لربما تربط الانحسارات والأزمات المتكررة لرغيف الخبر المواطنين بالمجاعات أو النضال، غير إن تلك التي تعصف به في اليمن تذكر الناس فقط بجشع التجار واستغلال ملاك المخابز والأفران وغياب الدولة. ارتفاع سعر الخبز فضلا عن تلاعب ملاك الأفران بالمواصفات والأوزان المعمول بها، أجبر معاذ مهدي وهو رب أسرة مكونة من خمسة أفراد على شراء ربطتين خبز بدل الربطة الواحدة. (ربطة الخبز = 8 أرغفة في الفرن، بينما في البقالة 7 أرغفة)
يقول معاذ «بالكاد تكفيني ولأسرتي ربطتين من الخبز بالنظر إلى تقليص حجمه، وهذا يعني إن نفقاتي على الغذاء ستزيد وهو ما يحتم عليّ بشدة ان أفكر في بدائل للعمل في ظل بطالة متفشية».
وبالتزامن مع صبيحة اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة اليمنية إقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية كان رغيف الخبز ينحسر ويقل حجمه، علل ملاك المخابز حينها "تكلفة انتاج الخبز تفوق سعره".
وعلى الرغم من اتفاقات وقعت في السنوات الماضية بين الأطراف الثلاثة المعنية بأمر الخبز وهي وزارة التجارة والصناعة والغرف التجارية وملاك الأفران إلا إن تلك الاتفاقيات والتعهدات كغيرها تذهب أدراج الرياح في ظل رقابة غائبة.
ارتفاع سعر الديزل لم يكن البداية بدأت الحكاية حين رصد «المصدر أونلاين» تراجع في حجم الرغيف في مطاعم عدة، ذلك التراجع لوحظ أيضا في الرغيف الذي توفره البقالات ومتاجر التموين ليصل الأمر إلى الأفران التي عمدت إلى تصغير حجم الرغيف.
وفي المقابل شكا مواطنون من ذلك التراجع والتدهور في حجم الرغيف بأنواعه (الخبز، الروتي العادي، الروتي الفرنسي، الكدم، خبز المطاعم) غير إن ملاك الأفران برروا ذلك بارتفاع سعر الديزل «نحن متضررين مثلكم، وأنتم عارفين إن كل شيء غالي والحكومة هي المسؤولة لما رفعت سعر الديزل»، امتصت هذه الكلمات التي صرخ بها مالك فرن الاحتقان والغضب لمواطنين ناقمين ليصبوا لعناتهم على الحكومة.
وسجل الوزن الأول لرغيف خبز من أحد المطاعم (38 جرام) وسجل رغيف آخر من أحد الأفران الفرعية (44 جرام) بينما سجل وزن الرغيف من مخبز رئيسي (57 جرام) فيما سجل «الروتي» من أحد البقالات (50) جرام.
كل تلك الأوزان المسجلة للرغيف من جهات عدة لم ترتقي إلى الوزن الذي أقر خلال السنوات الماضية من قبل مكتب التجارة والصناعة في أمانة العاصمة والغرفة التجارية وملاك المخابز والمحدد ب(80 جرام).
ملاك المخابز يبررون رفع السعر يقول «منذر صالح» وهو أحد مالكي الأفران «الاتفاقيات الموقعة بين الأطراف الثلاثة والتي تحدد آلية إنتاج الخبز لم تعد صالحة بسبب ارتفاع سعر الدقيق والديزل والتكلفة العالية في أجور النقل وأجور الإنتاج». يضيف إن ملاك الأفران «هم ضحية للتجار الذين رفعوا من أسعار مواد الانتاج».
وعزا التراجع في حجم الرغيف والاختلالات في انتاجه إلى الرقابة الهشة والعشوائية لتفعيل تلك القوانين والاتفاقيات والتي تشجع بدورها كثير من مالكي الأفران للتلاعب في المقاييس والمواصفات لإنتاج الرغيف.
ويتهم صالح الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة - وهي المسؤول الرئيسي بحسب قوله - عن تلك الاختلالات حين تصيغ قوانين وصفها بالمجحفة بحق ملاك الأفران في ظل غياب صوت موحد لملاك الأفران وغياب نقابة تعمل على انصافهم وتطالب بحقوقهم.
وفي الغالب يضطر ملاك الأفران لتقديم تنازلات لعملائهم من المطاعم والبقالات وتتمثل في تصغير حجم الرغيف في مقابل خفض السعر لهم مقابل تصريف كميات كبيرة من الخبز.
ولا تحضر الرقابة على رغيف المطاعم، وإن حضرت فتقع المسؤولية على مالك الفرن.
قانون جديد قبل فترة عقدت الغرفة التجارية لقاء موسعا ضم الأطراف الثلاثة، وانتهى ذلك اللقاء إلى إقرار قانون يتمثل ببيع الخبز بالوزن، وحدد سعر الكيلو الواحد ب(240 ريال) وللرغيف الواحد ب(20 ريال) بوزن (75 جرام).
وقال مصدر في الغرفة التجارية إن القانون قُدم إلى أمانة العاصمة لإقراره وتعميمه على ملاك المخابز اليوم الأحد.
ووصف المصدر إن القانون المزمع تطبيقه أنصف جميع الأطراف، وأن سعر الكيلو الواحد (240 ريال) راعى جميع تكاليف الانتاج مع وضع هامش ربح جيد لملاك الأفران، في مقابل أنه جيد للمواطن.
وذكر إن آليات القانون التي اعتمدت على المصادر الرسمية لعمليات انتاج الرغيف حددت بشكل واضح مسألة التداول والانتاج بغية ضبط الاختلالات الحاصلة والتي يتكبدها المواطن بشكل رئيسي.
قانون بلا أنياب على غرار تطبيق القوانين في البلد، يبقى قانون انتاج الخبز على الورق فقط في غياب الرقابة وإذا ما حضرت تكون هشة. ويقول نائب مدير مكتب الصناعة بالعاصمة صنعاء علي عبد العزيز إن الرقابة على الأفران ضعيفة وغير حاسمة ورادعة، ففي السابق خولت النيابة العامة بتطبيق العقوبات للمخالفين والمتلاعبين في عملية الانتاج.
ويفصل عبد العزيز تلك العقوبات التي تنفذ على ثلاث مراحل؛ بتغريم المخالف مبلع عشرة ألف ريال في المرحلة الأولى ؛ واذا ما كرر ذلك يغلق المخبز ليومين؛ فيما الثالثة تحدد النيابة مدة إغلاق المخبز.
ويذكر إن أغلب الأفران المخالفة لا تتوانى في دفع المبلغ الذي يعد يسيرا في مقابل الأموال المتدفقة إثر التلاعب بالوزن.
ويرجع هذه الاختلالات والتلاعب إلى ضعف الرقابة في كل أجهزة الدولة «أكثر ما نعاني منه إن لجان الرقابة لا تكلف نفسها عناء البحث الجاد والتفتيش الدقيق للمخالفين، وهذه مشكلة تعاني منها أجهزة الدولة».
ويتهم النيابة العامة بالفشل، فالجهات القضائية والنيابية بطيئة ومتغاضية للحجم الهائل والمتدفق «لو أن النيابة فعّلت تطبيق العقوبات لأغلقت تسعين في المائة من الأفران في أمانة العاصمة، لكن النيابة فشلت».
ويستدرك عبد العزيز «نص قرار القانون الجديد حدد المجالس المحلية ومدراء العموم هم المخولين لتطبيقه».
ويقول إن المسار القانوني الجديد كفيل بتنظيم العملية الرقابية، ولن يعطي لأي طرف امتيازات على حساب طرف آخر.
تردي مواصفات الرغيف وفيما يبدو إن أزمات الرغيف اليمنية لا تنتهي بالتلاعب والإخلال بالمواصفات والمقاييس للحجم فقط، بل يتعدى ذلك إلى الإخلال بالمواصفات الفنية للمخابز.
وفي الأغلب تشكو المخابز من سوء تخزين القمح وجودته في ظل معلومات مؤكدة عن تورط بعض أصحاب الأفران في استخدام دقيق فاسد بعلم وبدون علم أحياناً رغبة في الحصول على الربح.
وتستخدم أغلب الأفران الشعبية والأهلية وقود الديزل في انتاج الخبز على الرغم من المخاطر الصحية والبيئية، بينما تتم عملية العجن باستخدام مياه عسرة وتفتقر لأدنى مقومات السلامة الصحية.
ودرج ملاك المخابز على إضافة الخميرة والمحسنات بعشوائية دون مراعاة للمواصفات المحددة في قانون المخابز.
يقول نائب مدير مكتب الصناعة والتجارة بالعاصمة صنعاء إن جميع المخابز باستثناء عدد محدود لا تخضع لمواصفات الإنتاج، ولا تضع أي اعتبارات صحية وخاصة الأفران الفرعية والنشطة في أماكن العشوائيات والحارات.
ويشير إلى إن قانون المخابز حدد المواصفات المعمول بها في الإنتاج والتي من ضمنها، نظافة الفرن والعمال ونسبة الخميرة وألا يكون محترقا وغيرها من المواصفات.
ويضيف «لو أننا طبقنا القانون على المخابز في المواصفات المقننة، لأغلقت جميعها».
ويذكر عبد العزيز بأن الرقابة لم تطال أفران انتاج (الكدم وخبز المطاعم والفته)، وفي الأغلب ستكون ظروف الانتاج فيها رديئة جدا.
إلى جانب آخر، أغلق مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة تعز الأربعاء الماضي خمسة أفران وذلك لمخالفتها الأوزان والأسعار . رغيف اليمن فاسد وتندرج تراجع الخدمة الغذائية المقدمة في انتاج الرغيف وتدني الخدمات التشغيلية له من ضمن سوء التغذية في اليمن والتي حذر منها تقرير لمنظمة الغذاء العالمي منتصف يوليو الماضي.
وقال التقرير إن خمسة ملايين يمني يعانون من انعدام الامن الغذائي ومن نقص "حاد" في الغذاء، وهذا يعني ان هناك حاجة للمساعدة الخارجية في الجانب الغذائي حيث ان هناك "انتشار " حاد للسوء التغذية المزمن بين الأطفال دون سن الخامسة.
وتعد قضية الرغيف قضية أمن قومي للبلد حيث يشكل الاعتماد الرئيسي للغذاء، بينما تتركز فيه كل عيوب النظام السياسي من استبداد وفساد، ويتجلى فيه أيضا كل محاسنه.