يترقب الشارع السعودي وجهات كثيرة مابين حكومية وحقوقية وغيرها القرارات التي يتوقع صدرها على خلفية كارثة جدة وذلك بعد قرابة أكثر من مائة يوم تقريبا تمكنت خلالها لجنة التحقيق وتقصي الحقائق في أسباب كارثة جدة من إنهاء تقاريرها وتحقيقاتها لتقوم بتسليمها للعاهل السعودي الملك خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبد العزيز لتخلق حالة من الترقب وتوقعات تأتي في أولويتها عقوبات تطال كل المتسببين في الكارثة بشكل أو بآخر وبحسب ما تمخضت عنه التحقيقات التي انطلقت منذ تشكيلها في 30 نوفمبر 2009. وكان العاهل السعودي قد استقبل في وقت قريب رئيس لجنة التقصي والتحقيق الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة حيث شاهد العاهل السعودي فيلما عن الكارثة واستمع إلى شرح على خرائط توضيحية عن كمية الأمطار التي هطلت على مدينة جدة، وما خلفته من وفيات وإصابات بشرية وتلفيات في المساكن والسيارات وأسباب ذلك.
من جهته أكد للعربية نت المستشار والمحامي د. خالد النويصر" أن اللجنة أدت واجبها في وقت وجيز قياساً بحجم الكارثة وأنهت كل ما أُسند إليها من مهام من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، وتوّجت ذلك برفع تقريرها للمقام السامي، لاتخاذه ما يراه من توجيهات ملكية سديدة".
وأشار إلى أن فداحة الفساد الإداري والمالي يمكن أن تتبدى بصورة مؤلمة عندما يتعلق الأمر بحياة الناس ومصيرهم خاصة مثل تلك الآثار الكارثية التي أدت إلى إزهاق عشرات الأرواح في تلك الفاجعة نتيجة لعوامل الفساد الإداري والمالي في حالة ما إذا ثبت ذلك، كاختلاس المال العام أو تبديده بدلاً من إنفاقه على المشاريع المخطط لها.
وأضاف النويصر "في حالة التستر أو التغاضي أو التفريط في المال العام وغيرها، فإن ذلك ومن خلال الواقع العملي يؤكد زيادة نسبة جرائم الرشوة سنوياً". كما طالب "بالعمل على إعادة النظر في نظام مكافحة الرشوة للحد من انتشار الفساد الإداري والمالي بالمملكة، لأن ذلك له تأثير سلبي على صورة المملكة في ظل متطلبات معايير الشفافية العالمية، إلى جانب تداعياته السلبية على تدفق الاستثمارات الأجنبية للمملكة". موضحاً أن الرشوة تعتبر من أكثر أشكال الفساد الإداري شيوعاً، وغالبا ما تكون على حساب الآخرين أو على مصالح الدولة، وكذلك الاختلاس والسرقة.
واستطرد النويصر أن الدولة قد أولت أهمية قصوى بشان محاربة الفساد الإداري والمالي، ونشر ثقافة ذلك باستخدام جميع الوسائل الإعلامية المتاحة إلى جانب إقامة ورش العمل والندوات المتخصصة في هذا المجال.
وحول مقترحه قال "المرسوم الملكي رقم م/36 والصادر بتاريخ 29/12/1412ه تناول الأحكام الخاصة بالرشوة، واقترح أن يُعدل النظام السابق بهدف زيادة المكافآت التشجيعية سواء المادية أو المعنوية للموظف أو الفرد الذي يُدلي بمعلومات عن جرائم تتعلق بالرشوة بنسبة أكبر من الحجم المنصوص عليه في النظام، وذلك حرصاً على الصالح العام".
ورأى النويصر وجوب أن توفر الجهات الحكومية ذات الصلة الضمانات والحصانات الكافية التي تؤمن حجب شخصية أو اسم من يُبلغ عن جريمة الرشوة وعدم النيل منه من قبل الراشي أو الوسيط أو المرتشي، كما يجب أن تُعامل المعلومات التي يدلي بها والمستندات التي يتقدم بها معاملة سرية كاملة حتى الوصول إلى الجاني في مثل هذه الجرائم، وأن يقتصر دور المُبلغ على الإدلاء بالمعلومات".
وأوضح أنه يمكن أن تتعدى العقوبة المقررة لجرائم الرشوة والمنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة شخص الراشي أو الوسيط لتنال هذه العقوبة بأشكال مختلفة الجهات أو الشركات أو الإدارات أو المكاتب المستفيدة أو المتواطئة، وضرورة تفعيل مفهوم الردع العام والخاص.
وخلص النويصر إلى أنه يمكن مكافحة الرشوة عن طريق دراسة الأسباب المؤدية إلى قيام البعض بجرائم الرشوة، إلى جانب بحث الآليات المثلى لحلها من خلال تفعيل دور الهيئات الرقابية والجهات المساعدة الأخرى على ضوء الأبحاث والدراسات السابق إعدادها في هذا السياق، إلى جانب توسيع الشراكة بين الجهات المختصة ووسائل الإعلام لتبيان خطورة جرائم الرشوة، نظراً لدور الإعلام الكبير والفاعل في عملية التوعية والتثقيف والتنشئة. يذكر أن موضوع التحقيق في الحادثة سبق وأكد عليه العاهل السعودي في مناسبات عديدة حيث يحظى بمتابعة شخصية ومن ذلك ما نقلته عنه صحيفة السياسة الكويتية في حديثه لها حيث قال""رغم أن هذه الأمطار والسيول هطلت بإرادة الله ولا راد لإرادته سبحانه، إلا أن ذلك لا يعني ألا نكون على أهبة الاستعدادات لمواجهة ذلك وإبعاد أي أضرار يمكن أن تنشأ عن مثل هذه السيول، لقد تألمنا لما حدث وواسينا منكوبي السيول، لكن ذلك لا يكفي إذ يجب تحديد المسؤول ومحاسبته، ولن نتهاون مع أي مقصر في هذا الشأن، لقد كشفت السيول عما يجب أن نفعله في الأيام المقبلة وتحسين البنية التحتية سواء في جدة أو في المدن السعودية الأخرى".
تداعيات الكارثة الكبيرة حظيت بمعاملة خاصة من قبل الحكومة السعودية في التخفيف عن المصابين وتعويض أهالي المنكوبين حيث خصصت لها ميزانية مفتوحة ومنحت لجانها صلاحيات واسعة لاستدعاء أي شخص أو مسؤول كائناً من كان ووجهت وزارة المالية بصرف مبلغ مليون ريال لذوي كل شهيد.
كما تفاعل العلماء في السعودية مع الكارثة التي تعتبر غير مسبوقة ومن ذلك ما قاله المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن بجواز "التشهير بمن يثبت تورطه في فساد مالي أو أخلاقي فيما يتعلق بكارثة سيول جدة إلى ولي الأمر الذي يفصل فيما يراه مناسبا لجرم المحكوم عليه.
يذكر أن التحقيق والقبض على بعض المتسببين في الكارثة طال أسماء كبيرة في أمانة جدة كما وصل لعدد من كتاب العدل والدفع بهم ليمثلوا أمام الدوائر الجزائية في قضايا إصدار صكوك لمخططات على مجاري السيول وبتهم مثل الرشوة، التزوير، استغلال النفوذ الوظيفي، التربح من الوظيفة العامة، إساءة استخدام السلطة، والاستجابة لطلبات التوصية. كما تم استجواب قرابة أربعين مسؤولا بعضهم تم اعتقاله أثناء دوامه في مكاتب الأمانة وأطلق سراح أكثرهم بعد انتهاء التحقيقات.
من جانب آخر كان التعاطف والغضب الشعبي فاعلا ففي الوقت الذي كانت فيه لجنة تقصي الحقائق العليا تعقد اجتماعاتها اليومية المكثفة تم وبشكل موازٍ تنظيم حملات غير رسمية على مواقع جماهيرية واجتماعية تحظى بمتابعة عالمية مثل موقع"فيسبوك"، بهدف لوضع الحقائق أمام الباحثين عنها وتعرية المسكوت عنه، ومن ضمنه ما لا يمكن نشره عبر وسائل الإعلام الرسمية.
الكارثة التي ولدت من رحمها مئات القصص المأساوية تركت الكثير في وجدان أهل جدة خصوصا والشعب السعودي عموما وفاقت الوفيات فيها أكثر من 150 وشردت أكثر من 7797 أسرة وطالت الأضرار أكثر من 11849عقارا، وتدمير أكثر من 10913 مركبة.