفيين؟
بداية، وقبل الحديث عن المعارك العسكرية والقتالية التي تدور حالياً في منطقة دماج، من أجل فهم أفضل لخلفيات هذا الصراع، نتناول عددا من الحقائق التي تحكم المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية في اليمن، ومحددات تطورات الأحداث ذات التجليات الملتبسة .
إن وضع اليمن اليوم من الناحية السياسية وضع مُدوّل، بمعنى أن اليمن دولة تحت التدويل، وقد تم هذا التدويل في هذه البلاد بطريقة متدرجة، وعبّر عن نفسه خلال ثلاث نقلات: الأولى في 1994، والثانية في العام 2010، والثالثة في العام 2011. هذه المحطات تحمل عناوين أسبابها الخاصة؛ ففي 1994 كان الأمر يتعلق بما تبلور فيما بعد في مفهوم القضية الجنوبية. وفي المحطة الثانية كان العنوان إنقاذ اليمن من الفشل، حيث صار توصيف اليمن كدولة من خلال مفهوم الدولة الفاشلة. والمحطة الثالثة وعنوانها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارا مجلس الأمن (2014) والقرار (2051)، وحدد ضوابط تحمي العملية السياسية من الانقلاب عليها أو تخريبها أو إفشالها. هذه المحطة الثالثة من التدويل تخبرنا أن القوى الدولية الكبرى في سياق المجتمع الدولي لها تصور محدد عن مستقبل اليمن ودوره ضمن استراتيجياتها المستقبلية على الصعيدين الأمني والاقتصادي، والمؤشرات الدالة على ذلك أن "الخارج" أو المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة، نجده يجمع في تعبيرات وجوده الملموس في اليمن، بين صفتي اللاعب السياسي الخارجي واللاعب السياسي الداخلي. هذا يعني أن الأزمة اليمنية انتقلت اليوم إلى المجتمع الدولي، ولا يزال المجتمع الدولي حتى اللحظة بدوله الكبرى متماسكاً بشأن السياسات المحددة تجاه اليمن. من هذا نستطيع القول بأن صراعاً دولياً تجاه اليمن لا وجود له على الأرض. هذا من ناحية، ولو وجد ما يشي بصراع إقليمي فهو لا يتعدى تصفية حسابات بين هذه القوى الإقليمية على الأرض اليمنية من دون أن يهدف هذا الصراع إلى استهداف سياسات المجتمع الدولي تجاه اليمن. إلا أن ما ينفي شبهة صراع إقليمي يشكل خلفية ما يجري في "دماج"، ربما نجده أو نجد مسوغاته في الحقائق التالية :
# إن هذا القتال يجري بعد اتفاقيات سياسية دولية وإقليمية في المنطقة، ونذكر منها تحديداً الاتفاقات التي تمت بين إيران والولايات المتحدة، إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، وقد جاء هذا الاتفاق تالياً لاتفاق أمريكي – روسي بشأن سوريا، ولعبت فيه إيران دوراً أساسياً وفاعلاً أدى إلى قبول سوريا بتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية التي تملكها .
# في الأسابيع الماضية قرأنا أخبارا تضمنت معلومات يبدو أنها مؤكدة عن ن وفداً رفيعاً من "أنصار الله" كان مستضافاً لدى السفارة السعودية، التقى خلاله مع المسؤولين الكبار والأساسيين، ولم أقرأ نفياً لهذا الخبر حتى الآن. يقال إن هذا اللقاء أفضى إلى اتفاق مع "أنصار الله" يقوم هؤلاء بموجبه بتأمين الحدود اليمنية السعودية وحمايتها من اختراق مافيا السلاح وتجارة المخدرات وتهريب البشر بأنواعه (الأطفال، الأيدي العاملة). وبالمقابل كذلك قرأنا زيارة القائم بأعمال السفير الإيراني لحزب الرشاد السلفي، وكان تصريحه أن إيران تسعى للقاء جميع القوى السياسية في البلاد ولن يحصروا لقاءاتهم بلون معين، وعندما سئل عن اللقاء الذي جمع "أنصار الله" بمسؤولي السفارة السعودية، أوضح ما معناه أنهم يشجعون الجميع، أي أنهم لا يعترضون وليس لديهم موقف سلبي من ذلك. هذان الحدثان يؤكدان لنا أن سياسات الدول الإقليمية التي لديها صلات باليمن بطرق ولأسباب متنوعة تقف حالياً بعيداً عن عرقلة سياسات المجتمع الدولي تجاه اليمن؛ لكن إذا وجدت في أحداث دماج شبهة صراع إقليمي ستكون لأسباب داخلية، لا بما تقوم به أجنحة سلطوية في كل من البلدين، كأن تقوم جماعة متشددة في "إيران" غير متحمسة لسياسات الرئيس الجديد فيما يتعلق بالاتفاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة والغرب، وأنا أستبعد أن يكون الأمر كذلك إلا في نطاق محدود. وفي السعودية تعاني الأوضاع الداخلية من إرهاصات تحولية ليس على مستوى السلطة وحسب، بل كذلك على المستوى المجتمعي، وثمة مؤشرات دالة على إعادة ترتيب مواقع مراكز القوى، وبعضها يخشى من ألا يكون له نصيب فيها، أو يتحاشى أن تهبط مرتبته، وعلى ذلك لا باس أن يلفت الانتباه نحوه بهذا التنوع من الأعمال المفتعلة حتى يتم الاحتياج له لإطفاء هذه البؤرة المشتعلة أو تلك.
لكن صناعة أحداث مثل هذه لا تتم بين ليلة وضحاها. وكانت صحيفة "السياسة" الكويتية نشرت أخبارا عن متحدث حجبت اسمه وصفته في يوليو بأنه يتوقع انفجار حرب ذات صبغة مذهبية في اليمن. وإذا كان الخبر الذي أوردته الصحيفة صحيحاً فمن الذي أعد لهذه الحرب، طالما نحن استثنينا الدول الإقليمية والقوى الدولية الكبيرة بعيداً عنها؟ وبالتالي لنا أن نستنتج أن ما يجري في "دماج" لا يعبر عن تشابكات إقليمية أو إقليمية دولية... الخ، خاصة وأن أحداث دماج انفجرت بعد توافقات دولية وإقليمية بشأن سوريا، والمطلوب هو -كما يقول الأمريكان- "التبريد" في المنطقة، وليس التسخين. إنما بحسب رأيي فإن ما يدور في "دماج" هو لأسباب وتشابكات داخلية، ولعل نسبة هذا الاعتقاد عندي يتجاوز ال95 % .
تعرفان عزيزيّ، نائف وعلوي، في عالم اليوم ومنذ العولمة هناك قوى أقل من دولة تستوعب مافيا السلاح وتهريب المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض، تقوم بأعمال وأدوار تنجح أحياناً في حرب أو عرقلة سياسات أو إحباط دول... وهذه قوى عابرة للبلدان، وتوجد ضمن تحالفات شبكية واسعة، لا تستبعد أن تصنع حروبا من هكذا نوع، خاصة وأن هذه القوى مؤخراً، على وجه الخصوص مافيا الاتجار بالسلاح، ضُربت بشدة وخسرت عشرات وربما مئات الملايين من الدولارات، وكنا سمعنا فعلاً في أكثر من إشارة صحفية من مراجع عليا في الدولة أن هذه القوى وراء تخريب البنية التحتية للنفط والكهرباء، وقد استغلت فعلياً هذا التدخل لمساومة الدولة. هذا النوع من الشبكات في اليمن يضم شخصيات بمناصب رسمية.
في "دماج" اليوم تختلط أهداف كثيرة؛ لكن تتوحد -كما يبدو لي- في العمل على تعطيل العملية السياسية، وإحباط مشروع دولة القانون، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين كانوا في سلطات الدولة ويستثمرون مواقعهم بالخروج عن القانون وامتصاص الدولة والتجبر على عباد الله في هذه البلاد، وهم كانوا فوق المساءلة والمحاسبة، فهم كما يبدو لي تحركوا ولم يكن لديهم حسابات دقيقة، وربما أنهم أخطؤوا الحساب، من حيث ظنوا أن القتال في دماج سيخلط الأوراق على التسوية السياسية في البلاد. لكن أحداثا مجردة من دوافع إقليمية أو دولية أو يقف وراءها جماعة مصالح لم تعد متماسكة سوى من موقف في اللحظة يتبدد سريعاً في وضع سياسي وطني متغير لا يستطيع خلط الأوراق.
في الفترة السابقة قبل الثورة كان هؤلاء بمجموعهم منحشرين في بطن الدولة، وخلفوا آثاراً عميقة تمثل أبرزها في ضعف ووهن الدولة وتلاشي سلطة الدولة، تحول الفساد نتيجة لذلك إلى مؤسسة احتلت فراغ السلطة أينما تجلى ذلك الفراغ، فأصبح هؤلاء ومصالحهم في المقدمة ودفعوا بالدولة وكل سلطاتها إلى دور ثانوي تابع لهم .
أما إذا أخذنا بأن ما يجري من صراع عسكري في دماج ملتبس بالدين فقد دخل الدين في أوضاع مضطربة، تجليها الأول فقدان التطابق الذي كان بين الحالة الدينية الشعبية والحالة الدينية الحزبية، من جراء تعدد الأهداف السياسية للأحزاب والجماعات الإسلامية، وقد تبلور الأمر على شاكلة "خلاف في الدين وصراع على المجتمع" .
طبعاً إلى هنا أنا أتحدث عن أحد قطبي الصراع، وهو الاصطفاف المعبر عنه تحت عنوان "السلفية الجهادية" و"السلفية الدعوية"، وقد سمعت من شخصيات قيادية أو اجتماعية كبيرة متعاطفة معهم تنادي بأعلى الأصوات بتدخل الدولة. والأمر في هذا النداء وأخذ في الاعتبار لخبرة هؤلاء في هذا المجال وأعتقد -والله أعلم- أنهم ينادون الدولة للاستقواء بها كما كان الأمر يجري في مثل هذه الحالات في ظروف سابقة؛ لكن اليوم الظروف تغيرت وحنينها واحد من تأثيرات إعادة هيكلة الجيش على قصوره، وإلا ما وجدت لماضي العلاقة بين هؤلاء والجيش تعبيرات ضعيفة هنا أو هناك .
المفارقة في هذا الصراع، من حيث الأهداف المعلنة، أن الخطاب الإعلامي للسلفية وإذ ينتمي إلى الماضي فإنه يعيد الصراع إلى أسباب قديمة تتعلق بالدين وبالعقيدة الدينية مع "أنصار الله"، وخطاب هؤلاء يتهم أولئك بالسعي إلى أهداف سياسية هي من مثل عرقلة التسوية السياسية أو الحوار الوطني الشامل أو إعاقة بناء الدولة المدنية الحديثة، وقد ابتعد "أنصار الله" في خطابهم السياسي عن الإشارة إلى أسباب مذهبية أو دينية شاملة. ولما كانت القوتان تتدثران بهوية مذهبية تخالف الأخرى، ولا نرى في هذا الصراع غير حضور السياسة، هذا يجعلنا نستنتج أن الحس الديني لدى الناس دخل في أوضاع مضطربة في اليمن، تجليها الأول يتبلور في فقدان التطابق الذي كان حتى قبل عقد من السنوات بين الحالة الدينية الشعبية والحالة الدينية الحزبية، من جراء تعدد أحزاب وجماعات "الإسلام السياسي"، وتنوع واختلاف أهدافها السياسية .
لذلك نجد اليوم صراعاتها فيما بينها تتبلور على شاكلة "خلاف في الدين وصراع على المجتمع"، وهو صراع يمزق البنية المجتمعية للبلاد، ووصل اليوم إلى درجة يخلف فيها الدماء والدموع والأحزان، ويزداد الألم عندما يتم اكتشاف موت العشرات أو المئات من الشباب الصادقين في إيمانهم بما يعتقدون، ومعظمهم من الفقراء والمعدمين من جميع الأطراف، شهداء أو ضحايا، إن ذلك بعضه أو كله كان لأسباب دنيوية خافية عليهم .
انظر مثلاً، توجد في اليمن اليوم أربعة أو خمسة تعبيرات مختلفة للأحزاب والجماعات: "إخوان مسلمين" وهم لا يُقدمون أنفسهم عن طريق هذا الحزب لأنهم يريدون بناء دولة وطنية، وجبهة التحرير التي تريد بناء دولة الخلافة، والسلفية الجهادية وهم من الجيل الثاني وهمهم أن يبنوا إمارة أو حتى يسيطروا على قرية لتطبيق الشريعة الإسلامية، واليوم لديك حركة إسلامية أخرى تُسمى بالحوثية أو "أنصار الله" وعندها رؤية مختلفة كثيرا عن الحركات الإسلامية السابقة. اليوم، هذه القوى تقتتل فيما بينها. إذن فأنت عندما تنظر إلى هذه الأمور كلها وتتعاطى مع الواقع على أنه لم يتغير، فهذا ليس صحيحاً. الواقع السياسي في البلاد تغير بشدة.

أوضاع الحزب الاشتراكي
انعقاد المجلس الحزبي، هناك من يرى أنه هروب من عقد المؤتمر العام للحزب، وهناك سبب أنتم لا تقولونه.. يطرح كثيرون أنكم إن عقدتم مؤتمرا عاما فقد يظهر حزب اشتراكي جنوبي...؟
غير صحيح. هذه أحاديث افتراضية، تهويمات غير صحيحة. نحن بدأنا عقد المؤتمر العام السادس عام 2010، وبدأنا عقده بدءاً من المنظمات الحزبية القاعدية حيث توفرت؛ لأنه من بعد حرب صيف 94 الحزب الاشتراكي ضُرب بشكل كبير، وتمت محاصرته، وكان أشبه بمن فُرض عليه وحده قانون الطوارئ، لم يكن يُسمح له بالعمل ولا بالتحرك، وكانت قياداته وكوادره تتعرض لملاحقات ومضايقات... هذا أثر في البنية الحزبية التنظيمية للحزب، وشهدت هذه البنية تخلخلا. عندما بدأنا في عقد المؤتمر العام السادس قطعنا أشواطا فيه، أنجزنا خطوات في المنظمات الحزبية القاعدية، وأنجزنا خطوات في المديريات. عندما عقدنا مؤتمرات المديريات، ظهر إلى حد كبير أن أغلب أعضاء اللجان الحزبية في المديريات، والمؤثرين داخل الحراك، هم قيادات الحزب الاشتراكي، وهذا خلق حالة من الهستيريا عند القوى التي كانت اطمأنت إلى أن الحزب الاشتراكي غير موجود؛ إلا أنها فوجئت بهذه الحقيقة...
(مقاطعاً) كيف تقول إنه لا يوجد مخاوف من وضع الحزب في الجنوب وأنتم عجزتم عن عقد مؤتمراتكم الحزبية في الجنوب؟
لا، لا، لم نعجز.
لم تعقدوا مؤتمر عام منظمة عدن والضالع...؟
عقدنا مؤتمرات لجميع مديريات عدن، عقدنا لمديريات في الضالع، كان لدينا خطة، وقطع علينا الطريق قيام الثورة في فبراير 2011، فبقيام الثورة تغير كل شيء في البلاد، ونحن انخرطنا بها. كان أول مؤتمر عقدناه في حضرموت، وثاني مؤتمر في شبوة، وثالث مؤتمر عقدناه في حجة، وكنا نعقد المؤتمر في تعز. وتعرف أنت أن مؤتمر الحزب انتهى في تعز يوم 11 فبراير، وخرج أعضاء الحزب من مؤتمرهم إلى الثورة، إلى الساحة. بعدها بيومين أو ثلاثة، كان هناك شخص يجري لقاء مع "بي بي سي"، سأله المذيع: "يبدو أن اليسار هو من بدأ الثورة؟"، فرد عليه: "يا عم أيش من يسار؟ اليسار قد مات زمان"، مع نكران هذه الحقيقة.
نحن لماذا عقدنا مؤتمر الحزب في حضرموت، وتعز؟ قبلها بشهر، ألقى الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، خطابا وقال فيه: "أيش من حزب اشتراكي؟ أيش عاد باقي منه؟! هذا شبع موت، هذا مات زمان". قلنا: نحن نريد أن نتأكد أن هذا الحزب لم ينته، ونبدأ في محافظتين، في تعز وحضرموت. وعقد مؤتمرا هاتين المحافظتين للرد. وعقدنا مؤتمرات مديرياتنا في جميع المحافظات بنسبة 82%، جاءت الثورة فتوقف كل شيء. عندما جئنا نُقيم مؤتمرات المديريات، وجدنا أن هذه المؤتمرات عُقدت بطريقة لا تنتمي إلى نظام الحزب. وإنما أخذت بعدا قطيعيا، خارج النظام، ولم تتم وفقاً للإجراءات التي يجب أن تتوفر للمؤتمرات وفقاً للنظام الداخلي. وجدنا فعلاً أن حزبنا عاش حالة انهيار. لا يكفي أن تأتي بالناس وتجمعهم وتقول: عقدنا مؤتمرا، وتأخذ نفسك وتمشي. حينها سيتحول الحزب ليس ذلك الحزب اليساري الحقيقي، الذي أبعاده الجماهيرية موجودة في الطبقات الوسطى وطبقات العمال والفلاحين.. وجدنا أنفسنا أمام قيادة سياسية وخط سياسي وبس، وهذا أخطر أنواع الضعف، حينها تكون القيادة تعمل ما تشاء، وتُحدد خيارات وتمضي إلى حيثما تمضي. العودة مرة أخرى إلى عمل المجلس الوطني هو لإعادة لملمة الحزب، وإدخال الحزب ككل كي يتخذ القرار مع بعض دون ترك هذا الأمر لهيئاته العليا، وثانياً لمعرفة من نحن في الأسفل، في المحافظات. اليوم، حين أخذنا نُراجع قوائم المحافظات وجدنا أشياء لا تنتمي لتاريخ الحزب الاشتراكي، هناك جماعة أسماؤهم موجودة في قوائم المؤتمرات وليسوا موجودين في القوائم الجديدة، بعضهم جاؤوا بأولادهم إلى لجان المحافظات، كثير من سكرتيري منظمات الحزب حولوا المنظمات إلى إقطاعيات خاصة بهم... هذه أوضاع مهلهلة، وأن تعقد مؤتمر الحزب وفق كيانية من هذا النوع فلا يُمكن أن تجد الحزب. لكن المجلس الوطني هو لأداء هاتين المهمتين:
أولاً: إعادة ضبط أمور الحزب في تركيبته التنظيمية والعضوية وفقاً للنظام الداخلي، وتنقيته من الشوائب.
ثانياً: وضع عدد من المقترحات لتعديل النظام الداخلي بما يتناسب والحصول على بنية تنظيمية مختلفة غير البنية التنظيمية الموجودة. البنية الموجودة اليوم قائمة على أساس نظام داخلي أقر عام 1936، من زمن ستالين، ولا تتناسب للوضع القائم اليوم. إلى جانب وجود قاعدة جديدة: كل استراتيجية جديدة بحاجة إلى بنية تنظيمية تُلائمها، أي انتقلت البنية التنظيمية من بناء متماسك تُحافظ فيه على ذاتك، إلى أداة من أدوات العمل. أي أن هذا يشترط أن تُغيرها أكثر من مرة، ولا تكون رهين بنية محددة.
كذلك، يؤخذ في الاعتبار تجديد أو دمج إضافات جديدة من الشباب إلى الهيئات القيادية المختلفة. ثم نُقدم رؤى سياسية للنظام الداخلي الجديد، وتقييم ما عمله الحزب منذ المؤتمر العام الخامس وحتى يوم انعقاد المجلس الوطني، وهناك مشروع يتخذ المجلس الوطني فيه قرارا، بعد لملمة هذه الهيئات الحزبية، لعقد المؤتمر العام السادس، واستئناف العمل فيه.

مع ذلك، لا نجد مبررات منطقية لاستبدال المؤتمر العام بمجلس وطني...؟
أولاً: المجلس الوطني يشكل المرجعية العليا للحزب بين المؤتمرين، وهو مجلس تم استحداثه ضمن البنية التنظيمية للحزب في النظام الداخلي الذي صدر في المؤتمر العام الرابع. أما محددات استحداث هذه البنية فكانت تتمثل في تجاوز المخاطر التي نتجت أكثر من مرة عن الاختلافات والانقسامات الحادة داخل اللجنة المركزية، وقد أنتجت هذه الحالات التي مرت بالحزب، وخاصة عندما كان حاكماً، خيارات عنفية/ مسلحة للحسم، والبنية التنظيمية للحزب كانت لا توفر مرجعية فوق اللجنة المركزية لحسم الأمور سلمياً وقانونياً ونظامياً، حيث كان المؤتمر العام ينتهي وجوده التنظيمي البنيوي بمجرد انتهاء أعماله. هذا من ناحية. كما أن عقد مؤتمر وبحسب النظام الداخلي يتطلب تنفيذ شروط معقدة ويأخذ وقتاً طويلاً لا يسعف الحزب في اتخاذ معالجات لقضايا ملحة في الوقت المطلوب .
ثانياً: عمل الحزب خلال الفترة السابقة، في 2009-2010، إلى عقد المؤتمر العام السادس، وتمكن من الانتهاء من عقد مؤتمرات منظمات الحزب على مستوى المديريات والدوائر النيابية، كما بدأ بعقد المؤتمرات على مستوى لجان المحافظات، وعقدت المنظمات الحزبية على مستوى لجان المحافظات في كل من محافظات شبوة وحجة وتعز، ومنظمة الحزب بتعز كانت انتهت من عقد مؤتمرها الرابع يوم 11 فبراير 2011، وخرج شباب الحزب من قاعة المؤتمر إلى إحدى الساحات المتاحة في المدينة وقاموا بالاعتصام فيها تأييداً للثورة الشبابية المصرية وسقوط "حسني مبارك"، ومنذ ذلك التاريخ واصل أعضاء الحزب اعتصامهم حتى انتصار الثورة الشبابية في اليمن .
وكان هذا اليوم، 11 فبراير، موعداً لعقد مؤتمري الحزب في محافظتي إب وصعدة، إلا أن الأحداث التي تلت هذا التاريخ أجبرتنا على إيقاف تنفيذ الخطة الخاصة بالانتهاء من المرحلة النهائية نحو عقد المؤتمر العام السادس .
ثالثاً: عند تقييمنا لسير أعمال مؤتمرات منظمات الحزب، سواءً على مستوى المديريات أو المحافظات التي عقدت مؤتمراتها من ناحية، وتقييم الأوضاع للحياة الحزبية الداخلية، وجدنا أن السنوات التي عاش فيها الحزب من بعد العام 1994م أصابته بانهيارات عديدة، أولا من حيث البنى التنظيمية فقد غاب الحزب عن مساحات في البلاد كان يغطيها في السابق وانحسر فيها وجوده الحزبي التنظيمي، وإن كان له وجود من خلال أعضائه بدون اطر تنظيمية فعلية؛ ويضاف إلى هذا أيضاً انهيارات نظامية، حيث غاب تطبيق أسس ومواد النظام الداخلي في الحياة الحزبية الداخلية، فبدأ الحزب يفقد ميزاته المؤسسية، وساد بدلاً منها العشوائية في اتخاذ القرار، والروح الإقطاعية في تملك منظمات الحزب من قبل بعض القيادات، بل الأسوأ من ذلك كان يتم ملء الشواغر بأسلوب أقرب إلى التوريث منه إلى طابع العمل المؤسسي في بعض من منظمات الحزب، وتحديداً بالمحافظات الريفية .
رابعاً: نجحت السلطة السابقة في تجويف الأحزاب السياسية جميعها، وخاصة على مستوى الهيئات القيادية العليا، باستخدام شتى السبل، لتخريب الوظائف الأساسية للتعددية الحزبية السياسية، حتى ضمن الهامش الديمقراطي، وأمكن لها تحقيق اختراقات على هذا الصعيد، من أبرزها سعيها الدائب إلى ضم ما استطاعت من تلك القيادات إلى طبيعة النخبة السياسية الحاكمة، ولكن على مستوى المرتبة الثالثة أو الرابعة، واستدعت لذلك ما يمكن تسميته بالسياسي الهامشي، الذي له أن يتحرك في حدود خطوط حمراء ضمن مساحات ضيقة للمناورة. وكان لحزبنا من هذا التجويف نصيب .
خامساً: إن استئناف عقد المؤتمر العام السادس في هذه الأجواء والمناخات الداخلية لا يمكن للحزب أن يحصد منه نتائج إيجابية في رفع درجة كفاحيته، التي لا يمكن توصيفها اليوم بغير أنها واهنة، وإلى ذلك وأخذاً بالاعتبار التحولات السياسية في البلاد، وأن ينقي الحزب أوضاعه الداخلية من الشوائب، وأن يحدد الخطوط الرئيسية لبرنامجه السياسي الجديد، وأن يعيد النظر في النظام الداخلي بما يساير الأوضاع الجديدة في البلاد، ورسم الخطوط العريضة لاستراتيجية جديدة تتطلب حتماً بنية تنظيمية ملائمة لها وأساليب تنظيمية تقدر على تنفيذها.
وفي هذا السياق، ولما كان الأمر في جملة هذه الموضوعات من حيث التصديق عليها للمؤتمر العام، فإن المجلس الوطني سيقوم بإعداد مشروعات هذه التعديلات في النظام الداخلي والخطوط الرئيسية لبرنامج سياسي جديد، وتحديد الخطوط العريضة لاستراتيجيته الجديدة. وستقدم اللجنة التحضيرية لانعقاد المجلس الوطني واللجنة المركزية مشروع قرار بالبدء بدورة انتخابية كاملة لعقد المؤتمر العام السادس في فترة خلال 6 - 9 شهور من تاريخ انتهاء أعمال المجلس الوطني.
مجلس تنسيق منظمات الحزب في المحافظات الجنوبية، أولاً يظهر هذا المجلس كما لو أنه حزب جنوبي، ويظهر في أوقات مختلفة وكأنه يُعبر عن القائمين عليه، وكأن هناك افتراقا بين قيادات هذا المجلس وقيادة الحزب...؟
لا، مجلس التنسيق الحزبي ليس بنية تنظيمية جنوبية. يوجد في النظام الداخلي عندنا مبدأ يعطي الحق للمنظمات الحزبية المختلفة أن ترسم سياساتها بناءً على بيئتها السياسية والاجتماعية...
ترسم سياساتها، ولا تتكتل بناءً على جغرافيا سياسية معينة...؟
لا، لا. نحن نناقش قضية الجغرافيا السياسية من الصباح. مع الأسف، الأمور رست على جغرافيا سياسية، رست هكذا. عندك حراك، وجماهير تخرج على قاعدة جغرافيا سياسية محددة. بالتالي، فهذا مجلس التنسيق الحزبي قائم على مبدأ في النظام الداخلي يتيح للمنظمة الحزبية، أياً كانت، وفي أي مكان كانت، أن تقوم بالعمل وفقاً للبيئة الاجتماعية والسياسية، أي الهموم الرئيسية للناس؛ لكنها في القضايا الوطنية لا ترسم سياسات وطنية؛ لأن هذا متروك للمؤتمر والهيئات الحزبية العليا. من ناحية أخرى، تُرك الأمر بشكل تلقائي، ويلتقي وفقاً للضرورات. إذا أعطي بعدا مؤسسيا سيُشكل الخطر الذي أنت قلت عليه.
ما سبب أداء الحزب الاشتراكي بشكل عام، وضعف أداء منظماته القاعدية؟
إذا أردت أن تُقيم الحزب الاشتراكي من حيث القوة والضعف، يجب ألا تتجه إلى بنيته التنظيمية الآن. قلت لك إن بنيته التنظيمية الآن لا تتناسب وطبيعته؛ لكن انظر إلى الحزب الاشتراكي من خلال دوره في العملية السياسية الجارية في البلاد، ستجد حينها أن دوره يفوق بكثير وضعه التنظيمية، فهو حزب سياسي مؤثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.